icon
التغطية الحية

بي بي سي تكشف السرية عن معسكرات اعتقال الإيغور: قتل وقطع جذور العائلات

2022.05.25 | 14:39 دمشق

uighur-camps.jpg
معسكر اعتقال للإيغور ـ رويترز
بي بي سي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

الآلاف من الصور القادمة من قلب نظام السجون الجماعية الذي يتمتع بسرية عالية في شينجيانغ بالصين، بالإضافة إلى السياسة القائمة على إطلاق النار بنية القتل على كل من يحاول الهرب، كانت من بين البيانات المخبأة التي تعرضت لهجوم إلكتروني لكونها موجودة على مخدمات الحواسيب الخاصة بجهاز الشرطة في تلك المنطقة.

تم تسريب ما يعرف باسم ملفات شرطة شينجيانغ إلى شبكة بي بي سي في مطلع هذا العام، وبعد جهود استمرت أشهراً للتحقيق في أمر تلك الصور والملفات والتأكد من صحتها، بات من الممكن عرضها لتقدم لمحة جديدة مهمة حول عمليات الاعتقال التي يتعرض لها الإيغور في تلك المنطقة إلى جانب الأقليات التركمانية الموجودة هناك.

ويتزامن نشر هذه الصور مع وصول ميشيل باشيليت المفوضة الأممية لحقوق الإنسان إلى الصين، في زيارة إلى شينجيانغ أثارت جدلاً كبيراً، إذ رأى منتقدو تلك الزيارة بأن خط سير تلك الرحلة سيخضع لرقابة وسيطرة مشددة من قبل الحكومة الصينية.

معسكرات "إعادة التعليم"

تكشف تلك البيانات الخفية، بتفاصيل غير مسبوقة، كيف تستعين الصين بمعسكرات "لإعادة التعليم"، إلى جانب السجون الرسمية بوصفهما نظامين منفصلين مخصصين لسجن الإيغور ولكن ثمة ما يربط بينهما، ما يستدعي التشكيك بأمر الرواية الرسمية المحكمة التي حاكتها الحكومة حول هذين النظامين.

إذ تزعم الحكومة الصينية بأن معسكرات إعادة التعليم التي تنتشر في مختلف أنحاء شينجيانغ منذ عام 2017  ليست سوى "مدارس"، وفي ذلك ما يتعارض مع التعليمات الداخلية للشرطة، وجداول خدمة الحرس، وصور المعتقلين الذين لم نشاهد مثلها من قبل.

كما أن الاتهامات الموجهة لتلك الحكومة حول استعانتها بالعنف بشكل واسع النطاق، وهذا ما أدى إلى وصول الآلاف إلى السجون الرسمية، لم يكن سوى حجة وذريعة لاتباع طريقة موازية في الاعتقال، وذلك لأن جداول البيانات الموجودة لدى جهاز الشرطة مليئة بالأحكام الاعتباطية والقاسية.

تقدم تلك الوثائق أدمغ الأدلة التي ظهرت حتى اليوم حول استهداف الشرطة لكل ما يعبر عن هوية الإيغور وثقافتهم ودين الإسلام الذي يدينون به، كما تطلعنا على تسلسل القيادة الذي يصل إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ.

تحتوي الملفات التي تمت قرصنتها على أكثر من خمسة آلاف صورة التقطها جهاز الشرطة للإيغور خلال الفترة الواقعة ما بين شهري كانون الثاني وتموز من عام 2018.

وبعد الاستعانة بالبيانات والمعلومات المرافقة، تبين بأن ما لا يقل عن 2884 من تلك الصور تعود لأشخاص معتقلين.

أما بالنسبة لمن تم إدراجهم في قوائم على أنهم ذهبوا إلى معسكر لإعادة التعليم، فهنالك دلائل توضح بأنهم ليسوا "طلاباً" راغبين بالتعلم كما تزعم الحكومة الصينية، وذلك لأن بعض الصور التي أخذت في معسكر لإعادة التعليم تظهر حراساً يقفون بالجوار ويحملون أسلحة أو هراوات.

بيد أن أرفع المسؤولين في الصين يستمرون على الدوام في إنكار أي اتهام يصف تلك العمليات بأنها قائمة على الإكراه أو الإجبار، إذ أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي في عام 2019 بأن: "الحقيقة هي أن مراكز التعليم والتدريب في شينجيانغ هي عبارة عن مدارس تساعد الناس على تحرير أنفسهم من التطرف".

