بين المراهقة السياسية والصلف

2021.02.20 | 00:02 دمشق

thumbs_b_c_5d5e201e3a2f0d54672d54f059e75a65.jpg
+A
حجم الخط
-A

عشر سنين من المعاناة والمراوحة بالمأساة، حيث لم يستيقظ الدكتاتور من سواده ولم يتخرج الهواة من مدرسة السياسة.

المراهقة هي مرحلة عمرية توصف بقلة الخبرة وردات الفعل السريعة والغير محسوبة مع أحلام غالباً ما تكون غير ممكنة التحقيق وهي مبررة لتصرفات الشباب بفئتيه الإناث والذكور، حيث تظهر علامات النضوج الجسدي دون النضوج العقلي.

وقد ينطبق مثل هذا الوصف على الأفراد ذوي الطموح السياسي، مع قلة الخبرة والمعرفة في فنون وعلوم السياسة، ولا ضير في ذلك فمن حق أي إنسان أن يملك طموحا ويسعى لتحقيق طموحه وأن يخطئ ويتعلم ويتحمل مسؤولية تصرفاته، وهذا أيضا طبيعي جداً، وممكن في ظل نظام اجتماعي سياسي ديمقراطي أن يمارس أي فرد حقوقه وطموحه بما في ذلك أن يكون سياسياً ويسعى لأن يكون قائداً، وربما يخطئ أيضاً ويتحمل تبعات خطئه وتطال منظمته أو مؤسسته كذلك بعض تلك التبعات. وهذا يحدث في جميع البلدان الديمقراطية وشبه الديمقراطية المستقرة.

لكن في حالة كالحالة السورية، وضمن ثورة ذات طابع فريد ومآس أقل ما توصف به أنها أسوء ما عرفه التاريخ الحديث وبرأيي من أسوء ما عرفته البشرية قياساً بالتطور الحضاري الحالي.

فإن المراهقة السياسية هي جريمة متعدية فهي ليست خطيئة سياسية فحسب، هي خطيئة ثمنها أرواح تزهق من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، ثمنها أطفال بلا طعام ولا تعليم، أيتام بلا معيل، ونساء بلا رجال أو أبناء، وجرحى ومعاقون ومعتقلون وملايين النازحين واللاجئين، إنها ضياع وطن وتفريط بالحقوق، كيف لا ونحن في السنة العاشرة في المراهقة؟! مراهقة ممزوجة بدماء أبنائنا المخلصين الذين ضحوا بأنفسهم من أجلنا، مرارة دموع المهجرين الذين صبروا على الجوع والقتل والبرد بانتظار الأمل وانتظار النصر حتى أجبروا على النزوح أو التهجير القسري. المراهقة التي جعلت حلم أغلب السوريين في الأمن والأمان رهن مجموعة من الهيئات والوفود والمنصات الثورية والمعارضات.

هذه الظاهرة - أي المراهقة السياسية - لا تتحمل الهيئات السورية وحدها تبعاتها، في ظل استغلال القريب قبل البعيد وخاصة من يدعون صداقة الشعب السوري قبل أعدائه، حيث عملت القوى الفاعلة على إضعاف الحالة الثورية وإظهار هيئاتها في حالة عجز عن تحقيق شيء يذكر، ولا بارقة أمل في إزاحة هذا الكابوس الجاثم على صدورنا، فالمراهقة السياسية هي ليست صورة حقيقية للسوريين الثوار، بل نتيجة لما أفرزته التدخلات والضغوطات.

ولا يختلف نظام السلطة الحاكمة كثيراً عن هيئات الثورة بل يجمع بالإضافة للمراهقة، الغرور والتصلب، العنجهية، الغطرسة، على الرغم من كونه آخر من يملك القرار في سوريا. هذا (النظام) الذي استجلب كل قوى الشر واستباح الوطن والمواطن.

أليس الحل الأمني والأساليب القمعية ضد المظاهرات السلمية هي غباء سياسي؟ أليس من واجب الدولة حماية المدنيين؟ وما وصف المطالبين بالحرية والكرامة بالخونة والمتآمرين سوى مراهقة سياسية لنظام كان يمتلك القدرة على الحل بأقل التكاليف السياسية والمعنوية دون إراقة الدم السوري! ماذا يمكن أن نسمي عدم  الاعتراف بوجود شعب صاحب حق ولديه مطالب مشروعة؟ وهل استغلال التراخي الدولي لوضع حد لهذه المأساة هي عبقرية سياسية؟

إن أسوء ما ابتليت به سوريا هو تلك العقلية المنغلقة لقيادة أوجدتها الصدفة والظرف الدولي وارتدت لباس الممانعة والمقاومة المزعومة، وتركت لتنتفخ وتمتلىء بالكلام الفارغ والمتاجرة بالقضايا القومية والوطنية، وهي بمراهقتها خسرت فرصة تاريخية وطنية كان من الممكن أن يبدأ معها السوريون مرحلة جديدة، تبدأ ببعض الإصلاحات القانونية والدستورية.

ولما كان لا أمل في إصلاح هذا النظام الغير قابل للإصلاح أصلاً فالمصلحة الوطنية والواجب الوطني يقع على السوريين القادرين على الحركة والمتفلتين من القبضة الأمنية والارتهان للقمة العيش، وهذا يعني أن المسؤولية على قوى الثورة والمعارضة في مهمة الإنقاذ الوطني والخروج من حالة المراهقة في العمل السياسي وتجاوز صلف الدكتاتورية وأنانيتها..

وبرأيي نحن السوريين أمام مسارين عمليين للتأثير في الواقع السياسي الوطني.

 المسار الأول:

العمل على تشكيل كتل سياسية وازنة ومتزنة بدل حالة التعدد بلا تأثير الموجودة وغير المجدية بغض النظر عن المسميات والرؤى والأهداف وعلى المستوى الوطني وتوحيد الجهود لتحقيق الهدف الأسمى وهو الاستقلال والتخلص من الدكتاتورية كبداية للعمل السياسي وبعد ذلك لدينا الوقت للمنافسة والاختلاف.

 المسار الثاني:

الضغط والتأثير على الأجسام (الرسمية) لقوى الثورى والمعارضة - والتي هي حاجة دولية ووطنية لإنجاز أي حل أو تسوية - سواء بتشكيل قوى ضغط وتأثير مباشر عليها أو الدخول فيها ودعم خطوات الإصلاح والتنظيم لترتقي لمستوى التضحيات التي قدمها الشعب. بدلاً من مهاجمتها دون بدائل وبدلاً من تشكيلات تظهر وتخبو بغض النظر عن النوايا المخلصة والجادة.

يجب ألا ندعي فهم السياسة دون معرفة أدواتها وأسس عملها ودون إيجاد آلية فاعلة فيها ودون معرفة قدراتنا الحقيقية والفضاءات الممكنة ضمن حقيقة وجود القوى الخارجية الإقليمية والدولية وضرورة وجود حلفاء أو تقاطع مصالح يسمح بالحد الممكن من التحرك والظهور للدخول في المنظومة العالمية كبديل مقبول بدل السابق الذي أصبح من الماضي غير مقبول حتى من قبل حلفائه حيث لم يعد قادراً على القيام بدوره أو تحقيق المصالح المرتبطة ببقائه.

لا يمكن للقوى المتصارعة على سوريا أن تمرر أي تسوية دون موافقة السوريين وعلينا أن نكون متسلحين بعدالة قضيتنا وحقنا ولا نقبل بأي إذعان أو تفريط.