تمتلئ إسطنبول بمئات المطاعم العربية عموماً والسورية خصوصاً التي تنتشر في شوارعها لخدمة الآلاف من الجالية العربية التي تقطن المدينة، وخاصةً في مناطق الفاتح وأسنيورت وباشاك شهير، بل توجد هذه المطاعم حتى في الأماكن السياحية الشهيرة كمنطقة تقسيم.
لكن هذه المطاعم عانت منذ انتشار جائحة "كورونا" (كوفيد- 19)، من عدة تحديات مع حظر التجوال المتكرر الذي فرضته الحكومة التركية للحد من انتشار الفيروس، وتتمثل هذه التحديات في جودة الخدمة وخسائر القطاع السياحي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات من مياه وكهرباء وغاز.
خسائر كورونا.. قطاع المطاعم من أكثر المتضررين
"تأثير كورونا لعامين كان كبيراً جداً رغم أن مصدر الإصابات ليس المطاعم بالأساس"، قال محمد، مدير مطعم "جوري" في منطقة الفاتح في اسطنبول، إحدى أكثر المناطق التي تحتوي على سوريين في المدينة.
وأضاف محمد لموقع تلفزيون سوريا أن الحكومة التركية استهدفت الكثير من القطاعات خلال قرارات الإغلاق الأخيرة ومنها المطاعم، رغم التزام أصحاب المطاعم والزبائن بالإجراءات الصحية من التعقيم الدائم والمسافة الصحية اللازمة، بعكس المواصلات والشوارع والأماكن الأخرى التي لا تتبع إجراءات مماثلة.
ولذا اقتصر نشاط هذه المطاعم على البيع المباشر أو خدمة التوصيل فقط، وهو ما أثر على مردودها المادي بشكل مباشر.
ومنذ انتشار جائحة "كورونا" في تركيا، فرضت الحكومة التركية سلسلة إجراءات احترازية، منها حظر حضور الجمهور في الملاعب والأنشطة الرياضية، وإغلاق المقاهي والمطاعم واقتصار خدماتها على البيع المباشر أو خدمات التوصيل، كما فرضت حظراً شاملًا وإغلاقاً كاملاً مطلع شهر أيار الماضي، استمر لـ17 يوماً، وهو الإغلاق الثاني خلال عام ونصف تقريباً، وسمحت الحكومة التركية حينذاك للمطاعم بممارسة نشاطها عبر خدمات التوصيل فقط.
وكحال محمد، يعيش ياسر صاحب مطعم للوجبات السريعة على إيقاع المشكلات نفسها، إذ اشتكى في أثناء إجابته عن أسئلة موقع تلفزيون سوريا بأن المطاعم السورية عانت كثيراً خلال العامين الماضيين، مع ارتفاع الأسعار والمصاريف وانخفاض الدخل وغياب دعم حكومي مباشر لهذا القطاع.
ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد المطاعم السورية في إسطنبول، لكن وزيرة التجارة التركية روهسان بك جان، قالت أمام البرلمان التركي في شهر كانون الثاني 2020 إن عدد الشركات التي يملكها سوريون وصل إلى 13 ألفاً و880 شركة، ما يمثل 29 في المئة من عدد الشركات الأجنبية في البلاد.
وأضاف ياسر أن غياب الدعم الحكومي دفعه إلى الشعور بأنه "بلا قيمة" بحسب تعبيره على الرغم من دفعه مبالغ كبيرة واستثماره أمواله في تركيا، مشيراً إلى أن ما جمعه خلال السنوات السبع الماضية أنفقه خلال العامين الماضيين.
وأحد أسباب خسائر المطاعم السورية خلال فترة الإغلاق هو غياب السيّاح العرب عن زيارة إسطنبول، والتي تعتمد عليها هذه المطاعم وخاصةً في فصل الصيف.
ويرى ياسر أن غياب السياحة شكل مشكلةً كبيرةً للمطاعم السورية، إذ إن تركيا بالأساس بلد يعتمد بشكل كبير على هذا القطاع، وتعتمد المطاعم السورية بدورها على السياح العرب والسوريين ممن يزورون تركيا، ما دفع المطاعم إلى الاعتماد على السوريين المقيمين أصلاً في إسطنبول.