المعاقبة بالتبعية على جرم ارتكبه الغير

إلا أن كثيرين تعرضوا للاعتقال بسبب مظاهر عادية وخارجية توحي بأنهم يدينون بالإسلام أو بسبب زيارتهم لدول ذات أغلبية مسلمة.

تؤكد صورة هذه المرأة على تطبيق مبدأ "ارتكاب الجرم بالتبعية" على نطاق واسع، وذلك بسبب ظهور التهديد بالقوة الجسدية في خلفية هذه الصورة، إذ تصف الوثائق ابنها بأنه يتبنى: "تعاليم دينية صارمة" وذلك لأنه لا يشرب الكحول ولا يدخن، ولهذا حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة الإرهاب.

غير أن اسمها ظهر في قائمة: "أقارب الموقوفين"، بين الآلاف الذين أصبحت الشبهات تحوم حولهم بسبب "جرائم" ارتكبها فرد من أفراد أسرتهم.

تحوي هذه الصورة المركبة 2884 صورة لمعتقلين أخذت من تلك البيانات المخفية، وتزودنا تلك الصور بسجل بصري فريد حول الطريقة التي تم من خلالها اجتياح قطاعات واسعة من مجتمع الإيغور، حيث نقل غالبيتهم إلى معكسرات أو سجون، واحداً تلو الآخر.

تحتوي ملفات شرطة شينجيانغ -إذ تم اعتماد هذا الاسم ليشير إلى البيانات المخفية من قبل مجموعة من الصحفيين الذين تعود أصولهم لدول مختلفة، وبعضهم يعملون لدى بي بي سي- على الآلاف من الصور والوثائق التي تشمل خطابات سرية ألقاها مسؤولون كبار، وكتيبات تعتبر دليل عمل داخلي لرجال الشرطة، ومعلومات حول العاملين في ذلك الجهاز، وتفاصيل حول عمليات الاعتقال التي طالت أكثر من 20 ألف إيغوري وصوراً لمواقع حساسة للغاية.

ويدعي مصدر تلك الملفات بأنه قام بقرصنة مخدمات حواسيب جهاز الشرطة في شينجيانغ ثم قام بتحميل ما فيها وفك تشفيره، قبل أن يقوم بإرساله إلى د. أدريان زينز، وهو عالم وباحث يعمل لدى منظمة ضحايا النصب التذكاري للشيوعية ومقرها في الولايات المتحدة، والذي سبق وأن فرضت الحكومة الصينية عقوبات عليه بعدما أجرى بحثاً حول شينجيانغ كان له تأثير كبير في مختلف بقاع العالم.

بعد ذلك أرسل د. زينز البيانات إلى بي بي سي، وبالرغم من أن الشبكة كان بوسعها التواصل بشكل مباشر مع المصدر، إلا أنها أحجمت عن ذلك لئلا تكشف أي شيء عن هويته ومكانه.

تشديد التشفير للبيانات

لا توجد وثيقة تمت قرصنتها يعود تاريخها لما بعد نهاية عام 2018، ولعل سبب ذلك هو الأمر التوجيهي الذي صدر في بدايات عام 2019 والذي تم بموجبه تشديد معايير تشفير البيانات في شينجيانغ، وهذا ما جعل الملفات التي أعدت لاحقاً بعيدة عن متناول ذلك القرصان.

بعد ذلك كتب د. زينز ورقة بحثية راجعها زملاؤه حول ملفات شرطة شينجيانغ ونشرها في مجلة الجمعية الأوروبية للدراسات الصينية، كما نشر على الشابكة المجموعة الكاملة لصور المعتقلين مع بعض الأدلة الموثقة، وعن ذلك يقول: "إن المواد خام وبلا تنقيح أو تعديل أو تلطيف، وهي متنوعة، إذ لدينا كل شيء... لدينا وثائق سرية، وتسجيلات صوتية تحدث فيها القادة بحرية عن أفكارهم، ولدينا جداول بيانات وصور، وجميعها غير مسبوقة، كونها تكشف زيف الدعاية الصينية".

تحتوي ملفات شرطة شينجيانغ على مجموعة أخرى من الوثائق التي تفوق بأهميتها صور المعتقلين وهم يتخذون وضعيات للتصوير تعبر عن طبيعة السجن ومعسكرات إعادة التعليم التي تصر الصين على أنها مجرد "مدارس مهنية".

