بين محادثات فيينا النووية ونظيرتها الأوكرانية.. مستصغر الشرر!

2022.01.16 | 06:20 دمشق

000_9mr6xu.jpg
+A
حجم الخط
-A

قد لا يبدو مستغربا أن تلعب روسيا دوراً رئيسياً في المفاوضات النووية المتعددة الأطراف مع إيران، نظرا لعلاقاتها الاستراتيجية مع طهران، وكونها إحدى دول مجلس الأمن دائمة العضوية، إلا أن تصعيدها الأخير في أوكرانيا يلقي بظلاله على المحادثات الجارية في فيينا، والتي تهدف إلى إعادة تفعيل خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 التي أصبحت مهددة بالانهيار.

من البديهي أن لا تفضل موسكو امتلاك إيران أسلحة نووية، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة اشتراكها مع بقية الدول الغربية والصين في الأهداف أو الأساليب بشأن هذه القضية. فطهران بالنسبة لموسكو حليف إقليمي قد تتخوف من تنامي قدراته العسكرية مستقبلا، لكنها تظل ورقة بيد موسكو، وشوكة في خاصرة الدول الأخرى المرتعدة فرائضها من فكرة امتلاك إيران للتقنية النووية وأسلحتها المدمرة.

موقف موسكو من المفاوضات الإيرانية الراهنة يأخذ في عين الاعتبار تطورات الأزمة الأوكرانية وبعدها الكازاخية

العديد من المحللين الروس يرون أن بوتين قادر على التعايش مع دولة إيرانية نووية إذا لزم الأمر، لكن مصدر قلقه الأكبر تمثل في احتمال أن تصبح إيران موالية للغرب. وهو ما أكده تسجيل صوتي مسرب لوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف يعترف فيه بأن الروس في المفاوضات السابقة لم يريدوا نجاح الاتفاق النووي، مخافة تطبيع إيران علاقاتها مع الغرب.

لكن موقف موسكو من المفاوضات الإيرانية الراهنة يأخذ في عين الاعتبار تطورات الأزمة الأوكرانية وبعدها الكازاخية، ويريد موقف موسكو لمفاوضات فيينا الإيرانية أن تستهلك كل القوى الغربية لإبعادها عن حدائقها الخلفية (أوكرانيا وكازاخستان) التي يبدو أن الغرب وحلف الناتو عازم على إجراء مقايضة فيها بين كازاخستان وأوكرانيا، لِلَي ذراع موسكو بعد وصول المد الغربي إلى حدودها.

تروم موسكو أن تواصل تصوير نفسها على أنها وسيط عالمي رئيسي بغض النظر عمّا إذا آتت المحادثات ثمارها. ففي مقابلة مع مجلة "نيوزويك" الأميركية دعا السفير الروسي أناتولي أنتونوف الولايات المتحدة وإيران إلى إظهار أقصى قدر من المرونة في المفاوضات والسعي إلى الجمع بالشكل الأمثل بين المسؤوليات والمنافع لكلٍّ من المشاركين والمجتمع الدولي بأسره. وحتى مع مشاركة موسكو في محادثات فيينا، فإنها تقلل مرة أخرى من شأن المخاوف الغربية بشأن نوايا طهران. ففي أواخر شهر كانون الأول، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التأكيد على أن إيران كانت تماطل في المفاوضات. ودافعت عن طهران في شباط/ فبراير 2021 بالقول إن رفض إيران الامتثال لـ خطة العمل الشاملة المشتركة لا يتعارض مع التزاماتها تجاه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

الدوافع الاقتصادية مهمة أيضا بالنسبة لموسكو التي ارتفع ميزانها التجاري والعسكري مع إيران بعد الانخراط في المفاوضات النووية مجددا، من 1,74 مليار دولار عام 2018 إلى ملياري دولار في عام 2019. وذكرت وكالة "تاس" الروسية أن التجارة البينية (بين موسكو وطهران) نمت بنحو 40 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2020. كما تستعد موسكو لبيع 32 طائرة مقاتلة من نوع "سو-35" لإيران.

التعزيزات العسكرية الروسية الحالية على الحدود الأوكرانية وغيرها أكثر خطورةً وأكبر حجما مما سبق، ويبدو أن روسيا تعمّدت رفع مطالب صعبة التحقيق إلى حلف "الناتو". ستبقى موسكو ملتزمة بتحقيق مصالحها الخاصة بغض النظر عمّا تفضي إليه محادثات فيينا. ونظراً لأن موسكو ليس لديها الكثير لتكسبه من إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فيمكنها الانتظار بينما تتظاهر باتخاذ الخطوات المطلوبة والمواقف الخادعة في المساعي الدبلوماسية تجاه إيران. ويمكن لبوتين استغلال مخاوف الغرب من تحول إيران إلى قوة نووية كوسيلة ضغط في الأزمات الأخرى حتى لو اضطر إلى مساعدة إيران على إتمام برنامجها النووي والحصول على التكنولوجيا العسكرية النووية لزيادة تهديد الغرب، الذي يرى فيه بوتين خيارا أفضل من تطبيع إيران مع الغرب وترك روسيا وحدها في مواجهة العقوبات الغربية.

يمكن أن تطلب موسكو من طهران ثمنا آخر من خلال اتخاذ خطوات ملموسة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا

لكن موسكو بالمقابل لن تسمح أن يتم تمرير مساعدتها إلى طهران من دون ثمن أو مقابل، حتى ولو كان ذلك في صالح زيادة الضغوط على القوى الغربية، وهو بحد ذاته هدف لا يستهان به، إذ يمكن أن تطلب موسكو من طهران ثمنا آخر من خلال اتخاذ خطوات ملموسة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وانتزاع المزيد من القواعد من ميليشياتها المتناثرة على التراب السوري، أو استغلال النفوذ الإيراني في أزمات أخرى كلبنان واليمن للعب دور سياسي أكبر من قبل موسكو على المشهد الدولي، وبكل الأحوال، يبدو قيصر الكرملين "سعيدا" بتزايد الأزمات وتشابك ملفاتها من كازاخستان شرقا، وحتى إيران وأوكرانيا غربا، فهو يدرك أن تعقد الملفات وارتفاع منسوب الخطر فيها، يعني مزيدا من الاندفاع نحو انتزاع مزيد من المكاسب الحيوية من الغرب الذي يبدو أنه استهان بطموحات رجل المخابرات الروسي، ولم يحسن تقديرها في أحسن الأحوال.