كما ترافقت خسائر القطاع السياحي مع تراجع القوة الشرائية للسوريين المقيمين في إسطنبول.
ويبدو ياسر متشائماً بقدرته على تغطية خسائره خلال العامين الماضيين، إذ لا يعتقد أن تعويضها خلال الشهور الثلاثة المقبلة سيكون أمراً سهلاً.
من جهته قال علي، صاحب مطعم لبناني للوجبات السريعة في منطقة "الفاتح" لموقع تلفزيون سوريا إن "كورونا" آذت قطاع المطاعم بشكل كبير جداً، وبينما يأمل أن تكون الفترة المقبلة أفضل، يدرك أن خسائر سنة كاملة لا تتعافى بشهر أو اثنين، بل تحتاج إلى عام كامل.
ارتفاع الأسعار.. تحد ثان يواجه المطاعم السورية
فقدت الليرة التركية ما يقارب الـ30 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي منذ بداية العام الحالي 2021، (يبلغ سعر صرف الدولار الواحد ثماني ليرات و68 قرشاً وفقاً لموقع Doviz المختص بأسعار العملات)، لأسباب عدة اقتصادية وسياسية.
وأدت تقلبات سعر الصرف وانخفاض قيمة الليرة التركية وجائحة "كورونا" إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في البلاد، بالإضافة إلى أسعار الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وماء، كما أن الإغلاق المتكرر أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات البيوت والمحال في إسطنبول، التي ترتفع فيها الأسعار مقارنةً بولايات تركية أخرى.
ولم تسلم المطاعم السورية من ارتفاع الأسعار بدورها، وهو ما أدى إلى ازدياد شكاوى الزبائن التي يمكن رصدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر ويومي.
وقال علي، وهو مواطن لبناني وصاحب مطعم للوجبات السريعة بالقرب من شارع "الأمنيات" كما يلقبه السوريون في إسطنبول، لموقع تلفزيون سوريا، إن الأسعار ارتفعت بما يقارب الـ40 في المئة، ولم يستطع إيجاد حل لهذه المشكلة، إذ إنه لا يمكنه رفع أسعار وجباته بما يتماشى مع أسعار المواد الغذائية خوفاً من خسارة زبائنه في الظروف الحالية.
ولا يختلف الوضع الذي يعيشه علي عن ذاك الذي يعاني منه محمد بدوره، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا إن أسعار اللحوم والدجاج والزيت تختلف بشكل أسبوعي تقريباً، وهو ما يضطره وغيره إلى رفع الأسعار ما يؤدي إلى امتعاض الزبائن التي تتساءل لماذا كل هذا الغلاء؟ رغم أن الزبائن نفسها تشتري حاجياتها من المحال وتلاحظ ارتفاع الأسعار المتزايد في السلع الأساسية، كالسكر والأرز واللحومات وغيرها.
ولا تتوقف مدفوعات المطاعم على السلع الغذائية فقط، إذ إن هناك إيجارات المحال ومرتبات العمال والخدمات الأساسية أيضاً، وهي مبالغ تتجاوز 80 ألف ليرة شهرياً بحسب ياسر، والذي قال لموقع تلفزيون سوريا إنه من الصعب جداً تعويض سنتين بأرباح شهرين أو ثلاثة أشهر فقط، خاصة إذا عاد الإغلاق مجدداً مع نهاية الموسم السياحي، ولا سيما أن معظم هذه المطاعم إن لم يكن كلها هي محال مستأجرة وليست ملكاً شخصياً لأصحابها، وهو ما يزيد الضغط بطبيعة الحال إلى جانب الضغوط الأخرى.
ويأمل أصحاب المطاعم السورية تحسن المبيعات، بعد أن قررت الحكومة التركية تخفيف الإجراءات الاحترازية منذ بداية شهر حزيران الحالي، وسمحت للمطاعم باستقبال الزبائن ضمن القواعد الصحية المتّبعة.