icon
التغطية الحية

بين الداخل ودول الجوار والغرب.. السوريون في ظل كورونا 2020

2020.12.27 | 08:16 دمشق

kwrwna.jpg
أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

لم تستثنِ انعكاسات جائحة كورونا السلبية أحداً من شعوب ودول الأرض على الإطلاق، وعلى مختلف المستويات: الصحية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والعلاقات الاجتماعية، بل والنفسية أيضاً.

وبالرغم من ارتباط مسمى الفيروس بالسنة الماضية -كوفيد (2019)- التي شهدت الظهور الأول للفيروس، فإن سنة الـ2020 كانت سنة كورونا بامتياز إذ شهدت انتشار الموجة الأولى فالثانية ومن ثم الإعلان عن اللقاحات، وأخيراً -وربما ليس آخراً- ظهور سلالات جديدة كما حصل مؤخراً في بريطانيا.

السوريون في ظل (كوفيد 2020)

نتيجة ما مرّ عليهم خلال العقد الماضي من حرب وتهجير، شاءت الظروف أن يشهد السوريون انتشار جائحة كورونا سواء داخل بلادهم أو في الدول التي هُجّروا إليها، وبالتالي اختلفت تداعيات الوباء بحسب المناطق التي يعيشون فيها.

فبينما نشهد ارتفاعاً في انعكاسات الوباء الصحية المريرة في معظم مناطق الداخل (الذي يشكو أساساً من سوء الحالة الاقتصادية)، نجد مؤشّر الانعكاسات الاقتصادية أشدّ سوءاً من مؤشّر التدهور الصحّي في دول اللجوء المجاورة، العربية وفي تركيا، في حين تقتصر على الجانب النفسي والاجتماعي في باقي دول اللجوء، سواء في أوروبا أوأميركا الشمالية.

ولكل حالة من حالات السوريين الثلاث أسبابها وأبعادها وتفاصيلها الخاصة كما سيأتي لاحقاً.

أولاً: كورونا الداخل السوري

السمة العامة لكورونا الداخل تغلب عليه سمة الفوضى الصحّية و"انعدام الشفافية" إن صحّ التعبير، في المناطق السورية الثلاث: مناطق سيطرة نظام الأسد- مناطق سيطرة فصائل المعارضة (المحرّر)- ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد".

اقرأ أيضاً: منظمة العفو: عدم شفافية نظام الأسد يعرض الآلاف لخطر كورونا

وأشارت إلى تلك الحالة الصحّية المتردية العديد من التقارير الدولية المرتبطة بمؤسسات إنسانية وطبية وحقوقية أيضاً. جميعها تؤكّد ارتفاع حالات الإصابة، وسط غياب واضح للإحصاءات الطبية الرسمية الشفّافة نتيجة الحالة السياسية والعسكرية المهيمنة على الحياة العامة في المناطق الثلاث، ما يؤثّر سلباً على الأنشطة الطبية والتعاطي مع الجائحة بصورة مهنية وأكثر جدّية.

مناطق سيطرة النظام: الحالة فيها أشار إليه بوضوح تقرير منظمة العفو الدولية "إمنيستي"، في الـ12 من كانون الثاني الماضي، حيث تناولت فيه المخاطر المحيطة بالمواطنين السوريين المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام "نتيجة عدم الشفافية في تعاطي حكومة النظام مع الوضع الصحي".

وجاء في التقرير أيضاً: " بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من تفشي جائحة كورونا، فشلت حكومة نظام الأسد في حماية العاملين الصحيين بشكل كاف، ولا تزال تفتقر إلى استجابة قوية لانتشار المرض، وترفض تقديم معلومات شفافة ومتسقة حول تفشي (كوفيد-19) في البلاد".

اقرأ أيضاً: النظام يروج لـ "مهرجانات كورونا" وفعاليات اقتصادية تدعو لإغلاقها

ولم يفت المنظمة أن تشير إلى الوضع الاقتصادي المتردّي الذي تعاني منه مناطق النظام، وكذلك "النظام الصحي الذي كان في الأصل على وشك الانهيار منذ ما قبل انتشار الوباء. أما الآن، فإن افتقار الحكومة إلى الشفافية بشأن حجم تفشي كورونا، وتوزيعها غير الكافي لمعدات الحماية الشخصية ونقص الاختبارات يزيد من تعريض العاملين الصحيين والسكان للخطر".

 

 

وتفيد تقارير عديدة، نُشر جزء كبير منها في موقع تلفزيون سوريا، بأن بعض المشافي تغلق أبوابها أمام حالات "كورونا"، كما أن السوريين غير قادرين على تحمل تكاليف اختبار "كورونا"، فضلاً عن الخشية من عواقب الذهاب إلى مرافق الرعاية الصحية التابعة للنظام.

بينما أعلنت منظمة "إغاثة سوريا – Syria Relief"، أن انتشار فيروس كورونا هو "حالة طوارئ"، بسبب تصاعد أعداد الإصابات في جميع أنحاء سوريا.

