
ابتداءً من صباح الغد، سيتوجّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أهم وأصعب انتخابات تشهدها البلاد، ومن ضمن الناخبين سيكون هناك مواطنون أتراك من أصول عربية أو عرب يحملون الجنسية التركية.
لا يوجد أرقام رسمية معلنة عن عدد العرب سوى السوريين، لكن اللافت في الأمر أنّ بعض الأرقام غير الرسمية، تشير إلى أنّ نسبة المصريين المجنسين قياساً لعددهم في تركيا هي الأعلى، حيث يتراوح عددهم بحدود الـ30 ألفاً، نصفهم تقريباً حصل على الجنسية التركية.
حاول تلفزيون سوريا، استطلاع رأي شريحة من مواطنين عرب سيشاركون في هذه الانتخابات، واللافت في الأمر أن معظمهم سيصوّت لأوّل مرة، وكانت مجمل آرائهم متفقة على أن التصويت لـ"حزب العدالة والتنمية" سيكون أفضل للعرب.
الأكاديمي الأزهري الدكتور عصام تليمة - وهو داعية مصري شهير - قال إنّ "خطاب المعارضة منفر ومخيف وقائم على إقصاء الأجانب، ويجعل المجنّسين العرب يصطفون خلف حزب العدالة والتنمية بسبب موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من مجمل قضايانا، حتى مع وجود بعض الملاحظات لكن خلافنا مع المعارضة خلاف جذري".
وأضاف أنّ "كل المصريين هنا حصلوا على الجنسية بسبب سياسات الحزب ورئيسه، وكثير من المصريين كانت لديهم فرصة للذهاب إلى أوروبا لكنهم فضّلوا تركيا لاعتبارات دينية واجتماعية نظراً لتخوفهم من أثر التعليم في أوروبا على أطفالهم، ويتوقّع أن يصوّت معظمهم للتحالف الحاكم".
ويتفق مع "عصام"، رئيس الجالية المصرية في تركيا الدكتور عادل راشد، قائلاً في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا إنّه "لا يوجد عزوف لدى الجالية المصرية، وهي عازمة على المشاركة الفعالة والتصويت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
تردّد وأسئلة جدوى المشاركة
الصحفي السوري أحمد أبو الخير قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه "يجد صعوبة في الإعلان عن الجهة التي سيصوّت لها وسط هذا الاستقطاب في الشارع التركي، ووسط الهلع بين السوريين والعرب".
وأضاف أنّ "هناك ضجيجا في رأسه يجعله يتردّد في اتخاذ قرار المشاركة من عدمها لأنه سيصوت للمرة الأولى في حياته وهو غالبا لن يفوت الفرصة، لكن ارتباكه بين التصويت لأردوغان وبين المقاطعة مردّه إلى حالة الارتباك، فالسياسات المشتركة المعلنة لتحالف المعارضة وبنودها فيما يخص اللاجئين تبدو متقدمة على خطاب الحزب الحاكم وسلوكه، الذي بدأ خطوات التطبيع مع نظام الأسد، لكنه لا يثق بالمعارضة".
وتابع: "كل الأشياء التي يمارسها العدالة والتنمية أو يُعلن أنه سيفعلها، ولا تصب في صالح القضية السورية، تُعلن المعارضة أنها حال تسلمها السلطة ستفعل ما هو أسوأ بكثير، وخطابها الانتخابي بشأننا إما عنصري فج أو تهديدي مريب نتيجة تشظي أفكار المشكلين لطاولة المعارضة".
وأشار "أبو الخير" إلى أنّ "حديث أردوغان للشباب قبل يومين من الانتخابات، كان مريحًا ومطمئنًا للسوريين، وأنه سيجد في الورقة الانتخابية التي بين يديه اسم الرئيس أردوغان ومنافسه كمال كليتشداريأوغلو ويرى أن التصويت للأخير بمنزلة انتحار سياسي لذا سيصوت للرئيس أردوغان وحزبه".
وفي هذا الرأي، يتفق معه الصحفي العراقي أحمد صالح، الذي قال بدوره: إنّ العراقيين يفضلون تحالف الحكومة على المعارضة لأسباب كثيرة منها أنّه الأفضل حالياً لقيادة تركيا ولتعاملهم الجيد مع اللاجئين"، مشيراً إلى أن عدد العراقيين في تركيا نحو نصف مليون، منهم نحو 45 ألفا حصلوا على الجنسية التركية.
