تأثير التوتر الروسي الإسرائيلي على الهجمات داخل سوريا

2022.05.10 | 07:06 دمشق

putin-bennett-1536x963-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع مرور الوقت، ومع اشتداد الأزمة الظاهرة بين روسيا وإسرائيل، على خلفية الحرب المتصاعدة في أوكرانيا، فإن الأنظار الإسرائيلية متجهة نحو تأثير هذه الأزمة على استمرار الضربات التي توجهها طائرات باتجاه أهداف لمواقع النظام السوري والقواعد الإيرانية المنتشرة على كامل الجغرافيا السورية، فضلا عن شحنات الأسلحة المتجهة من إيران إلى لبنان مرورا بسوريا.

تعدّ المحافل العسكرية الإسرائيلية أن استراتيجية "المعركة بين الحروب"، التي بدأتها في 2013، ضد مختلف الأهداف داخل الأراضي السورية، هي جزء أساسي ومحوري في الحفاظ على أمنها الخارجي، على اعتبار أن ما يحصل في جارتها الشمالية إنما يترك آثاره بالضرورة على الواقع الأمني الإسرائيلي، مما جعل مختلف المناوبين على موقع وزارة الحرب الإسرائيلية متوافقين على استمرار هذه السياسة.

في الوقت ذاته، فقد شكّل التدخل الروسي في سوريا، مناسبة إسرائيلية للبدء في توثيق العلاقة مع الوافد الجديد إلى المنطقة، من خلال إقامة ما يمكن تسميتها جهازا تنسيقيا مشتركا ينظم الضربات الإسرائيلية في سوريا، سواء عبر ضوء أصفر روسي، وفي بعض الأحيان ضوء أخضر، نظرا للمصلحة المشتركة بين موسكو وتل أبيب بإبعاد طهران عن دمشق.

استمر هذا التنسيق الروسي الإسرائيلي طوال سنوات من دون إزعاج، وواصل الطيران الإسرائيلي استباحة الأجواء السورية بموافقة روسية ضمنية أو علنية، إلى الحد الذي دفع قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلان بتفاخر عن تنفيذ آلاف الضربات الجوية والمدفعية خلال السنوات الماضية، وتخلّلها مقتل العشرات من المقاتلين الإيرانيين، واستهداف القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري والمجموعات المسلحة التابعة له، دون قدرة النظامين السوري والإيراني على الرد على هذه الضربات الإسرائيلية التي تواصلت من دون توقف.

صحيح أن الروس لم يعلنوا صراحة عن وقف العمليات الإسرائيلية داخل سوريا، لكن المعطيات والشواهد المتلاحقة شكلت مصدر قلق في تل أبيب حول فرضية تحقق مثل ذلك السيناريو المزعج وغير المفضل لها

جديد الضربات الإسرائيلية في سوريا يتعلق بنشوب الأزمة المتصاعدة بين موسكو وتل أبيب على خلفية الموقف من الحرب الدائرة في كييف، وإمكانية أن تلقي بتأثيراتها السلبية على السلوك العسكري الإسرائيلي في قلب دمشق، صحيح أن الروس لم يعلنوا صراحة عن وقف العمليات الإسرائيلية داخل سوريا، لكن المعطيات والشواهد المتلاحقة شكّلت مصدر قلق في تل أبيب حول فرضية تحقق مثل ذلك السيناريو المزعج وغير المفضل لها.

لعلّ تطورات الأزمة الروسية الإسرائيلية منذ بداية الحرب الأوكرانية باتت ماثلة للعيان أمام الجميع، لكن ما هو غير واضح حقيقة الحراك الإسرائيلي تجاه أي سلوك روسي متوقع، أو غير متوقع، بالتزامن مع تصاعد حالة التوتر بينهما، لا سيما أن الموضوع السوري كان حاضرا في هذه الأزمة، خاصة أن الممثلية الروسية في الأمم المتحدة أوردت في ردها على الموقف الإسرائيلي من الهجوم الروسي على أوكرانيا أن الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان غير قانوني، ويتعارض مع المواثيق الدولية، في حين أعلنت الخارجية الروسية أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان يعدّ الأطول في العالم، وهي مفردات غير معهودة في الخطاب السياسي والدبلوماسي الروسي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي منذ عقود طويلة.

