بين اليوتيوبرية السوريين وأبو فلة

2021.02.03 | 00:14 دمشق

abw-flt.jpg
+A
حجم الخط
-A

أول ما يتبادر لذهنك وأنت تسمع أخبار اليوتيوبر "أبو فلة" الذي تكفل ببناء 12 منزلاً لاثنتي عشرة عائلة تسكن في الخيام التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، هو "اليوتيوبرية" السوريون.. أين هؤلاء من كل ما يجري لأبناء بلدهم، لماذا لا يقومون بحملات تبرع، كتلك التي قام بها حسن سليمان "أبو فلة"، لماذا لا يتكلمون بفيديوهاتهم الكثيرة عن الوجع السوري؟ لماذا يكون صانع المحتوى ممن شردهم النظام، وهو معارض له، ولكنه عندما يصبح مشهوراً يصبح موقفه رمادياً!

قبل أيام كنت أتابع أحد هؤلاء من ألمانيا، وهو يصنع طعاماً ويعرضه على منصات التواصل وله مئات آلاف المتابعين، وهو يقول عن نفسه إنه ليس رمادياً، ولكن عندما وصل للنظام خاف أن يصفه بأي من النعوت التي يستحقها!

من يتابع من العرب حياة البذخ التي يعيشها أنس مروة ابن نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي دفع قبل أشهر 95 ألف دولار كي يكشف جنس الجنين في بطن أمه، عبر استخدام الإسقاطات الضوئية على برج خليفة لمدة ثلاث دقائق فقط، يقول إن السوريين يستحقون ما وقع بهم، لأنهم لا يرأفون ببعضهم البعض! سيما وأن هشام مروة هو من الذين كانوا يتباكون على الفضائيات على ساكني الخيم والمساجين في سجون النظام.

غالبية اليوتيوبرز السوريين- على ما أعلم- لا يأبهون لحال أبناء بلدهم، بل لا هم لهم سوى ابتكار سيناريوهات "تافهة" جديدة لجذب مزيد من المتابعين

رغم أنه قد يقال الكثير في المحتوى الذي يُقدم على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن المرء لا يستطيع إلا أن يقف إجلالاً وإكباراً لهذا اليوتيوبر الكويتي، الخفيف الدم، فهذا لم ينسَ السوريين، بينما غالبية اليوتيوبرز السوريين- على ما أعلم- لا يأبهون لحال أبناء بلدهم، بل لا هم لهم سوى ابتكار سيناريوهات "تافهة" جديدة لجذب مزيد من المتابعين، وبالتالي زيادة رصيدهم المالي الذي يزيد مع زيادة المشاهدات، والإعلانات المدرجة في هذه الفيديوهات.

نجوم وسائل التواصل الاجتماعي هي ظاهرة عالمية، لا تقتصر على بلدنا ولا منطقتنا، وقد بدأت مع تلفزيون الواقع في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، الذي يبث التفاصيل اليومية كاملة للمشاركين، وينشر الخصوصيات التي تثير معرفتها اهتمام المشاهدين، ومنها انتقلت إلى عالمنا العربي، كستار أكاديمي وقسمة ونصيب وغيرهم، ثم بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح تلفزيون الواقع أكثر سهولة مع اليوتيوبرز الذين يشاركون الناس كل أحوالهم، وهم يهتمون بالدرجة الأولى بالغناء والطبخ والرحلات والتزيين وحياة الناشطين اليومية.

 ومن خلال متابعة بسيطة لصانعي المحتوى العرب أستطيع أن أقول إن أسوأ محتوى عربي هو المحتوى الذي يقدمه السوريون، فالأردنيون والفلسطينيون برعوا في مجال الرحلات واكتشاف المناطق المجهولة من الكرة الأرضية كابن حتوتة وجو حطاب، وأيضاً برع هؤلاء في مجال اكتشاف أنواع الأكل واللحوم كباسل الحاج، والخليجيون يهتمون بأمور الأكل والسيارات، أما المصريون، فهم إضافة إلى الأفشات الكوميدية، استطاعوا تقديم محتوى علمي هادف عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لا شك أن هناك محتوى جميلا كان يقدمه تيم الحناوي، وغيره، وهناك محتوى هادف يقدمه البعض، ولكنه ضاع في زحمة التسطيح التي نعاني منه

لو تساءلنا ماذا قدم السوريون على وسائل التواصل، فلن يقفز إلى ذهننا سوى جود عقاد، ووسيم زكور وصابر الشرتح، ويكفي دخول بسيط إلى صفحة أي من هؤلاء وقراءة التعليقات حتى تكتشف أنه متابعيهم يسخرون منهم أيضا. وهؤلاء لا يقدمون سوى حكايا دون أي مضمون، بل من هؤلاء من بات يغتنم هذه "الشهرة الزائفة" كي يقوم بدعايات لفنادق ومطاعم وغيرها.

لا شك أن هناك محتوى جميلا كان يقدمه تيم الحناوي، وغيره، وهناك محتوى هادف يقدمه البعض، ولكنه ضاع في زحمة التسطيح التي نعاني منه، بالأخص نحن السوريين.

في كل يوم نسمع بفلوغر (vloggers)، سوريين جدد، وأن لديهم ملايين المتابعين، وهؤلاء بغالبيتهم لا يقدمون فقط محتوى هابطاً يدعو للتسطيح والابتذال، دون أي اعتبار للقيم والمبادئ والقضايا الكبرى، والتفكير بمعمق بمشكلاتنا وحلولها، بل إنهم فوق كل هذا لا يتذكرون أبناء بلدهم وآلامهم حتى ولو بكلمة، هؤلاء هم من ينطبق عليهم المثل العربي القديم "أحشفاً وسوء كيلة".