ملفات شرطة شينجيانغ: من داخل معسكر اعتقال صيني

تصف مجموعة من البروتوكولات الداخلية لجهاز الشرطة كيف تجري الاستعانة بشكل اعتيادي بضباط مسلحين في كل الأماكن داخل تلك المعسكرات، كما يتم وضع الرشاشات والقناصات في أبراج المراقبة، إلى جانب الاعتماد على أسلوب إطلاق النار بنية القتل على من يحاول الهرب.

أما عصابة العينين والأصفاد والأغلال فهي إجبارية بالنسبة لأي "طالب" يجري نقله بين المقرات أو حتى عندما ينقل إلى المشفى.

شهدت شينجيانغ على مدار عقود حالة نشاط للانفصاليين كانت تطبخ على نار هادئة، إلى جانب تعرضها لعنف على فترات متقطعة، وقد ترافق كل ذلك مع إحكام الحكومة لسيطرتها على تلك المنطقة.

ولكن خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2013-2014، وقع هجومان مدمران استهدفا المشاة وراكبي وسائط المواصلات في بكين، ومدينة كونمينغ الواقعة جنوبي الصين، وهذا ما دفع الحكومة إلى اتهام الانفصاليين الإيغور والإسلاميين المتشددين بهذين التفجيرين، وبالتالي أدى ذلك لحدوث تغير جذري في السياسة.

كانت البداية باعتبار ثقافة الإيغور على أنها مشكلة بحد ذاتها، وهكذا، وخلال بضع سنوات فقط، أقيمت المئات من معسكرات إعادة التعليم، وهذا ما أثبتته صور الأقمار الصناعية، حيث جرى إرسال الإيغور إلى تلك المعسكرات دون محاكمة.

كما توسعت منظومة السجون الرسمية في شينجيانغ بشكل كبير لتصبح هي الأخرى وسيلة للسيطرة على هوية الإيغور، لا سيما بعدما زادت الانتقادات الدولية نتيجة عدم وجود طريقة سير عمل قانونية في تلك المعسكرات.

عقوبات ذات أثر رجعي

تتألف تلك المجموعة من 452 قائمة بيانات تفضح العمليات التي تجري في تلك المنظومة الثنائية، وتحتوي تلك القوائم على أسماء كاملة وعناوين وأرقام هويات تعود لأكثر من ربع مليون إيغوري، وتوضح من تم اعتقاله منهم، وفي أي نوع من المعتقلات يقيم، وسبب اعتقاله، أي أن تلك القوائم ترسم صورة لعمليات الاعتقال التي تتم بلا هوادة في كل من المعسكرات والسجون، إذ توثق الصفوف الموجودة في تلك القوائم كيف يتطفل العملاء الصينيون على مجتمع الإيغور بشكل ظالم ومجحف عندما يتم زرعهم هناك، مزودين بأدوات متطورة لمراقبة البيانات، كما توثق كيف تجري الاعتقالات العشوائية عمداً.

ثمة أمثلة لا تحصى حول أشخاص عوقبوا بأثر رجعي على "جرائم" وقعت قبل سنوات أو حتى عقود، حيث حكم في إحدى المرات على رجل بالسجن لمدة عشر سنوات وذلك في عام 2017، لقيامه "بتدارس كتاب الإسلام المقدس مع جدته" لبضعة أيام خلال عام 2010.

في حين تظهر المئات من الأمثلة الأخرى استهداف البعض بسبب استخدامهم لهاتف خلوي، حيث تكون التهمة في الغالب الاستماع إلى "محاضرات غير قانونية" أو تحميل تطبيقات مشفرة، وهنالك أشخاص آخرون أمضوا ما يقرب من عقد في السجن لعدم قيامهم باستخدام أجهزتهم بقدر كاف، إذ هنالك أكثر من مئة حالة لانتهاء رصيد الهاتف، تم إدراجها ضمن تلك القوائم كدليل على محاولة المستخدم التهرب من المراقبة الرقمية المستمرة.

هذا وتظهر قوائم البيانات كيف تجري عملية الغربلة بين أرواح الناس بحثاً عن أخف الذرائع وأقلها، والتي يجري تحويلها إلى تهم كبرى، مثل "الخوض في شجار" أو "الإخلال بالنظام الاجتماعي"، حتى يتم بعد ذلك معاقبة مرتكبيها بوصفها أعمالاً إرهابية خطيرة، إذ ثمة أحكام بالسجن لمدة سبع أو عشر أو خمسة وعشرين سنة، ولذلك تمتد أعمدة كثيرة من الأحكام وتتعاقب الواحدة تلو الأخرى.