جاء لافتا في ذروة تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية أن تشن الطائرات الإسرائيلية هجمات مميتة وقاتلة باتجاه مواقع إيرانية في سوريا، أوقعت قتلى للمرة الأولى منذ شهور، واعتبر الأمر "موضع اختبار" إسرائيلي لرد الفعل الروسي الذي جاء صامتا هادئا من دون رد فعل ميداني أو عملي من شأنه كبحُ جِماح الهجمات الإسرائيلية، الأمر الذي يضع علامات استفهام حقيقية حول مآلات الخلافات بين موسكو وتل أبيب حول كييف، من دون أن ينسحب هذا الخلاف بالضرورة على الاستهداف الإسرائيلي للوجود الإيراني في سوريا.

قد لا يختلف اثنان على وجود حالة من التباين بين موسكو وطهران حول من يملك صاحب القول الفصل في دمشق، فالأولى تعتقد أنها صاحبة الفضل في إنقاذ النظام السوري من الانهيار في اللحظات الأخيرة، من خلال استدعاء سلاحها الجوي، واستخدام البراميل المتفجرة، واتباع سياسة الأرض المحروقة ضد المواطنين السوريين.

أما الثانية فترى أنها ضحّت بمقدرات عسكرية وبشرية ومالية كبيرة، من أجل الإبقاء على النظام السوري قائما، والحفاظ على خط برّي جغرافي قائماً بين طهران وبغداد وبيروت، من خلال إبقاء سيطرتها على دمشق، وإلا فسينقطع هذا التواصل الجغرافي، وفي سبيل ذلك اعتبرت إيران أنها تخوض حربها هي، وليس فقط حرب النظام السوري، ممّا يجعلها أمام قرار استراتيجي بعدم التنازل عن الوجود داخل سوريا، حتى لو تخلّل ذلك الانتقال إلى مواجهة أخرى، من نوع جديد، مع القيصر الروسي.

الإسرائيليون يرقبون هذا الاستقطاب الروسي الإيراني في سوريا، وينتهزون كل فرصة لاستغلاله لمصلحتهم، ونجحوا في ذلك خلال السنوات الماضية، لكن نشوب الأزمة الأوكرانية دفعهم لإعادة التموضع في مواقفهم في ضوء انحيازهم التدريجي إلى المنظومة الغربية من الهجوم الروسي ضد أوكرانيا، رغم رغبتهم الملحة في الحفاظ على موقف متوازن قدر الإمكان بين روسيا والغرب، حفاظا على مصالحهم، لكن من الواضح أنهم لا ينجحون في ذلك حتى إشعار آخر، بدليل اندلاع أزمتهم مع الروس.

مسألة لافتة تتعلق بالموقف الإسرائيلي من التطورات الجارية في سوريا مرتبطة بالحراك الميداني الروسي، حين أعلنت الأخيرة أنها بصدد إعادة التموضع العسكري داخل سوريا بسبب نقل بعض قطعها العسكرية ومقاتليها إلى أوكرانيا، الأمر الذي دفع أوساطا إيرانية للحديث عن ملء الفراغ الناجم عن ذلك بتعزيز قواتها ونفوذها في سوريا، مما أشعل أضواء حمراء في تل أبيب، وجعلها تسابق الزمن للحيلولة دون نجاح المخطط الإيراني، الأمر الذي يعني تحوّل الأراضي السورية إلى ساحة للتنافس الإقليمي والدولي بين روسيا وإسرائيل وإيران.

هناك قلق إسرائيلي لا تخطئه العين من مغبة تفاقم هذا الخلاف، ويدفع الكرملين لمحاولة إعاقة الطيران الإسرائيلي في أجواء سوريا

اليوم، والأزمة الروسية الإسرائيلية في تصاعد لافت، رغم استدراك الرئيس فلاديمير بوتين من خلال اتصاله برئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، لا أحد يعلم مآلاتها وتبعاتها على الملف السوري، لاسيما أن هناك قلقا إسرائيليا لا تخطئه العين من مغبة تفاقم هذا الخلاف، ويدفع الكرملين لمحاولة إعاقة الطيران الإسرائيلي في أجواء سوريا.

صحيح أن هناك استمرارا للتوافق بينهما على إقصاء النفوذ الإيراني لدى سوريا، لكن اختلافهما حول أوكرانيا ربما يعيد تموضع مواقفهما من ذلك، دون أن يعني بالضرورة قلب الطاولة على الجميع، أو هدم المعبد على رؤوسهم، على اعتبار أن إسرائيل وروسيا معاً لديهما من الحسابات الدقيقة في أكثر من ملف وقضية شائكة، سوريا من بينها، وليست كلها.