مازالت تبعات جائحة كورونا الاقتصادية تلقي بظلالها على السوريين في تركيا على الرغم من بدء عودة الحياة لطبيعتها بشكل تدريجي لكن الأمر يختلف في القطاع الاقتصادي رغم تراجع عدد الإصابات إلا أن هذا التراجع لم يقابله تقدم على مستوى العمل والدخل سواء لأصحاب المشاريع التجارية أوالعمال والموظفين الذين أنفقوا مدخراتهم خلال فترة الحجر الاحترازي.
"هل فقدت عملك أم خُفض أجرك؟"، بهذه العبارات يبدأ السوريون حديثهم خلال فترة الحجر الاحترازي، على الرغم من إصدار الحكومة التركية قراراً يمنع أصحاب الشركات من إقالة موظفيهم والتزامها بدفع (السيكورتا) للعاملين والتي تقدر بـ 1200 ليرة تركية وبما يتناسب مع راتب الموظف، إلا أن هذا القرار لم يشمل العاملين الذين لايملكون إذنا أو إقامة عمل والعاملين بأجر يومي وهم الأغلبية بين اللاجئين السوريين فلا يوجد بند قانوني يحميهم وأكثر المتضررين كون معظمهم يعملون بقوت يومهم.
خسارات مالية
أُلغي إجراء الحجر الاحترازي عقب انتهاء عطلة عيد الفطر الماضي، وسمحت الحكومة التركية بافتتاح المطاعم والمقاهي والأماكن العامة، لكن ضمن شروط محددة أهمها التباعد الاجتماعي.
هذه الإجراءات كانت لها تبعاتها السلبية مالياً على أصحاب المشاريع من السوريين والتي تنقسم بين الصغيرة والمتوسطة خاصة بعد إغلاق دام أكثر من شهرين.
وقال صاحب أحد المقاهي في منطقة الفاتح لموقع تلفزيون سوريا، إن "مورد المقهى انخفض بنسبة 70 بالمئة عما كان عليه قبل فيروس كورونا، وذلك لأن معظم مرتادي المقاهي يأتون بهدف شرب النرجيلة أوممارسة الألعاب كالشدة والطاولة وهذا أصبح ممنوعاً الآن، بالإضافة إلى قلة المال بيد السوريين بسبب توقف معظمهم عن العمل، ليصبح تأمين الطعام وإيجار المنازل من أولوياتهم".
مضيفاً "لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فمالك العقار طلب رفع مبلغ الإيجار من 6500 إلى 8 آلاف ليرة تركية، مازاد الأمر تعقيداً بالنسبة إلي، وفي النهاية أُرغمت على دفع الزيادة كي لا أخرج من العقار وأخسر تكاليف تجهيزه وخاصة أنني مستأجر المقهى منذ عام و3 أشهر".
ولم يكن الأمر مختلفاً عند "عبد الله" صاحب مطعم سوري في منطقة بيلكدوزو التي تقطنها نسبة كبيرة من السوريين والعرب، وأفاد لموقع تلفزيون سوريا "فكرت مراراً أن أُغلق المطعم بشكل نهائي بسبب قلة الإقبال على المطاعم بشكل عام الأمر الذي زاد من خسائرنا، فمعظم مرتادي المطاعم العربية إما سوريون أوعرب والذين غادروا إلى بلادهم".
السياحة أكبر المتضررين
أعلنت وزارة السياحة والثقافة التركية، أن جائحة كورونا أثرت على شركات السياحة التركية والعربية بشكل كبير، وعملت مع منظمة مكاتب السياحة في تركيا على وضع خطط تهدف إلى إعادة تنشيط القطاع السياحي، كالتشجيع على السياحة الداخلية وإصدار برامج سياحية للعام القادم.
وقال إسماعيل شرف صاحب شركة سياحية لموقع تلفزيون سوريا، "تكبدت الشركات العاملة في القطاع السياحي خسائر كبيرة فبالإضافة إلى توقف العمل استمرت الشركات بدفع الضرائب وإيجار المكاتب والعربات ورواتب الموظفين الذين لم يُستغن عنهم، ناهيك عن الخلافات مع شركات الطيران التي رفضت إعادة التذاكر المحجوزة للركاب إلا بعد 30 أو 60 يوماً، والذين لم يسافروا عبرها، مادفع بعض المكاتب السياحية لتعوض عملاءها".
وأضاف أن "تخبط الإجراءات التي اتخذتها بعض المطارات وشركات الطيران بعد أن أعلنت معظم الدول فتح مطاراتها أثرت بشكل سلبي ومضاعف على شركات السياحة لأن هناك شركات أبرمت عقوداً مع فنادق وشقق سياحية وسيارات سياحية ولم تستقدم سُيّاحاً. بالإضافة لعزوف مواطني معظم الدول العربية والخليجية للقيام بسياحة خارجية هذا العام والذين يمثلون 70 بالمئة من نسبة السياح القادمين إلى تركيا".
