icon
التغطية الحية

تأمين صحي لا يعالج أمراض السوريين من يستفيد منه؟

2022.09.29 | 06:07 دمشق

التأمين الصحي في سوريا
مريضة يشتبه بإصابتها بالكوليرا في الحسكة شمالي سوريا ـ رويترز
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

"إذا لم تدفعي كامل المبلغ سنطردك من المشفى"، ما تزال هذه الكلمات تصدح في أذن سلمى كلما تذكرت تجربتها في أحد المشافي الخاصة في سوريا. وسلمى مريضة كانت تعاني من سرطان الثدي خضعت لعملية جراحية لإزالة الورم بعد عدة جلسات من العلاج الكيماوي والشعاعي، وهي تعمل كمدرسة ومشمولة بالتأمين الصحي الإلزامي الخاص بموظفي القطاعات الحكومية في سوريا.

تأمين مسقوف

سلمى تفاجأت عندما أخبرتها إدارة المشفى أن التأمين الصحي خاصتها لا يغطي نفقات المشفى كاملة وعليها أن تدفع كل المبالغ وإلا لن تجرى لها العملية.

تواصلت سلمى مع شركة التأمين وعلمت منهم أن هنالك سقفاً محدداً لها سنوياً وأنها استخدمت كل النفقات المخصصة لبطاقتها وعليه فلن تغطي شركة التأمين أي مبلغ إضافي تحتاجه لعلاجها، الأمر الذي أفقد سلمى صوابها ولكنها أجبرت وعائلتها على تأمين المبلغ بكامله وإجراء العملية لإنقاذ حياتها.

حالة سلمى واحدة من حالات كيثرة يرفض فيها التأمين تغطية نفقات علاج المريض أو كلفة تحاليله أو أدويته، فهنالك كثير من المرضى يشتكون من اضطرارهم لدفع مبالغ إضافية للمشفى أو المخابر أو الصيدليات كفرق للسعر بين السوق وبين ما تغطيه شركة التأمين وهو نفس الحالة التي حصلت مع علي وزوجته وهي مشمولة بالتأمين أيضاً لأنها موظفة.

يقول علي لموقع تلفزيون سوريا إنه عند إدخال زوجته الحامل لإجراء عملية قيصرية في مشفى باللاذقية، لم يقبل طبيب التخدير القدوم للمشفى ومباشرة التخدير حتى دفع له علي مبلغاً محدداً، وتعلل بأن المبلغ الذي يدفعه التأمين له مخجل ولن يقبل أن يخدر المريضة ما لم يحصل على نقوده وهو ماحصل.

حسب علي فكل الأطباء يعملون بنفس الطريقة، يتفقون مع المريض على مبلغ محدد يدفعه إضافة لما يدفعه التأمين وذلك كي يحصل الأطباء على حقهم كاملاً.

أطباء يرفضون التأمين الحكومي وآخرون يحتالون عليه!

عند بداية العمل بقانون التأمين الصحي الإلزامي في سوريا سارع قسم كبير من الأطباء للتعاقد مع شركات التأمين، لعدة أسباب منها زيادة عدد المرضى ولتجنب الإحراج في التعامل المادي مع المرضى، فالمريض حسب نصوص قوانين التأمين يدفع ما لا يزيد على 10٪؜ من كلفة المعاينة أو العمل الجراحي من دون تجاوز السقف المحدد لكلفة التغطية الصحية.

وهذا كله كان يزيد من عمل الأطباء ودخلهم، أما اليوم فمعظم الأطباء والصيادلة يرفضون العمل مع شركات التأمين الخاصة والحكومية، ويفضلون قلة المرضى على هذا التعامل.

بحسب منير أحد الأطباء المتعاقدين سابقاً مع التأمين فإنه فسخ العقد المبرم بينه وبين إحدى شركات التأمين منذ خمس سنوات لعدة أسباب منها تأخرهم في الدفع والسبب الرئيسي كان في عدم تغيير أسعارهم، فمازالت شركات التأمين التي تعمل مع القطاع الحكومي تضع أسعاراً وفقا لسعر صرف الدولار ما قبل عام 2011 وتسعر كل المعاينات وأجور العمليات وفق ذلك وهو ما يعد مجحفاً بحق الأطباء وتعبهم، ورغم تعديل السعر ولكنه بقي أقل بكثير من السعر الحقيقي. "أعرف أن لا ذنب لموظفي القطاع العام في توقفي عن العمل مع التأمين ولكن ما باليد حيلة وفي النهاية أجرة معايناتي هي ما أعيش منه"، يقول منير لموقع تلفزيون سوريا.