من جانبه، قال رئيس جمعية التضامن مع فلسطين محمد مشينش، إنّ "معظم الفلسطينيين سيشاركون في التصويت لصالح الحزب الحاكم ورئيسه، لأنّ تركيا في ظل حكمه شهدت انفتاحاً على العالم العربي وقضاياه، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".
وتابع: "هذه السياسيات عزّزت من مكانة تركيا في العالم الإسلامي وأنها دعمت قوى الثورات العربية بعد موجة الرّدة على الربيع العربي في بلدانها، وهناك آلاف الطلاب العرب في المدارس والجامعات التركية"، مشيراً إلى أنّ عدد الفلسطينيين المجنّسين يقارب الـ7 آلاف معظمهم مجنّس منذ مدة طويلة، متوقّعاً أن يصوّت جميع العرب للتحالف الحاكم.
تأثير الوضع الاقتصادي على قرارات الناخب العربي
رجل أعمال سعودي حصل على الجنسية التركية بعد شرائه عقارات في عدة مدن بتركيا، قال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّه سيصوّت للحزب الحاكم لأسباب كثيرة منها دعم الرئيس التركي للمعارضات العربية بعد ثورات الربيع العربي، وكيف تحوّلت تركيا إلى ملاذ آمن لتلك المعارضات والقوى، وبسبب الطفرة الاقتصادية التي شكّلت عامل جذب للاستثمارات العربية، حيث باتت تركيا وجهة مفضلة لصنّاع السياحة في العالم العربي بعد إقبال السيّاح العرب على زيارة المدن التركية".
وتابع: "سياسة الانفتاح التي انتهجها حزب العدالة والتنمية كانت داعما لإقبال المستثمرين العرب على جلب أموالهم إلى تركيا، في حين أن المعارضة تهدّد وتقول إنّها ستوقف كثيرا من المشاريع التي فيها شركاء عرب".
بدوره أكّد رجل الأعمال السوري عمرو يكن، ما ذهب إليه رجل الأعمال السعودي، وقال في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ ما فعلته المعارضة مؤخراً، شكّل عامل تهديد للمستثمرين الأجانب وخصوصاً العرب، حين قالوا إنهم سيعرقلون حصولهم على بعض الاستثمارات.
وأشار "يكن" إلى أن سوق بيع العقارات شبه متوقّف، منذ بداية العام، نتيجة خوف المستثمرين وانتظارهم إلى ما ستؤول إليه الانتخابات، لافتاً أنّه لهذه الأسباب سيصوت للحزب الحاكم وتحالفه.
وأضاف بسام شحادات وهو رائد أعمال عربي، أنّ الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا ليس في أفضل أيامه، لكن في حال استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكم، سيكون لديه فرصة لتحسين الواقع الاقتصادي لأنّ لديه علاقات جيدة مع شركاء اقتصاديين كبار مثل قطر وبعض دول الخليج وروسيا أيضاً، وتفاهمات مع دول وجهات أخرى.
وفي تصريحه لـ موقع تلفزيون سوريا، يرى "شحادات" أنّ فرصة الحزب الحاكم بتحسين الوضع الاقتصادي أكبر من المعارضة لأنّها ستبدأ البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، وهذا يحتاج إلى وقت طويل وسياسيات مستقرة، "وفي حال فازت المعارضة وحكمت تركيا سيكون الوضع أسوأ بكثير".
في بلد كبير ومترامي الأطراف ويقترب عدّد سكّانه من الـ90 مليون نسمة، لا يمكن لبضعة آلاف من الأصوات أن تشكّل فارقاً، لكن ولأنّ لهذه الانتخابات خصوصية ويتوقع أن يشارك فيها الأتراك بنسبة غير مسبوقة، بدأ العرب بحشد صفوفهم لتحفيز بعضهم على المشاركة وعدم تفويت فرصة دعم الحزب، الذي كان سبباً أوّل في وجودهم بتركيا، وأيضاً لأجل ممارسة حقهم بانتخاب ممثليهم في أجواء ديمقراطية مُنعوا من ممارستها في بلدانهم، التي يسعون إلى أن تعود وطناً لكل أبنائه ذات يوم.