بين التهجير والعودة

2018.12.14 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

التهجير استراتيجية أساسية ومستقرة لمعالجة المعارضين أو غير المرغوب بهم منذ استلام الأب للسلطة، بل منذ هيمنة اللجنة العسكرية وركوبها على حزب البعث بعد 1964، فقد كانت التوجيهات الأمنية:  تسريب النصائح  لمن لم يوافق على سياستهم، ثم على استلام حافظ الأسد الرئاسة ( ولاسيما إن كان من الرفاق أو المقربين) ومفادها أن الأفضل له أن يغادر البلد، بل كان إغراء بعضهم بمنحة أوبعثة أو إعارة لم تكن واردة له قبلاً، فإن لم تنجح النصيحة أو التوجيه يُضيق عليهم عيشهم، ثم يُهددون بأنواع مختلفة من التهديدات لدرجة الوصول إلى المكان الذي لايعرف " الدّبان الأزرق مكانه"، .. وكانت جملة: "من سيعارضنا سننفيه خارجاً ونُفقده مواطنيته "  مستخدمة تكرارا لدى كثير من أطراف السلطة.

وإذا كان ذلك شائعا قبيل استلام الأسد الأب، فقد تصاعد بعده، ثم توسع في عهد بشار فانتشرت الفكرة لدرجة أن كثيراً من الموالين العاديين صاروا يتحدثون به منذ السنة الأولى للثورة.

فحين سُئلت إحدى المواليات عن إمكانية إنشاء دولة طائفية بحتة أو إثنية بحتة في مجتمع تتداخل فيه الطوائف والإثنيات تداخلاً لا يقبل القسمة أو التفرد، أجابت :الحل هو التهجير...مذبحة بسيطة كفيلة بتحقيق المراد!! لقد أصبحت الفكرة سهلة الشيوع والاستخدام بالرغم من فظاعتها، حتى إن أطرافا أخرى كحزب العمال الكردستاني لجأ إليها عندما هجرعشرات القرى العربية في شرق الفرات وبعضٍ من غربه...كما وُظفت في اتفاق (الزبداني - الفوعة) بالرغم من رفض سكان الجانبين لها.

أجل كان جواب تلك المرأة مفزعاً، ولكنها لم تكن تنطق عن هوىً إنما تردد ما تسمع، وما كانت تسمعه هو سبيل فعال واقعيا ..إما أن توافقوا على طريقتنا في حكم البلد أو تخرجوا منها مختارين أو مجبرين.

تلك الاستراتيجية لاتفسر كثيراًمن حالات التهجير القسري فقط، ولاسيما حالات نهب الأراضي ومصادرة أملاك الناس وسرقتها للاستثمار، وإنما تُفسر أيضاً وبوضوح رفض إعادة المهجرين إلى منازلهم ومدنهم وقراهم .

بعد أن حقق الأسد وداعموه "نصرهم الإلهي" وأعادوا الاستقرار كما يدعون..وذلك ما نطق به " العميد زهر الدين" بدون أي غطاء والذي-كما يُقال- قُتل من أجله ، كونه فضح تلك الفعالية بجلاء.

مما يثير التساؤل هل سيعتمد النظام الأسدي مستقبلاً على مجموعات مستوردة لإحياء الاقتصاد زراعياً وصناعياً، وهل ستستطيع أياد لا علاقة لها بالأرض السورية أن تفهم عليها أو أن تتقبلها تلك الأرض التي اعتادت على ملامسة السوريين لها  صباح مساء؟ !

مما يثير التساؤل هل سيعتمد النظام الأسدي مستقبلاً على مجموعات مستوردة لإحياء الاقتصاد زراعياً وصناعياً؟

لقد أصبح واضحاً دون أي شك موقف النظام الأسدي وأركانه بالرغم من ادعاءات وليد المعلم في الأمم المتحدة وبروبغندا قنواتهم الإعلامية، إنهم يرفضون عودة المهجرين، ألم يُفشلوا وزير المصالحة الوطنية عندما حاول تشكيل لجنة تعمل على إعادة اللاجئين من المخيمات اللبنانية، بالرغم من تنسيقه العودة مع أجهزة الأمن لاستبعاد غير المرغوب بهم؟ هذا عدا عن الاشاعات الدائمة والمقصودة لتهديد من ينوي العودة، بل قد يعتقلون ويعدمون بعض من صدَق إعلامهم وعاد، لا لذنب اقترفه إنما فقط لترعيب من يريد العودة، كما حدث للطبيب "لؤي ثلجة" المشلول والعائد من السعودية على كرسي متحرك، فقد قتلوه بعد سبعة أيام من خطفه واستمروا بابتزاز عائلته مادياً بضعة أشهر حتى بلغوهم بالوفاة!! وهذا  مجرد نموذج ليس إلا.

 لقد حقق النظام الأسدي سورية المفيدة والمتجانسة كما قال!! وتخلص من الملايين التي كانت تعيق ذلك التجانس الذي يريده، ونفَذ المخططات الإيرانية وتوجيهاتها ليضمن – كما أوهمته- السلطة الأبدية، والمجتمع الدولي صامت صمت القبور، قد يختلف الأمر قليلاً أو كثيراً مع السياسة البوتينية التي شاركته سياسته الديموغرافية، عندما عقدت مصالحات كاذبة، أعطَت فيها الأمان للمدنيين،!! لكن- كما يبدو- تحتاج اليوم لموضوعة العودة ، إذ للروس فيها  مصالح متعددة، أهمها: مساومة الأوربيين ودول المخيمات سياسياً وإقتصادياً، وتبريرإعادة الإعمار، واستقرار نفوذهم في القطاع السوري الذي احتلوه، وتشغيل شركاتهم من أموال الداعمين.

