icon
التغطية الحية

تبادل أدوار المسرح بين الرجل والمرأة في أسئلة عشقية وفلسفية

2021.04.23 | 07:02 دمشق

1212124.jpg
تبادل أدوار المسرح بين الرجل والمرأة في أسئلة عشقية وفلسفية
علاء رشيدي
+A
حجم الخط
-A

يقدم لنا عرضا "برونز" (نص مضر الحجي وإخراج عمر الجباعي) و"المركز" (نص وإخراج ساري مصطفى) تجربة فريدة في البحث عن تبادل الأدوار المسرحية بين الرجل والمرأة، ذلك أن هذين النصين مكتوبان لشخصية رجولية، لكنهما حين تحولا إلى عرض مسرحي قامت بأداء الأدوار ممثلات نساء (ضنا مخايل، نزهة حرب، نوار يوسف، ومريم حمود).

الرجل في سرد العشق:

تروي مسرحية "برونز" حكاية علاقة بين الضابط (أدهم) والمعتقل الشاعر (هاني)، يرغب الضابط الحصول من الشاعر على قصيدة لأجل عشيقته (جلنار)، بينما الشاعر (هاني) مُعتقل بسبب علاقته مع صحفية أميركية أحبها (جيسي).

 

من عرض برونز، تصوير فرح أبو عسلي (11).jpg
من عرض برونز، تصوير فرح أبو عسلي

 

تتمنع القريحة الشعرية على (هاني) في أن يكتب قصيدة عن عشيقة الضابط، لكن الأخير واقع تحت رحمة هذه القريحة الشعرية، فمشاعر الحب والشوق تثقل عليه، ورحيل (جلنار) وخسارتها أكبر من أن يتحمله الضابط عاطفياً وعقلياً: "قصيدة عن جلنار مقابل الإفراج عنك، أتعرف بت أشك في قدراتك الشعرية رغم أني سمعت عنك الكثير، وعن شعرك، ولكن، ما هذا الشاعر الذي يعجز عن كتابة قصيدة في وصف امرأة كجلنار".

لا يتوانى الضابط عن اللجوء إلى التعذيب للحصول على قريحة الشاعر: "بإمكانك أن تسخر مني، من حديثي، من السجن، من التعذيب، من الحكومة، أما من جلنار فلا"، ومع أن تعذيب الآخر وإيذاءه مباح من قبل الضابط إلا أن العشق مقدس: "الحديث عن جلنار مقدس والاستماع إليه صلاة عليك أن تسمع بخشوع". كلا العاشقين معذبان، فالعشق حالة من العذاب للرجال الذين لا يدركون التعامل معه: "هاني: من يصدق أنني ألقى كل هذا العذاب لأنني عرفت جيسي، لم أفعل شيئاً سوى أنني أحببتها. أدهم: وأنا هل استحق العذاب الذي تسببه لي جلنار؟ البارحة حاولت الاتصال بها".

يلتقط النص المسرحي تلك اللحظات من الشك بالنفس، من الصدق في ملامة الرجولة لنفسها على ذنب عدم إدراكها لقيمة الحب سابقاً، عبر شخصية الضابط المتألم لكنه غير المدرك لكيفية التعامل مع الحب: "والله سأتغير، خذ تحدث معها أنت قل لها أني سأتغير، بل قل لها أني تغيرت، قل لها أني إنسان جيد، لست جيداً تماماً لكنني أعبدها، قل لها أن وجهها لا يفارقني، صوتها، رائحتها، لون جسمها البرونز، حدثها ماذا فعل بي البرونز".

 

 

ذاكرة الرجولة عن العشق:

اللون البرونزي لجسد المعشوقة هو وحده المشترك بين كلا الرجلين في رؤية معشوقه، البرونز يجمعهما، هو بالنسبة لهما اختزال لذاكرة الحب، للترميز عن مقدار العشق: "سأعترف لك بشيء، لم يعلق بذهني من عشرات الساعات التي حدثتني فيها عن جلنار سوى البرونز لون جسمها، ربما لأنه التفصيل الوحيد الأكثر صدقاً". في النص عالم رجولي يهدس بالعشق دون أن يعرف كنهه، يتألم من العواطف مع الجنس الآخر دون أن يدرك كيفية التصرف، رجولة لا تعرف كيف تصف الحب، أو المحبوبة، أو العشق، أو الشهوة: "لكي أكتب قصيدة عن جلنار يجب أن أراها أن ألمسها أن أشمها، في حين انك ملأت رأسي بقصص أشبه ما تكون بالدراما التلفزيونية كذبت علي، قالت أنها مع صديقتها في الحمراء ...أخبرك صديقك أنه رآها في سيارة ليموزين".