مناطق سيطرة المعارضة: تابعت منظمة "إغاثة سوريا" في تقريرها لتتحدث عن مناطق شمال وشمال غربي سوريا، فقالت: إن "التكتيك المتعمد المستخدم في سوريا لتدمير المستشفيات وقتل العاملين في المجال الطبي، جعل السوريين عرضة لتأثيرات هذا الوباء، مشيرة إلى أن أكثر من 40 % من مرافق الرعاية الصحية في سوريا تم تدميرها أو إتلافها.

وأضافت أنه خلال الشهور الأخيرة تم استهداف العديد من مستشفيات وعيادات المنظمة، وتسببت العمليات العسكرية في مقتل العديد من طواقم الرعاية الصحية.

وذكرت أن الشمال والشمال الغربي في سوريا يعاني من نقص كبير في البنية التحتية الطبية، وفي جنوب سوريا يُعتقد أن العدد الحقيقي لحالات الإصابة بفيروس "كورونا" أكبر بكثير من الأعداد المعلنة، بسبب الافتقار إلى الشفافية والقدرة على إجراء الاختبارات.

وقال مسؤولون في منظمة "Vision World" إن عدد الحالات المؤكدة في محافظة إدلب وبقية شمال غربي سوريا ازداد بنسبة 1300 % خلال شهر واحد.

خلال الأشهر الستة الأولى من انتشار الفيروس المستجد، بقيت حالات الإصابة المسجّلة -بحسب شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة التابعة لوحدة تنسيق الدعم- في عموم مناطق شمال غربي سوريا، قليلة نسبياً وضمن الحدود الطبيعية، بحيث لم تتجاوز في أقصى حالاتها الـ20 إصابة في اليوم الواحد.

وبعد مضي نحو ستة أشهر على انتشار الفيروس، أصدرت منظمة أطباء بلا حدود تقريراً في أواخر شهر أيلول، أكّدت فيه أن شمال غربي سوريا يشهد ارتفاعًا حادًا في عدد المرضى المصابين بـ فيروس كورونا.

 اقرأ أيضا: أطباء بلا حدود تحذر من ازدياد الإصابات بكورونا شمال غربي سوريا

وقالت المنظمة محذرةً من أن "الإصابات بـ كورونا أعلى بعشر مرات مما كانت عليه قبل شهر واحد فقط، مضيفة أنه اعتبارا من 22 أيلول الجاري، ثبتت إصابة 640 شخصا بالفيروس في المنطقة، 30 في المئة منهم عاملون صحيون".

اقرأ أيضاً: مديرية صحة إدلب: نسبة إشغال غرف العناية المركزة يقترب من الذروة

فجأة، حصل الانفجار الذي كان يُحذّر من وقوعه في مدن وبلدات ومخيمات الشمال السوري، حين قفزت الأعداد المسجّلة للإصابات اليومية، من الحدود الدنيا المذكورة آنفاً لتشمل مئات الحالات، وليرتفع العدد الإجمالي للمصابين من بضع مئات خلال تلك الأشهر إلى نحو 20 ألفاً مع اقتراب نهاية السنة الحالية، بالتزامن طبعاً مع ارتفاع حالات الوفيات.

 

 

 

 

مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" في شرقي الفرات: بينما تقع مسؤولية نشر الإحصاءات (الرسمية) في كل من مناطق النظام على وزارة الصحة في حكومة الأسد، وفي شمال غربي سوريا على عاتق "شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة التابعة لوحدة تنسيق الدعم؛ فإنها تقع على مسؤولية "هيئة الصحة" التابعة لـ الإدارة الذاتية في مناطق سيطرة قسد.

اقرأ أيضاً: 4 وفيات وإصابات جديدة بكورونا شمال شرقي سوريا

وبقيت تلك الـ "هيئة الصحية" مستمرة بإصدار الإحصاءات التي تشابه إلى حدّ كبير إحصاءات حكومة النظام من حيث عدم الكشف عن الأعداد الحقيقية، لتبقى تتراوح ما بين 40- 50 إصابة يومية، بالرغم من التقارير التي تتحدث عن انتشار واسع النطاق داخل مدن وبلدات محافظات الحسكة والرقة ودير الزور الخاضعة لسيطرة قسد.

اقرأ أيضاً: "قسد" تعتقل عدداً من الشبان في الرقة لمخالفتهم حظر التجوال

وتنتهج الإدارة الذاتية أسلوب إصدار قرارات الحظر الجزئي أو الكلّي، الزمانية والمكانية، بصورة شبه شهرية. وذلك بالتزامن مع شنّ قسد لحملات تجنيدٍ قسري أو حملات عسكرية تستهدف معارضيها في أرياف المحافظات الثلاث، ولا سيما بريف دير الزور الشرقي.

اقرأ أيضاً: "الإدارة الذاتية " تفرض حظر تجوال في عين العرب وعين عيسى

والحال، فإن واقع انتشار كورونا وفق الإحصاءات الرسمية المفتقرة للدقة، سواء لانعدام الشفافية أو لتدنّي مستوى الخبرة الطبية اللازمة، في مناطق السيطرة الثلاث، تنذر بارتفاع مستوى الخطر الوبائي.

