بين البحث العلمي والكتابة الإبداعية

2020.02.11 | 18:29 دمشق

salah_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

قبل سنوات خلت اعتدت على قراءة الرواية العربية بكثافة، استمعت بقراءة الكثير من الروائيين العرب المعاصرين، ربما كان إبراهيم الكوني الأكثر تأثيراً وأثراً، لكن ذلك لم يمنعني من الادعاء أن روايات منيف وجبرا إبراهيم جبرا وحنا مينة والكيلاني ومحفوظ وغيرهم كثير بأن لهم أثراً ما على تكويني المعرفي، بعدها اعتزلت قراءة الرواية العربية على الإطلاق، كنت وما زلت أجد صعوبة كبيرة في إكمال الرواية بسبب ضيق الوقت والأهم الشعور الداخلي أن لا شيء جيد سيأتي من قراءتك للرواية، فلا صنعة أدبية فريدة ولا محتوى أو انشغال نفسي أو فلسفي فريد، وصرت أردد ما يقوله العقاد دوماً

كتابة الرواية هنا تضمن لكاتبها ليس فقط الشهرة خلال فترة قصيرة وإنما الاستقلال المادي بل والثراء

عند سؤاله "لماذا تكتب الرواية ؟" كان يجيب "قنطار من خشب ودرهم حلاوة، فالكاتب يجلدك بمئات الصفحات حتى يعطيك الثمرة، وهذا الموقف أعتقد أنه تردد لدى الكثير من الأكاديميين العرب الذين صنعوا بينهم وبين الرواية العربية حاجزاً باعتقادهم أنها عمل أدنى قيمة من العمل البحثي والأكاديمي.

عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة، وصرت أكثر نشاطاً في عالم صناعة الكتب في الولايات المتحدة، الذي يعتبر السوق الأضخم على الإطلاق في الولايات المتحدة، فوجئت بحجم التقدير الكبير الذي يحظى به كتاب الرواية، بوصفهم صاحب كتابة إبداعية مميزة، على حساب الأكاديميين أو أصحاب البحث العلمي، بالطبع لا يمكن المقارنة بين حقلين مختلفين، لكن كتابة الرواية هنا تضمن لكاتبها ليس فقط الشهرة خلال فترة قصيرة وإنما الاستقلال المادي بل والثراء كما جرى مع ستيفن كينغ وجيمس باترسون ومالكوم غلادويل وستاين ودان بروان ونيل غيمان ومارغريت أتوود وغيرهم كثير، جميعهم باع عشرات الملايين من نسخ كتبه الروائية بل إن دان براون ترجمت روايته "شفرة دافنشي" إلى أكثر من 52 لغة مما جعلها الرواية الأكثر مبيعا على الإطلاق في تاريخ الرواية.

طبعا من المستحيل المقارنة هنا مع الرواية العربية، حيث لا قدرة لأي روائي عربي اليوم مهما بلغت مبيعات روايته وجميعها زهيد للغاية، من الاكتفاء بمبيعات كتبه كسبيل للعيش، فالطبقة الوسطى في الولايات المتحدة أكبر وأقوى من حيث القدرة الشرائية ومن الاهتمام بالقراءة كسبيل للتنمية والبزوغ منها في المنطقة العربية، لكن ما وددت التوقف عنده هنا في هذا المقال هو كيف يقيم الإعلام الأميركي العمل الإبداعي على حساب العمل البحثي؟ ولماذا يحظى العمل الإبداعي بتقدير أكبر بكثير.

نشرت الـCNN على موقعها الالكتروني مع نهاية العام الماضي أو بالأصح العقد الفائت نشرت قائمة بعشرة كتب اعتبرت أنها غيرت رؤيتنا للحياة في مواقع كثيرة، لقد اعتبر الكاتبان أن هذه الكتب تعتبر الأكثر تأثيرا في العقد الخالي

الطريف في القائمة أن ثمانية من هذه الكتب العشرة هي كتب روائية وكل هذه الروايات بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة وترجمت لعدة لغات وتحولت جميعها إلى أفلام روائية وبعضها كان مادة لأكثر من عمل فني روائي، فبعض هذه الكتب

نشر الرئيس السابق أوباما الذي يتابعه أكثر من 85 مليون على التويتر نشر لائحة بالكتب التي قرأها العام الفائت وينصح بقراءتها

غير مفهومنا عن الجنس، وكتاب آخر كان جريئاً في تحدي الحركة النسوية في أفكاره، أما كتاب آخر فقد غير نظرتنا عن تاريخ العبودية وطريقة التأريخ للولايات المتحدة، وكتاب آخر فجر ثورة في علم الجينوم البشري، وهكذا تم تقييم الكتب بناء على أثرها البعيد المدى في مدى فهمنا للأشياء.

بعدها بأيام نشر الرئيس السابق أوباما الذي يتابعه أكثر من 85 مليون على التويتر نشر لائحة بالكتب التي قرأها العام الفائت وينصح بقراءتها، طبعا اللائحة جرى تداولها بشكل مخيف على وسائل الإعلام الأميركية فأكثر من 80 بالمئة من الكتب في هذه اللائحة كان عبارة عن كتب روائية وقصصية ولم تتضمن سوى كتابين لسامنثا باور مندوبة أميركا في الأمم المتحدة خلال فترة أوباما وكتاب آخر لسوزان رايس مستشارته للأمن القومي، ما عدا ذلك يصرف الرئيس الأميركي السابق وقته الكامل تقريبا في القراءة وفي قراءة الرواية حصراً.

يمكن أن يحاجج البعض أن قيمة الأفكار في الولايات المتحدة هو أعلى بلا ما لا يقاس عن قيمة الفكرة في الوطن العربي، وهو صحيح بالمطلق، فقدرة الفكرة كي تتحول إلى فعل في أميركا سواء أكانت في السياسة أم في الفن أو الاقتصاد أو عالم ألأزياء وغير ذلك هي أعلى بكثير من قيمة الفكرة على أي فعل في العالم العربي، وبالتالي فالمجتمع الأميركي يحتاج دوماً إلى توليد الجديد من الأفكار وهو ما تمنحه الرواية على عكس الرواية في العالم العربي التي تموت تدريجيا وتصبح قراءتها فقط من مهمة النقاد الذين يعملون عليها.

 
كلمات مفتاحية