فإذا كان التحليل السابق مقارباً للوقائع،  فإن منع العودة هو هدف هام للنظام الأسدي –الإيراني...وعليه فإن عودة المهجرين اليوم هي الهدف الأهم لأي عمل يتوجه للنهوض بسورية الوطن والشعب.

من جهة أخرى، فإن موضوع دفع المهجرين للعودة ليس أمراً بسيطاً، ولا قولاً يُقال، فالمجازفة بدماء السوريين ومآسيهم يحتاج إلى حكمة وتروٍ، ضمن ظروف غير عادية، وإذا كان من عملٍ يُعمل في هذه المسألة فيُفترض فيه :

 أصبح واضحاً دون أي شك موقف النظام الأسدي وأركانه بالرغم من ادعاءات وليد المعلم في الأمم المتحدة وبروبغندا قنواتهم الإعلامية، إنهم يرفضون عودة المهجرين

أولاً- أن يُبرهن من بيدهم السلطة في المناطق المحررة بأن أساليب حكمهم تُحقق  العدالة والنظافة ، والحرص على مصلحة المواطنين والوطن ما يُشجع المهجرين على العودة إليها والإقامة – حتى لو كانت مؤقتة – فيها، وهذا عمل كل من يتبنى أهداف الثورة بصدق ...

ثانياً- شن حملة إعلامية فاعلة لفضح مواقف النظام الأسدي والإيرانيين من مسألة العودة ، وذلك بتوثيق الانتهاكات الإنسانية التي يرتكبونها سواء بقوانين المصادرات وسرقة الممتلكات التي اشترعوها مؤخراً لعرقلة العودة ومنعها عملياً، أوبفضح  حوادث الاعتقالات والابتزاز المادي والأمني اللذين يمارسان على الحدود مع العائدين....

ثالثاً- التنسيق مع أصحاب المصالح الإقليميين والدوليين للعمل على عودة كريمة وآمنة، والإصرار على عدم المساهمة بإعادة الإعمار إلا بعد البدء بتحقيق هذا الهدف.

رابعاً - مساهمة مجموعات المجتمع المدني الجديدة بمساعدة العائدين على أعباء أوضاعهم ،واجتراح السبل الكفيلة بتأمين حاجياتهم الضرورية.

خامساً- إذاكان النظام وداعمه الولي الفقيه قد لعب سابقاً بمسألة الزمن، ونجح إلى حدٍ ما، كما فعل في المماطلة بالحل السياسي لسورية حتى يحقق مع داعميه النصر التام دون أي تنازل إلا تقسيم الوطن واحتلاله ممن هب ودب، فإنه يلعب اللعبة نفسها بقضية العودة، تماماً كما فعل الإسرائيليون مع الفلسطينيين، مراهناً على ذوبان المهجرين بمجتمعات المهاجر ، بخاصة أولئك الذين ولدوا هناك ووجد آباؤهم عملاً يساعدهم على الحياة الكريمة، أو كانوا شباباً في سن الدراسة أو هروباً من الخدمة الإجبارية حتى الموالون منهم، ...الخ ...ولا شك أنه سيستفيد من موقف السيد ترامب من قضية عودة الفلسطينيين عندما قال" بأن من ولد منهم خارج فلسطين التاريخية فَقَد حق العودة" مع أن النظام الأسدي لاتُعوزه التبريرات ....وهذا أحد المخاطر المهمة في غياب راهنية مسألة العودة، ولذا على الثوريين السوريين إحباط تلك الاستراتيجية بالدعوة للعودة الآمنة لكل من يستطيع، ومساعدتهم الإعلامية واللوجستية، واعتبارها من أولويات النضال الثوري اليومية، فالزمن هنا صديق النظام الأسدي في تحقيق أهدافه وعدوالسوريين ...

إن حلَ مشكلة المخيمات الداخلية والخارجية تحتل اليوم الأولوية في سلم النضال من أجل العودة ...وفي انتظار الحل الجذري، لابد من دراسة موضوعية لأحوالها المعيشية، وتوعية المهجرين فيها سياسياً واجتماعياً حتى لايكونوا فريسة الدعوات المتطرفة أو ضحايا المافيات العالمية بما فيها المافيا الأسدية،وتسهيل التعليم لأطفال المخيمات للمحافظة على مستوىً إنساني يضمن لهم العودة الكريمة...ذلك العمل يُفترض أن يقوم به مناضلو المجتمع المدني المتواجدون في المناطق ذاتها بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة أو منظمات إنسانية عالمية...وعلى جمعيات الإغاثة المنتشرة في أوربا وأمريكا الاهتمام الجدي في ذلك وعدم تركها للجهود الفردية....

تلك أفكار يمكن الحوار حولها، لكن لايمكن أبداً تجاهل ما يحدث على الأرض السورية من تشويه لسورية وتاريخها....وتدمير للمواطن والوطن.