ثانياً: حال السوريين في تركيا ودول الجوار العربي

بالإضافة إلى التهديد المرَضي، الذي يقلّ نوعاً ما في هذه الدول مقارنة بمناطق الداخل، شكّل انتشار كورونا وما تمخّض عنه من إجراءات احترازية ترتبط غالبيتها بإعلان حالات الحظر؛ أزمةً اقتصادية واضحة على السوريين المقيمين فيها.

ولا يخفى على أحد وضع السوريين الذين يعمل غالبيتهم ضمن مجالات الأعمال الخاصة وغير الحكومية، وبالتالي فإن حالات الحظر المتكررة تسبّبت في خلق حالاتٍ من الفقر والعوز المادي نتيجة توقّف أعمالهم.

اقرأ أيضاً: لا مقاهي ولا مطاعم.. ما حال العمال السوريين في تركيا بهذا القطاع؟

في تركيا مثلاً، وبحسب إحصاءات دائرة الهجرة ووزارة العمل والضمان الاجتماعي، يعمل نحو 86% من السوريين ضمن نظام المياومة والأجور المدفوعة بحسب الدوام، كونهم يعملون إما في المصانع أو المطاعم أو الشركات الخاصة أو في الأراضي الزراعية، وغالبيتهم بدون أذونات عمل أو تسجيل ضمن الوزارة، ما يحرمهم حتى من مبلغ التعويض الضئيل (ألف ليرة تركية) الذي تصرفه الدولة على المتضررين بصورة غير منتظمة.

ولا يختلف الوضع كذلك الأمر في لبنان أو الأردن أو كردستان العراق، بل نجده أكثر سوءاً نظراً لغياب حتى تلك التعويضات.

ثالثاً: كوفيد السوريين في دول أوروبا والغرب

السوريون اللاجئون في أوروبا هم الأفضل حالاً من الناحيتين، الاقتصادية والصحية، فكما هو معروف فإن اللاجئين يحصلون في الأساس -ومنذ ما قبل الجائحة- على تعويضات المسكن والمأكل وبقية مستلزمات الحياة الأخرى من تلك الدول. بل وتم تخصيص مبالغ مالية أخرى لهم، أسوة بالمواطنين، في بعض دول أوروبا وفي كندا على سبيل المثال. ومن الناحية الصحية تبقى دول الغرب الأكثر اهتماماً بهذه المسألة، بالإضافة إلى التعامل الجدّي والصارم بخصوص قرارات الالتزام بالتدابير الوقائية للحدّ من انتشار الجائحة.

اقرأ أيضاً: منظمة الصحة تحذر من موجة كورونا "خطرة" في أوروبا مطلع 2021

بالتالي، فإن انعكاسات كوفيد 2020 لم تكن بتلك الشدة التي تعرض لها أقرانهم من السوريين في المناطق السابقة، خصوصاً أن نسبة الإصابات في صفوف السوريين تبقى متدنية إذا ما قورنت ببقية أبناء الدول اللاجئين فيها أو حتى بالمهاجرين القادمين من دول أخرى غير سوريا.

الطبيب السوري- الألماني "علاء الدين العلي" يؤكّد لموقع تلفزيون سوريا أن نسبة الإصابات ضمن السوريين في أوروبا، وفي بقية دول المهجر أيضاً بما فيها دول الجوار السوري، منخفضة جداً مقارنة ببقية الشعوب، ويقول العلي: "هذه النسبة المنخفضة ملاحَظة بشدّة رغم عدم وجود إحصاءات رسمية أو أرقام دقيقة".

شاهد: كورونا يجتاح أوروبا.. فكيف ينعكس ذلك على اللاجئين السوريين فيها؟

ويشير العلي إلى بعض النقاط، يُرجِّح أن تكون سبباً في تدنّي نسبة الإصابات بين السوريين. أول وأهم تلك الأسباب ترتبط بـ "بروتوكول اللقاحات الاعتيادية التي كان يتم تطعيم السوريين بها قبل تهجيرهم" مشدّداً على أن يكون لـ "لقاح مرض الجدري" دوراً هاماً في تشكيل مناعة العديد من السوريين.

وبحسب العلي فإن هذا اللقاح "لا يوجد لدى كل دول العالم المتقدّمة كونها تجاوزت بالأساس الإصابات بهذا المرض".

ويضيف أن "دولا عديدة من أفريقيا وبعض دول جنوب آسيا، كإندونيسيا وماليزيا وتايلند وفيتنام.. إلخ، يلاحَظ أن الأعداد عندهم نادرة أيضاً، وربما دولهم تتبع نفس بروتوكول اللقاحات السورية أيضاً".

إلا أن العلي لا يستبعد جانباً آخر مهماً، وهو "الجانب الإعلامي الذي ينشط بقوة داخل أوساط الدول المتقدّمة والذي يركّز بشدّة على حالات كوفيد-19 مقارنة ببقية الحالات الطبية الأخرى، وشعوبها تتأثر أيضاً بذلك التركيز، بعكس شعوب منطقتنا واهتمامات حكوماتها".