
نظمت الجمعية الطبية السورية الأميركية سامز (SAMS)، الأربعاء، ورشة عمل بعنوان "فهم الاحتياجات والتحديات والفرص في قطاع الصحة في سوريا" بإشراف من وزارة الصحة السورية بإدارتها الجديدة، وعقدت ورشة العمل في فندق شيراتون دمشق.
بدأت الورشة بالتعريف بالحاضرين ونبذة عن الجمعية الطبية السورية الأميركية ودورها الفاعل في الشمال السوري خلال السنوات السابقة، استعرضها الدكتور زيدون الزعبي، وتوضيح ملامح المرحلة الانتقالية للبلاد وما بعدها من مراحل مثل مرحلة التنمية المستدامة والتركيز فيما بعد البناء، كما طرحت المشكلات المستمرة منذ عهد النظام المخلوع وحتى الوقت الحالي في القطاع الصحي بمختلف مؤسساته.
اجتماع بكوادر القطاع الصحي في دمشق والمنطقة الجنوبية
كان من بين الحضور، مديرو المستشفيات الحكومية وعاملون في المؤسسات الصحية الحكومية ووزارة الصحة، بينهم الدكتور محمد الحلبوني (مدير مستشفى دمشق)، والدكتورة ديانا الأسمر (مديرة مستشفى الأطفال في دمشق)، والدكتور خالد موسى (نقيب الأطباء في ريف دمشق)، وممثلي المنظمات الإنسانية والإسعافية العاملة في شمال غربي سوريا مثل منظمة أوسوم، وممثلي المنظمات الإنسانية العاملة في دمشق مثل دائرة العلاقات المسكونية والتنمية (غوبا).
كما حضر الورشة أطباء وصيادلة من محافظات: دمشق – السويداء – درعا، للتعريف بمشكلات الواقع الصحي في كل محافظة وطرح الحلول الممكنة في المرحلة الحالية والقادمة.
بين تجربة "رواندا" والتنمية المستدامة في القطاع الصحي السوري
ابتدأ الدكتور عبد العزيز قزيز المختص بالجراحة العصبية والقادم من بريطانيا، الورشة بالحديث عن تجربة راوندا Rawand Health System Recovery ومقاربتها من التجربة السورية من حيث: ملامح المرحلة الانتقالية والتركيز على رؤية تكنوقراطية قائمة على تعيين الاختصاصيين في مناصب إدارية بهدف النهوض بالبلاد في المرحلة الانتقالية الحالية واستعراض نقاط أساسية توضح مدى جاهزية سوريا لتشكيل هيئات صحية استشارية.
وبمقارنة إحصائية بين رواندا في تجربتها لإصلاح النظام الصحي وسوريا في المرحلة الانتقالية التي تعيشها، تبيّن أن سوريا تضم قرابة 1717 – 2500 مركزاً صحياً بعضها مفعّل وبعضها لا يزال خارجاً عن الخدمة، بينما يصل عدد الطواقم الطبية في عموم سوريا إلى ما يزيد على 30 ألف طبيب، و50 ألف ممرض. أما عدد الكليات الطبية في سوريا فهو لا يتجاوز 12 كلية تضم أكثر من 60 تخصصاً طبياً. ولا يتجاوز "اقتصاد الفرد" سنوياً 400 دولار أميركي.
خطوات للنهوض بالقطاع الصحي في عموم سوريا
ركّزت الورشة على شرح خطوط عريضة متعلقة بأساليب تطوير العمل الصحي من خلال نقل تجارب الدول الرائدة في مجال الرعاية الصحية واستعراض التجربة المهمة للسوريين في الشمال السوري ولا سيما في إدلب، والتي لم تقتصر على تقديم الخدمات الصحية الأولية والإسعافية، إنما شملت خدمات الدعم النفسي وعلاج الأورام ومعالج ذوي الإعاقات وتركيب الأطراف الصناعية والمتابعة الصحية للأطفال والرضّع.
كما طُرحت مفاهيم الحوكمة الصحية التي تشمل إعادة رسم الهياكل الصحية وتحديد مستويات الرعاية وبناء نظام تأمين صحي مجتمعي يخدّم مختلف الفئات من المواطنين؛ والقائم على المساهمات الخيرية ومساعدات المغتربين والدعم الحكومي والمساعدات الدولية ومكافحة الأمراض السارية والمعدية.
وعن أهمية الدمج بين المركزية واللا مركزية، تحدث الدكتور عبد الكريم قزيز عن فقدان الاتصال بين الأطراف والمركز في حالة اللامركزية وضياع البيانات الموحدة، في مقابل البيروقراطية التي تسود الأنظمة المركزية على الرغم من اشتمالها على نظام رقابة عالِ. مع التأكيد على أهمية التشريعات القانونية المتعلقة بالمجالات الصحية سواء في المركزية أو اللا مركزية.
مشكلات طرحها الحاضرون
قُسم الحاضرون إلى ثلاث مجموعات عمل في قاعتي "إشبيليا" و"أمية" في فندق شيراتون دمشق، واستعرض أفراد كل مجموعة آراءهم وأفكارهم حول تطوير الواقع الصحي، بالإضافة إلى التركيز على عرض المشكلات التي واجهتهم في زمن النظام المخلوع.
