تجار العقارات يصنعون للمشاهد العربي مسلسلاته وذوقه

2022.04.27 | 06:11 دمشق

87775493_257846818539332_5066734388939587584_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان لافتا للانتباه بيان مجلس ديني سوري ينبه من الدراما الرمضانية المسفّة الخالية من الذوق والمتجرأة على القيم العمومية للشعب السوري..

والحقيقة أنه في وقت تغوّل أجهزة الحكم يمكن لجهاز أمن أو ضابط أمن أن يفعل أي شيء ويتلبس أي شخصية يريدها فيصبح مثلا مسؤولا عن كتابة الأعمال الدرامية، قل الأمر عينه بالنسبة لملياردير مقرب من هذه الأجهزة بحيث يمكن ببساطة لتاجر أن يصبح بأمواله وحظوته منتجا لأعمال فنية جماهيرية مثل المسلسلات التلفزيونية محملة بأخلاق مبتذلة، وتوجيهات سلوكية واضحة أو خفية تدخل كل بيت سوري أو عربي، وتشتعل بها الشاشات العربية في رمضان فتترك مرارا في النفوس يزيد حياة الناس بؤسا وألما.

في كتابه "اليهودي العالمي" يكتب مؤلفه هنري فورد الصناعي الأميركي الشهير المقولة التالية: دعني أصنع للشعب أغانيه وليصنع الآخرون قوانينه.

يريد تاجر العقارات السوري الطموح أن يصنع للسوريين مسلسلاتهم، فيما فشل في الظهور كنجم في مشهدين شهيرين من أبلغ مشاهد التراجيديا السورية

يبين الكاتب تاريخ صناعة الفن في أميركا وكيف تحولت خلال قرن من الزمن على يد طغمة من المجرمين الأذكياء المتمولين إلى وسيلة تخريب للذوق هبطت به إلى الدرك الأسفل، وحولت الفن من كونه وسيلة ارتقاء بالنفس إلى وسيلة لحيونة البشر تدفعهم بلا وعي للرقص مثل القرود.

هكذا يريد تاجر العقارات السوري الطموح أن يصنع للسوريين مسلسلاتهم، فيما فشل في الظهور كنجم في مشهدين شهيرين من أبلغ مشاهد التراجيديا السورية، أثار في الأول غضب السوريين عليه حيث وقف أمام مجموعة من السوريين العطشى وبيده زجاجة ماء طالبا منهم الهتاف لسيده الرئيس بالروح والدم كي يحظوا مقابل هتافهم بزجاجات الماء. أما المشهد الثاني فجعله محط سخرية واسعة من السوريين حيث ظهر قبنض باعتباره عضوا في مجلس الشعب وهو يقدم مداخلة عبّر فيها بحماس عن أهمية الطبل والزمر في حياة الشعوب، وعلى أهمية الإعلام حيث قال لا فض فوه:

"الإعلام ضروري والطبل والزمر ضروري لأنه يقوي الشعب والعزيمة والناس"... "الإعلام ضروري بأي شبر من أرضنا منحرر أرضنا الحبيبة"... "الإعلام أضر من أي شغلة. يقوي الجيش. بيقوي الناس بيقوي المعنويات للشعوب إلي رايحين لبرات سوريا بصرلون فكر بسوريا".

هكذا نفهم من كلام قبنض رغم ركاكته المضحكة أن الرجل لديه طموح الوصول إلى السوريين خارح سوريا.. وهو عبر مسلسلاته يصل إليهم ناقلا لهم "المقويات" لرفع معنوياتهم.

والحمد لله فإن أكثر من نصف الشعب السوري تقريبا، وبسبب انقطاع الكهرباء المزمن بات محميا من متابعة الغثاثات التي اسمها مسلسلات سورية. غير أن سوريي الخارج الذين هم غاية قبنض ومن وراءه قد لا يجدون مفرا من متابعة مسلسلاته الأخيرة التي تحمل كمية من الجرأة غير المسبوقة، غافلين ربما أو متغافلين عن إسفافها..

ظاهرة تدخل التجار في إنتاج الدراما ليست جديدة وليست حصرا على سورية، بل هي ظاهرة قديمة عرفتها مصر منذ الثمانينات، وبدأت في حقل الإنتاج السينمائي حيث شكلت ما عرف بظاهرة "سينما المقاولات".

في مصر ليس المشاهد المصري بأفضل حالا فبعض المسلسلات المصرية في رمضان كما لو أن جهة ما تنتجها وتبثها خصيصا لإثارة أعصاب المشاهدين عموما والصائمين خصوصاً. وكان فنان مصري معروف وصف قبل ثلاث سنوات أحد تلك المسلسلات بأنه يروج للدعارة والخيانة الزوجية..

البلاء واحد في سوريا ومصر ولبنان.. والعلاج الممكن الوحيد هو مقاطعة تلك الدراما أو الغثاثة التي تقتل أخلاق وذوق الشعوب العربية

وللأسف فالإنتاج التلفزيوني في مصر منذ ست سنوات أصبح حكرا على شخص مدعوم من الدولة العميقة. يملك شركة إنتاج فني تحتكر إنتاج المسلسلات، صنع ما يشبه دويلة مافيا وكان سببا في إبعاد نجوم وعمالقة الفن المصري، بل أحيانا حاول تحطيمهم بطرق متعددة، على خلفية موقفهم السياسي، وفي المقابل بعث الروح في أسماء منسية قاربت الشيخوخة، وجاء بأشخاص مجهولين تماما فاقدي الموهبة، كذلك الأمر على خلفية موقفهم السياسي.

البلاء واحد في سوريا ومصر ولبنان.. والعلاج الممكن الوحيد هو مقاطعة تلك الدراما أو الغثاثة التي تقتل أخلاق وذوق الشعوب العربية، بعدما قتلت الأنظمة إمكانية الحياة نفسها. فكلاهما واحد الأنظمة وإعلامها، بل يكاد إعلامها هو "الأضر" بحسب تعبير قبنض، وهو وقد خانته العبارة كان أبلغ تعبيرا وأصدق حالا في وصف إعلام الأنظمة.