لا يغير الخيار الإخراجي بالأداء النسائي لهاتين الشخصيتين الرجوليتين الموجودتين في النص وغير القادرتين عن التعبير عن الحب من مضمون العمل النص المسرحي، بل يبقى في إطار تجسيد العالم العشقي الرجولي المشوه، لكن الأداء النسائي لهاتين الشخصيتين يرفع من نسبة السخرية من الرؤية الرجولية للعشق، فحينما تؤدي الممثلتان هذه الأحاديث بنوع من المبالغة الذكورية في الأداء يتلمس المتلقي خواء العالم العشقي الرجولي، تخاطب الممثلة الأخرى بلغة ذكورية: "كنتَ ثملاً في الباك دور عندما طلبت منها أن ترقص على الطاولة. وعندما رفضت وشتمتك، ضربتها أمام الجميع. وحكاية عقد الألماس الذي بلغ ثمنه 10000 دولار والذي أهديته لها ورفضته لأن المناسبة كانت عيد الثورة. ودكتور الجامعة الذي اعتقلته ليسهل عملية تخرجها".

 

thumbnail_من عرض برونز، تصوير فرح أبو عسلي (8).jpg
من عرض برونز، تصوير فرح أبو عسلي

 

يقدم الأداء النسائي لحوار من هذا النوع على مزيد من الإضاءة على خلل التصور الذكوري عن الجنس: "تلك هي أحاديثك، أكثر أحاديثك حرارة كان عن المرة التي مارستما الجنس فيها تسع ساعات بدون توقف. بلغت النشوة خمس عشرة مرة، حطمت رقم العقيد حمود".

يتم تبادل حكايات العشق بين الضابط والشاعر، فالشاعر المعتقل بدوره يتكلم عن عشقه لجيسي، في هذا الحديث تساعد جيسي-المرأة، الشاعر هاني-الرجل على فهم مدينته: "بدت لوهلة أنها تفهم دمشق أكثر مني"، والمرأة هي القادرة على تحرير الرجل العاشق من قيوده: "تخيل كم تحررت؟". واحدة من العلاقات المرسخة في الأدب هي بين الحالة العشقية والغزارة الإبداعية، فغالباً ما قدم الفن صورة عن المرأة باعتبارها ربة الإلهام: "في هذه الفترة أتاك الإلهام، صرت تكتب بغزارة، كلمة غزارة لا تناسب ما كان يحدث، قل كنت أشخ شعراً"

الأسئلة العشقية بين الرجل والمرأة:

في حركة التبادلات بين الرجلين الموجودة في النص، تبدأ محاولة استلهام عشيقة كل منهما في مخيلة الآخر: "هاني: والله أعد لي جيسي والغرفة ولا تأخذ مني إلا شعراً عن جلنار. هاني: تذكر قصة ما من قصصك مع جلنار وحاول أن تقرأ تفصيلاً يوازي البرونز". وفي تسلسل أحداث النص يكتشف الضابط أثر الحب: "كنت أتألم في تلك الفترة، لم أكن أفهم ما معنى العشق، كنت أعتقد أنه مجرد كذبة، أو لنقل حالة من الضعف تصيب الأشخاص الذين لا يملكون الإرادة، بكل الأحوال كنت أعتقد أنه فعل غبي، الآن لا أجده إلا مرضا لذيذا". ويكتشف الشاعر أن الإلهام مرتبط بالمشاعر، فنراه بعد أن يخرج من السجن، يقع في غرام (جلنار) التي ألهمته القصائد: "لم أعطه كل القصائد التي كتبتها، ثمة ما أخفيته عنه، كتبت عنك الكثير بعدما خرجت من السجن، كنت أسكر وأكتب عن الفتاة البرونزية الرطبة التي ملأ ضحكها العالم"