تحدثت الدكتورة ديانا الأسمر والتي كلفت مؤخراً بتسيير الأعمال في مستشفى الأطفال بدمشق، حول المشكلات المتعلقة بفساد لجان الشروط والشراء والدفاتر الفنية غير دقيقة المعلومات، فضلاً عن وجود دفاتر فنية وهمية للأدوية والمستلزمات الطبية التي يتم توريدها إلى المستشفيات. كما ذكرت الأسمر إهمال لجان التسليم في مستودعات المستشفيات الحكومية التي كانت في زمن النظام المخلوع، ووجود أدوية ومستلزمات طبية منسية في المستودعات مثل الصادات الحيوية وزجاجات التفجير والقفازات الطبية؛ وبدورها رجّحت أن هذه المواد تمّ تناسيها عن قصد وذلك بسبب فساد هذه اللجان التي قد توردّها إلى مستودعات خاصة بصفقة خارجية، أو لاحتكارها ومن ثمّ بيعها للمرضى نفسهم، حتى إن بعض المواد يتم إخراجها من المستودعات بعد انتهاء مدة صلاحيتها أو فعاليتها.
كما طرحت مشكلات متعلقة بالاستجرار المركزي للمواد الطبية وما ينتج عنها من تأخير في وصول المواد الطبية بسبب انتظار المورد الكبير أو "المعتمد" من وزارة الصحة أو المستشفى، إلى جانب غياب الخطط الاستراتيجية لدى رؤساء الشعب حول الأدوية الإسعافية، والتأخير في وصول بعض أنواع الأدوية والتي قد تصل إلى أماكن استعمالها بعد انتهاء فعاليتها.
وبالحديث عن نظم المعلومات الصحية، أوضح المشاركون أن القائمين على الأنظمة الصحية وأصحاب لا يقرؤون البيانات الواردة إليهم، كما أن هناك إهمال لتسجيل هذه البيانات من قبل العاملين في المراكز والمؤسسات؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى غياب الرؤية الواضحة حول الاحتياجات والمعرقلات والإحصائيات الدقيقة. كما أن ميزانية المشتريات وصيانة الأجهزة في بعض المستشفيات الحكومية لا تتجاوز الـ 10 ملايين ليرة سورية، وهو ما يعيق تأمين المستلزمات الأساسية للمرضى واحتياج بعض عمليات الإصلاح للأجهزة الطبية إلى أشهر طويلة.
من جانبها تحدثت الصيدلانية ساندي توما وهي اختصاصية القطاع الصحي في دائرة العلاقات المسكونية والتنمية (غوبا) في دمشق، عن استمرار هجرة العاملين في القطاع الطبي من أطباء وصيادلة، وتقول: "حتى الآن لا يزال أصدقاؤنا من الأطباء والصيادلة يتقدمون بملفاتهم إلى السفارات ويجرون المقابلات فيها من أجل تحصيل فرصة عمل أو إكمال الدراسة خارج سوريا"، كما عرجت على مشكلة نقص الكوادر الطبية في الريف وغياب دور نقابة الصيادلة في زمن النظام المخلوع، تقول: "كنا نتوجه إلى نقابة الصيادلة فقط لدفع رسوم البطاقة النقابية دون أي فائدة قدمتها لنا النقابة لا على صعيد مهني أو تدريب علمي وعملي أو حتى توجيه أكاديمي".
أما نقيب الصيادلة في دمشق الدكتور حسين ديروان، أوضح أن أبرز المشكلات التي واجهت قطاع الصيدلة في زمن النظام المخلوع، هي غياب الدراسة والتوازن بين عدد خريجي الجامعات والاحتياج من العاملين في سوق العمل، وهو ما سبب انعداماً في خلق فرص عمل جديدة، إلى جانب قلة الكوادر التدريسية، يقول ديروان: "لم يزدد عدد أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الصيدلة بدمشق في السنوات الأخيرة، ولا سيما مع صعوبة شروط قبول الطلاب في الدراسات العليا وهجرة الطلاب بعد التخرج، كما أن بعض الأساتذة الجامعيين استحوذوا على الشهرة ما مكنّهم من أخذ فرص الخريجين الجدد من برامج الدراسات العليا بسبب حصولهم على مقاعد في الهيئات التدريسية لعدة جامعات خاصة وحكومية!".
الانتقال من حالة انعدام المبادرة إلى القيادة
لعل من أهم الأفكار المطروحة في ورشة العمل، كانت فكرة الدكتور مازن كوارة، وهو المدير الإقليمي للجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، حول الفرق في العمل ومنهجية التفكير بين العاملين في الأنظمة الصحية المحكومة بسلطة استبدادية والعاملين في الأنظمة الصحية في الدول المتقدمة.
يقول كوارة: "لا بد من تقارب وجهات النظر بين الجهات التنفيذية المتمثلة بالعاملين الصحيين والجهاز الإداري المتمثل بأصحاب القرار؛ إذ لا تزال الإدارات مكبّلة في طرق تفكيرها وعملها وهي محكومة ببيروقراطية قاتلة، وهنا تأتي أهمية المبادرات الفردية في الدوائر الأصغر داخل المؤسسات الصحية ويبرز دور غرف الاستجابة والأطباء المقيمين".
وضرب كوارة مثالاً عن تجربة العمل الطبي والإغاثي في المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام السوري، مثل إدلب ومناطق شمال غربي سوريا، فعلى الرغم من عدم التغيير الشامل في طرائق التفكير إلا أن هناك فرقاً ملحوظاً في مستوى الإنتاجية وطموحات الشباب العاملين في الوسط الطبي خلال السنوات الماضية.
ولعل من أهم مخرجات الورشة، كان تقارب وجهات النظر وتبادل الخبرات والتجارب بين العاملين في القطاعات الصحية في شمال غرب سوريا، والعاملين في القطاعات الصحية في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام المخلوع.