وإذا كانت تهمة الإرهاب تنطبق على الشخص تماماً، عندها يستحيل معرفته أو تمييزه من بين بحر المعلومات التي تشير إلى حبس أشخاص ليس بسبب ما فعلوه، بل بسبب هويتهم وانتمائهم.

يسرد جدول بيانات تورسون قدير بعض التهم مثل الوعظ والإرشاد ودراسة الكتاب المقدس عند المسلمين، وتعود تلك التهم لثمانينيات القرن الماضي، وهنالك جريمة أخرى حدثت خلال السنوات القليلة الماضية وهي: "إطلاق اللحية تحت تأثير التطرف الديني".

وبسبب ذلك حكم على هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 58 عاماً بالسجن لمدة 16 سنة و11 شهراً، حيث يظهر في الصور الموجودة ضمن البيانات المخفية قبل أن تقرر الحكومة الصينية أن التعبير عن هوية الإيغور أمر مخالف للقانون وبعد ذلك.

وحتى بالنسبة لمن لا يقيمون في أي مخيم أو سجن، تكشف ملفات شركة شينجيانغ الأثر المريع الذي خلفته المستويات العالية من المراقبة والتدقيق عليهم.

إذ تظهر الصور بأن الإيغور الذين مايزالون يعيشون في بيوتهم يجري استدعاؤهم بشكل جماعي حتى يتم تصويرهم، ثم ترفق بتلك الصور تواريخ وأرقام تحدد أعداد تجمعات بشرية بكاملها، ابتداءً من الأكبر سناً في العائلة وصولاً إلى الأحدث سناً، إذ يجري استدعاء الجميع إلى مخافر الشرطة في أي وقت من الأوقات، حتى في منتصف الليل.

قواعد بيانات للتعرف على الوجوه

تشير المنظومة القائمة على ترتيب الملفات بالأسماء كتلك التي تستخدم مع الصور الملتقطة لمن يقيمون في المعسكرات أو السجون إلى احتمال وجود غرض وهدف يجمع بينها، وهو استحداث قاعدة بيانات تعتمد طريقة التعرف على الوجوه يبدو أن حكومة الصين تقوم بإعدادها حالياً.

من الصعب أن نعرف من خلال الوجوه ما إذا كان أصحابها يعرفون تلك المعسكرات أم لا، تلك المعسكرات التي أخفي فيها الآلاف منهم، إلا أن جداول البيانات المرافقة توضح حالة الخطر التي تظهر على وجوه الجميع.

مدارس داخلية لقطع جذور عائلات الإيغور

بعد مرور خمسة أشهر على قيام الشرطة بالتقاط صور لهما في عام 2018، تم إرسال الزوج تورسون محمد أمين وزوجته آشيغول تورغون إلى مركز احتجاز بعد اتهامهما "بالاستماع إلى تسجيل لمحاضرة غير قانونية" عبر هاتف محمول يملكه شخص آخر وذلك قبل ست سنوات.

تمت قرصنة صور اثنتين من بناتهما الثلاث ضمن الملفات التي جرت قرصنتها، بعضها يعود لروزيغول تورغون، التي كانت في العاشرة من العمر عندما تم إخفاء والديها، والآخر لآيشيم تورغون التي كانت حينذاك في السادسة من عمرها.

إلا أن قوائم البيانات تزودنا ببعض التفاصيل حول مصير هاتين الطفلتين بعد اعتقال والديهما.

ثمة ما يرجح وبشكل كبير وضع عدد كبير من الأطفال تحت الرعاية الدائمة لفترة طويلة وذلك من خلال منظومة المدارس الداخلية التابعة للدولة التي أقيمت في مختلف أنحاء شينجيانغ بالتزامن مع ظهور المعسكرات.

تشير الصور التي يظهر فيها الرأس الحليق للأطفال على إرغام عدد كبير منهم على ارتياد تلك المدارس طوال أيام الأسبوع على الأقل، حتى لو بقي أي منهم تحت رعاية أحد أبويه أو كليهما، وذلك بحسب ما ذكره بعض الإيغوريين الذين يعيشون في الخارج.