 

thumbnail_من عرض برونز، تصوير فرح أبو عسلي (6).jpg

 

في النهاية إن تبادل الحديث والنقاش عن التجربة العشقية بين الضابط والشاعر يقرب كل منهما من أسلوب تفكير الآخر، هو الحديث عن المرأة المعشوقة لكنه أكثر ما يكشف عن الذات الساردة للحالة العشقية: "لقد رغبت في فهمك، ولم أفلح،  أحياناً أعجب بذكائك، وأحياناً أصدم لغبائك، لقد قدمت لك كل شيء"، ليحل أحدهم في مكان الآخر في أحلامه، في علاقته مع أمه، ومع حبيبته، كل منهما سيعشق المرأة المُلهمة، جلنار: "أدهم: البارحة شاهدت حلماً غريباً، فجأة سمعت صوت أمي، كانت تقول، لماذا أنت عار هكذا؟ اسمع كلامي كي تعود لك جلنار، واكتشفت أن الكلمات السابقة لم تكن موجهة إلي، كانت موجهةً لذلك الشخص، اقتربت جيداً لأعرف من هو، لقد كان أنت. لقد دخلت حتى أحلامي".

الأسئلة الفلسفية بين الرجل والمرأة:

نص مسرحية (المركز)، مقتبس عن النص المسرحي "علاقات حرجة" لـ كريستوف بيليه. هذا النص المكتوب لشخصية رجل، أيضاً تمت تأديته من قبل ممثلة امرأة. تغيير الجنس والجندر بين الشخصية المكتوبة والأداء المسرحي في هذا العرض يفتح على الأسئلة ذات الطبيعة الفلسفية، السياسية، والاقتصادية. إن تبديل جنسية أو الجندر بين النص والعرض في هذه التجربة تطلب العديد من التعديلات في الجوهر المقول، ولغة المونولوجات، ورغم ذلك فإن دراسته بشكل دقيق يبين وحدة حال الرجل والمرأة، الذكورة والأنوثة أمام أسئلة التهميش الاقتصادي، التهميش السياسي، والعلاقة الملتبسة مع الآخر في المجتمع، وأخيراً على مستوى الأسئلة الوجودية والفلسفية.

 

 

تكتسب دراسة التبدلات بين الرجل والمرأة في نص ومسرحية (المركز) من موضوعها الذي يتعلق بالعلاقة بين الأنا والآخر، الفرد والمحيط الاجتماعي، فالمسرحية تدعو إلى البحث عن الآخر الكامن في كل منا: "المهم هو العثور على مركزنا ، ليس مركز الثقل ، وإنما الآخر الكامن داخل كل واحد منا، إنه مركز الاهتمام"، وبذلك تتراكب عدة مستويات في مضمون النص، لأن المركز هو الآخر الكامن في كل منا، المركز هو الجنس الآخر الكامن في كل منا أيضاً، المركز المهم هو الذكر أو الأنثى الكامن في كل منا، حيث يدعو النص إلى الغوص في بواطن كل منا لاكتشاف مركزية وحضور الآخر: " علينا رفض أي نوع من المساومة . علينا ألا نقف بعد الآن عند حدود إمكانياتنا، وإنما أن نكون أقرب ما يكون إلى المركز، ذاك المركز الكامن داخل كل منا".

الرجل والمرأة في معاناة التهميش

النص عبارة عن مونولوج داخلي طويل يقدمه الشخص في النص والشخصية في العرض، وهي شخصية مهمشة ومعزولة تقدم آراءها عن الواقع الأخلاقي والاقتصادي والسياسي الإنساني: "في الحقيقة أحاول ألا أتشبه بهؤلاء الأشخاص الذين أشعر بالمهانة تجاه جبنهم وبشاعتهم الأخلاقية". لكن وكما بينا، فإن المميز في النص هو ما سيسمح بأن نلتمسها كمشكلات تعاني منها الرجولة والنسوية، فالفقرة التالية التي تدين الهيمنة الذكورية للأجداد والآباء تعاني منها الشخصية الرئيسية في العرض، وتشمل كلا من الرجل والمرأة في محاولات التحرر من التقاليد والهيمنة البطريركية: "لطالما تساءلت إن كان بإمكاننا الاستغناء عنهم. عن الآباء. عن المدينة، نعم يمكنكِ أن تقولي بأنه يمكنك الاستغناء عن الرجال. فهنا كل الشباب يتشابهون. الأبناء يشبهون الآباء تحديداً، ولكنهم يتشابهون أيضاً فيما بينهم. بالنتيجة، إنها غمامة من الرجال".