اقرأ أيضا: 20 مليار ليرة سورية دفعها السوريون أقساط تأمين في ستة أشهر

مبلغ من التأمين وآخر من المرضى

يحاول أطباء آخرون استمرار العمل مع شركات التأمين وتقاضي مبلغ بسيط من المرضى، وذلك برضى المرضى وأحياناً يوافق المرضى مرغمين. ويبرر الأطباء ذلك برغبتهم تقديم خدماتهم للمرضى وفي نفس الوقت رغبتهم في عدم ضياع حقهم وبذلك يتقاضون المبلغ المخصص من شركات التأمين الحكومية ومبلغاً بسيطاً من المرضى.

ويطالب الأطباء من حين لآخر بتعديل أسعار المعاينات وأجور العمليات وما إلى ذلك حسب الأسعار الحالية، لمساعدة المريض من جهة ومن جهة أخرى لضمان حقهم. وتستمر معاناة الموظفين بسبب عدم تضمين كل الأمراض في التأمين الحكومي كعلاجات الأسنان والمشكلات الجلدية أو أمراض الأنف والتي لا تندرج تحت البند العلاجي وإنما تحت بند تجميلي وهو ما لا تغطيه هذه الشركات.

ويحاول بعض المرضى بالتعاون مع الأطباء التحايل على شركات التأمين بتغيير نوعية المعالجة أو اسم العمل الجراحي وذلك لاستمرار تضمينه في التأمين الصحي. وهو ما فعلته بشرى والتي احتاجت لإجراء تجريف للرحم بسبب حمل يشك بخطورته العالية واحتمال حدوث تشوه للجنين بسب تناولها لأدوية ضارة من دون درايتها بحدوث حمل. 

لم تقبل شركة التأمين بتغطية تكاليف العمل الجراحي فما كان من طبيبها إلا أن أدخل حالتها على أنها تعاني من نزيف مستمر وتحتاج إجراء عملية تجريف استقصائية لإيقاف النزف وعندها قبلت الشركة بتغطية تكاليف العمل الجراحي. بشرى تعلم أن هذا الأمر خاطئ ولكنها تدفع شهرياً مبلغاً للتأمين الصحي فلم لا تحصل على حقها لقاء المبالغ المقتطعة منها!.

صيادلة يرفضون التأمين وآخرون يستفيدون!

ليس الصيادلة ببعيدين عن مشكلات التأمين الصحي الحكومي السوري، فالتأمين يشمل أيضاً وصفات الأدوية ويحق للموظف الحكومي المشمول بالتأمين الصحي أن يحصل على أدويته بسعر أقل ونتيجة لذلك ولفرق السعر وتأخر شركات التأمين عن سداد الفواتير المترتبة عليه فإن قسماً كبيراً من الصيادلة توقفوا عن العمل مع شركات التأمين بكل أنواعها الحكومي والخاص.

فحسب راشد صيدلاني يعمل في صيدليته الخاصة منذ أكثر من عشر سنوات فإن تأخر شركات التأمين عن سداد فواتيرها يجعل الصيدلاني يخسر خصوصاً أن أسعار الأدوية تتفاوت بين اليوم والآخر، ولن تعوضه الشركات عن خسارته. "لنكن منطقيين العمل في صيدلية هو أشبه بتجارة، فأنا أشتري الأدوية وأبيعها وعند غلاء سعر الأدوية وتأخر شركات التأمين عن السداد أنا من أخسر في هذه الحالة".

ويضيف رشاد أن هذا يعد السبب الرئيسي الذي يدفع الصيادلة للابتعاد كلياً عن العمل مع شركات التأمين ولو اضطروا لخسارة كثير من المرضى.

لكن! هنالك قسم من الصيادلة يستطيع استغلال الأمر، فكل موظف حكومي يحق له صرف أدوية وفق عدة وصفات سنوية، وقد لا يمرض الموظف ولا يضطر لشراء أدوية فيستبدل الأدوية بأغراض يحتاجها من الصيدلية وبالمقابل يقوم الموظف ببيع الدواء بالسعر الذي يرغب به.

فمثلا قد يحضر الموظف وصفة أدوية مفقودة في السوق ولا يشتري الأدوية فيقوم الصيدلاني بصرف الأدوية على بطاقة هذا الموظف ويعطيه ما يرغب بدلاً عنها، ويبيع هذه الأدوية لمريض آخر بسعر مرتفع.

كما يقوم بعض الصيادلة بجلب علب أدوية فارغة من عند المرضى أو من صيدليات أخرى لأن التأمين يشترط ليعوض سعر الدواء أن يرفق الدواء مع الوصفة.