بيد أن تلك الصور تضفي صفة الإنسانية على سياسة قائمة على الاستهداف المتعمد للأسر الإيغورية بما أن الأسرة تعتبر مستودعاً للهوية والثقافة، أو كما سبق لدولة الصين أن صرحت فقالت: "لابد من قطع جذورهم ونسلهم وعلاقاتهم وأصولهم".

معظم ما ورد في قوائم البيانات يعود لمقاطعة تقع جنوبي شينجيانغ وتعرف باسم كوناشيهير لدى الإيغور أو شوفو باللغة الصينية.

يظهر التحليل الذي أجراه د. زينز بأن 22762 من أهالي تلك المقاطعة، أي أكثر من 12% من السكان البالغين، قد أصبحوا إما في معسكر أو في سجن خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2017-2018.

وإذا طبقنا تلك النسبة على شينجيانغ بكاملها، فإن العدد يشير إلى اعتقال أكثر من 1.2 مليون شخص بالغ من أقليتي الإيغور والتركمان، وهذا يتوافق إلى حد كبير من تقديرات الخبراء بملف شينجيانغ، إلا أن الصين تنكر ذلك على الدوام.

وبالتعاون مع مجموعة ضمت 14 مؤسسة إعلامية و11 دولة، استطاعت شبكة بي بي سي أن تتأكد من صحة عناصر مهمة وردت في ملفات شرطة شينجيانغ.

حيث طلب من الإيغور الذين يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة ذكر أسماء وأرقام هويات المفقودين من أقاربهم في شينجيانغ، فتبين أن العديد منها تتطابق مع ما ورد ضمن قوائم البيانات التي تم العثور عليها، وفي ذلك دليل دامغ على أن المعلومات تشير إلى أشخاص حقيقيين.

صور لمعسكرات اعتقال الإيغور

طلبت بي بي سي أيضاً من الأستاذ الجامعي هاني فريد، وهو خبير متخصص بالصور الجنائية لدى جامعة كاليفورنيا ببيركيلي أن يقوم بفحص مجموعة من الصور الملتقطة للمعتقلين الإيغور، فلم يعثر على أي دليل يؤكد فبركة تلك الصور، إذ لا توجد تلك العلامات التي نجدها مع تقنية التزييف العميق التي تقوم على تركيب الصور عبر الحاسوب، أو أي مؤشر يدل على تلاعب رقمي خبيث.

ثمة أثر غريب يظهر على أطراف تلك الصور، وكأنها نسخت أو تم تدويرها قليلاً، وهذا إن دل على شيء فإنما يرجح الفكرة التي ترى بأن هذه الصور تمثل جزءاً من الصور الملتقطة عبر شبكة المراقبة الكبيرة التي تستخدمها الدولة الصينية في شينجيانغ.

يرجح البروفسور فريد بأن مواطن الخلل تلك أتت نتيجة لعملية توحيد المعايير ضمن قواعد البيانات التي تعتمد على عملية التعرف على الهوية من خلال الوجه، حيث يجري وبصورة أوتوماتيكية تعديل نظرة العينين وجعلهما تنظران إلى الأفق في أي صورة تميلان فيها عن المعايير المحددة، وهذا ما أكده البروفسور في تقرير خطي قدمه لبي بي سي ورد فيه: "إن هذا التلاعب لا يضر بالصورة تماماً بكل تأكيد".

يمكن إجراء مزيد من عمليات المطابقة من خلال وضع الصور بالترتيب مع التواريخ المرافقة، ثم قراءة المعلومات العامة التي تظهر على خلفية الصورة، والتي تؤكد بأن تلك الصور التقطت في ذلك الزمان والمكان فعلاً.

بعد محاولة التواصل مع الحكومة الصينية للتعليق على البيانات التي تمت قرصنتها، مع طرح أسئلة مفصلة حول الأدلة التي تشتمل عليها تلك البيانات، تلقت تلك المجموعة الإعلامية رداً خطياً من قبل السفارة الصينية في العاصمة واشنطن جاء فيه: "إن جوهر المسائل التي تتصل بشينجيانغ يتعلق بمكافحة الإرهاب العنيف والتطرف والنزعة الانفصالية، ولا علاقة له بحقوق الإنسان أو الدين". كما ورد في ذلك البيان بأن السطات الصينية سبق وأن اتخذت: "مجموعة من الإجراءات الحاسمة والصارمة والفعالة للتخلص من حالة التطرف... واليوم تتمتع تلك المنطقة باستقرار وانسجام على المستوى الاجتماعي، هذا فضلاً عن التنمية الاقتصادية الموجودة فيها"، وهذه الأمور تعتبر: "الرد الأبلغ على كل أنواع الكذب والتضليل الذي يطول شينجيانغ".