 

thumbnail_من عرض المركز، أداء مريم حمود (6).jpg
من عرض المركز، أداء مريم حمود

 

كما يعاني الرجل والمرأة من الثقافة السلطوية الذكورية، كذلك يشتركان في هذا النص-العرض بكونهما ضحية التهميش: " هذه المدينة ليست سخية، عندما نكون كئيبين فإنها لا تساعد على التخلص من كآبتنا. بل تزيد من تعاستنا. إنها لا تولد الفرح أبداً...إنها لا تفعل أكثر من أن تكون موجودة من خلالنا". والتغيير أو الخلاص من السائد في المدينة يتطلب الدعم من الآخر: "يجب أن أرحل. لكن لا بد من شخص ما يرحل معي. شخص ما أرحل إليه".

 

thumbnail_من عرض المركز، أداء مريم حمود (5).jpg
من عرض المركز، أداء مريم حمود

 

وكما معظم الشخصيات المهمشة في الأدب، فإن الشخصية في مسرحية (المركز) تظهر أعراضاً من البارانويا وأفكاراً متعلق بنظرية المؤامرة، ما ينطبق أيضاً على الرجل والمرأة: "اسمع لقد كشفت أخيراً استراتيجيتهم، يتسللون إلى كل معطيات المؤسسات الكبرى لكي يخربوا برامجها، والهدف، أن ينهار كل شيء في لحظة واحدة. إن معظم أدمغتهم تأتي من الجماعات، نعم، هم أشخاص أتخموا بالخيال العلمي المركّز على فكرة نهاية العالم. النتيجة مؤامرة على مستوى الكرة الأرضية لكي يخربوا كل الأنظمة. وكل النظام".

الرجل والمرأة في محاولات التواصل

يختبر النص محاولات الأنا في التواصل مع الآخر، بين العجز وتراكم محاولات الفشل: " ماذا سيكون بإمكاني أن أفعل وسط كل هذه التحولات؟ لا فرق.. إن كنت موجوداً أم لا... وبدل من أن تلتحق بالمركز فإنك تتبعثر. وبدل من أن تذوب في النواة الصلبة لتسترجع قواك، فإنك تتحلل". ويستمر النقد للانقسام في المجتمع الديني والسياسي والقائم على المصالح المالية: "لم أنضم إلى أية طائفة، ولكن انظر حولك، المدينة بحالها مجموعة طوائف: كل شركة، كل تجارة، كل عائلة، كلهم ليسوا سوى طوائف، طوائف نجحت في مشاريعها". مما يذكر بالحال التي يعاني منها لبنان، حيث كتب هذا النص وحيث قدم العرض: "إن البطالة هي المستقبل بعد بضع سنوات، لن يتجاوز عدد العاملين أكثر من عشرين بالمئة من السكان. لن يعود المرء ضرورياً".

 

thumbnail_من عرض المركز، أداء مريم حمود (4).jpg
من عرض المركز، أداء مريم حمود

 

تتوحد الأسئلة الوجودية بين الرجل والمرأة منها: "أنا أكره النظام، لكن الفوضى تخيفني. لم أعد أعرف أيهما الأفضل: النظام أم الفوضى؟ قصة النظام والفوضى هل تعرف جوابها؟ حلها؟"، وكذلك يتوحد الرجل والمرأة في سؤال الحياة والموت: "الأموات يكونون أكثر حياة من الأحياء أحياناً. أتسمع أنينهم؟ اسمعني! إنهم هناك ونحن محتجزون هنا". ومع نهاية العرض-النص يأخذ المقول بنية دائرية، ليعاد التركيز على مقولة بأن المركز هو الآخر الكامن داخل كل واحد منا: "المهم هو العثور على مركزنا، ليس مركز الثقل، لا، وإنما الآخر الكامن داخل كل واحد منا، إنه مركز الاهتمام".