وكان تأثير فيروس كورونا على الشركات السورية العاملة في مجال السياحة أكبر من الشركات التركية كون الأخيرة عقدت عدة اجتماعات مع أصحاب المرافق السياحية لوضع خطط بهدف تقليل الخسائر، أما الشركات السورية لم تتبع هذا الإجراء وتسبب الأمر بخسائر كبيرة لبعض الشركات وإغلاق عدد منها.
لايوجد عمل
يخرج "نور" يومياً للبحث عن أي عمل لكسب المال لكن دون جدوى إلى أن تمكن من الحصول على عمل ولكن بنصف أجر (500) ليرة تركية أسبوعياً وساعات عمل تصل إلى 11 ساعة يومياً في معرض للمواد الصناعية حتى يتمكن من دفع كراء منزله الذي يسكن فيه مع صديقه. وقال نور لموقع تلفزيون سوريا، إن "أكثر الأعمال التي تضررت خلال هذه الفترة هي السياحة والسياحة العلاجية والعاملين في مجال العقارات والإقامات باختصار جميع الأعمال التي ترتبط بالسياحة توقفت ومنها عملي في مركز طبي متخصص بزراعة الشعر، فمعظم أصدقائي الذين كانو يعملون في هذه المجالات هم الآن دون عمل، وصاحب الحظ الوفير منهم من يعمل إلى في هذه المجالات ولو بنصف أجر".
"خسرت عملي في السوق المصري بمدينة إسطنبول بعد 5 أعوام من عملي فيه ببيع الحلويات، لكن ندرة الزبائن دفعت صاحب العمل إلى الاستغناء عما يقارب 70 بالمئة من الموظفين، ولم يكن يستطيع اتخاذ هذه الخطوة بسبب القرار الصادر من الحكومة التركية التي منعت الشركات من إقالة موظفيها خلال فترة الحجر، لكن بعد افتتاح الأسواق أصبح هذا الأمر متاحاً، ورغم تعويضي عن سنوات عملي وفق ماينص عليه القانون التركي إلا أنني لا أستطيع الجلوس دون عمل لأكثر من شهر بسبب تراكم الديون علي خلال فترة الحجر والتي ردتتها للدائنين بعد أن حصلت على مستحاقي المالية". هذا ما حدث مع "علي" وهو رب أسرة مكونة من 3 أشخاص.
وقُدرعدد العمال السوريين في تركيا من المسجلين رسمياً والحاصلين على إذن عمل وغير المسجلين بنحو مليون عامل، وذلك بحسب إحصائيات غير رسمية قامت بها عدة منظمات إنسانية وخدمية في تركيا.
قطاعات غير طبية نشطت
الخوف من الإصابة بفيروس كورونا دفع العديد من الأشخاص والعوائل إلى اتخاذ عدة تدابير لتقليل الاختلاط فيما بينهم، فمنهم من استمر بالعمل في المنزل ومنهم لم يعد يستخدم وسائل النقل العام، واختلفت وسائل الحماية التي بدأ الأشخاص في استخدامها خوفا من العدوى على الرغم من انخفاض نسبة الإصابات إلى أقل من ألف إصابة يومياً.
وقال علاء الدين كوارة شريك مؤسس في شركة متخصصة بالسياحة وتأجير العربات لموقع تلفزيون سوريا، "زاد طلب السوريين والعرب المقيمين في تركيا على استئجار السيارات خلال هذه الفترة وذلك لأن هناك منهم من باع سيارته مستفيداً من ارتفاع أسعار السيارات بشكل كبير وتوجه إلى الاستئجار، بالإضافة لوجود أشخاص يحاولون الابتعاد عن الاختلاط خاصة في المواصلات خوفا من العدوى بالفيروس لذلك لجؤوا إلى كراء العربات".
وأضاف "أن نشاط عمل تأجير العربات في ظل الظروف الراهنة، قابله فقدان العديد من العاملين الموسميين من سائقين وأصحاب عربات سياحية عملهم لهذا الموسم".
ويأمل السوريون في تركيا والبالغ عددهم وفق الإحصائيات الرسمية التركية 3 ملايين و670 ألفاً، عودة الحياة إلى طبيعتها قبل ظهور فيروس كورونا، ونشاط السياحة والأعمال التجارية والصناعية ليستأنفوا أعمالهم التي فقدوها، كون معظم العاملين من السوريين في هذا البلد سواء أصحاب مشاريع أو عمال مرتبطين بشكل مباشر وغير مباشر بالسياحة والتُجار الوافدين إلى تركيا.