إلا أن هذا البيان لم يشتمل على أي رد أو تعليق يتصل بالأدلة المحددة التي تم العثور عليها ضمن تلك البيانات المخفية.

تشتمل ملفات شرطة شينجيانغ على مجموعة أخرى من الصور الفريدة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على وصول الدولة الصينية إلى مستويات متطرفة من السيطرة الجسدية على شعب الإيغور، في محاولتها لإعادة هندسة هويتهم بالقوة، حيث تظهر تلك الصور ما بدا وكأنه تدريبات لإخضاع السجناء، كونها تعتمد على الأساليب ذاتها الواردة ضمن وثائق الشرطة بالنسبة للمعسكرات، لكنها تستخدم هنا ضمن أحد مراكز الاحتجاز، إذ تظهر صور ما يبدو وكأنه جلسات مخصصة للتلقين لتعكس حالة التداخل والصلة بين المعسكرات والسجون في الصين.

ثم إن الوصف المكتوب على بزات المعتقلين من الخلف يظهر أنهم محتجزون في مركز تيكيز للاعتقال الذي يقع شمالي شينجيانغ، وتظهر صور الأقمار الصناعية المحيط الخارجي لمركز الاحتجاز الشهير هذا ضمن مدينة تيكيز، وهذا المحيط الخارجي ينطبق تماماً مع ما ظهر في بعض الصور، ما يعني أن هذه الصور حقيقية، وهذا ما جعلنا نصدق بأن مجموعة البيانات بكاملها حقيقية هي أيضاً.

الرئاسة الصينية أمرت ببناء سجون

تحتوي الملفات التي تعرضت لهجمة قرصنة على عدد من الأحاديث والخطابات التي ألقاها مسؤولون مهمون في الحزب الحاكم، وهي تسمح لنا بتكوين فكرة عن العقلية التي تضع تلك السياسات، كما يمكن أن تؤخذ كأدلة دامغة تحدد بشكل واضح على من تقع مسؤولية ما يجري هناك.

في خطاب صنف أنه "سري" ألقاه تشو كيتشي، وزير الأمن العام في الصين، في زيارة قام بها لشينجيانغ خلال شهر حزيران 2018، أشار ذلك الرجل إلى أن ما لا يقل عن مليوني نسمة قد انتقلت إليهم عدوى "الفكر المتطرف" في جنوبي إقليم شينجيانغ بمفرده.

وقد تخلل هذا الخطاب ذكر اسم الرئيس شي جين بينغ مرات عديدة مقروناً بالكثير من صفات المدح  وذلك لأنه قدم: "توجيهات مهمة" تقضي ببناء مقرات وسجون جديدة، مع زيادة التمويل المخصص للسجون حتى تتسع لأعداد كبيرة من السجناء الذين لابد وأن يصل عددهم إلى مليونين.

إذن، إن كانت عمليات الاعتقال الجماعية لأقليتي الإيغور والتركمان في شينجيانغ قد حدثت بناء على أوامر أصدرها الرئيس الصيني، فإن ذلك الخطاب يشتمل على تلميحات تشير إلى الفترة الزمنية التي يفكر ذلك الرجل فيها.

تشتمل تلك البيانات المخفية أيضاً على خطاب سري آخر، ألقاه تشين كوانغو في عام 2017، وهو شخصية تتسم بتشددها أصبحت مؤخراً تشغل منصب أمين الحزب الشيوعي في شينجيانغ، وقد تحدث هذا الرجل أمام جمهوره الذي يضم كبار الشخصيات في الجيش والشرطة، فقال: "بالنسبة للبعض، قد لا تكفي حتى خمس سنوات لإعادة تعليمهم... إذ بمجرد أن يخلى سبيلهم، ستعود المشكلات للظهور، وهذا هو الواقع الذي تعيشه شينجيانغ"، وفي ذلك على ما يبدو اعتراف بأنه طالما حافظ أي أحد من أبناء شعب الإيغور على ولائه لهويته أو دينه بالمستوى ذاته من الولاء الذي يكنه للحزب، فهذا يعني أن لا نهاية تلوح في الأفق لتلك العملية.

المصدر: بي بي سي