مع بداية العام الدراسي الجديد، يجد عبد الكريم نفسه أمام مفترق طرق: إما العودة إلى مدارس الشمال، أو التخلي عن حقوقه والاستقالة، بعد شهور من الترقب لقرار وزارة التربية المنتظر، الذي سيحدد مصير آلاف المعلمين المهجّرين ممن خدموا لسنوات في مدارس ريف حلب الشمالي، ثم عادوا إلى مناطقهم بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي.
وقبل بدء الدوام الإداري في المدارس السورية في 14 أيلول الجاري، أبلغت المجمعات التربوية المعلمين بضرورة الالتحاق بمدارسهم، محذرة من أن المتخلفين سيتم اعتبارهم بحكم المستقيلين. ورغم مطالبة المعلمين بالعودة إلى مدارسهم، لم تُبت بعد قضايا التثبيت أو النقل الخارجي لأبناء المناطق التي تعرضت للتهجير، إضافة إلى انقطاع الرواتب عقب تسليم الإدارة التركية المناطق للحكومة السورية.
معلمات بلا سكن.. والمأوى مسجد
أوضح المعلم، عبد الكريم الشيخ علي، أنه عاد إلى مدينة الرستن بريف حمص الشمالي بعد أكثر من سبع سنوات من التهجير والإقامة في عفرين شمالي حلب، ليبدأ بترميم منزله المدمر وإعادة بناء حياته.
وذكر الشيخ علي لموقع تلفزيون سوريا أنه لم يتوقع أن يضطر للعودة إلى عفرين مجدداً مع زوال أسباب النزوح، إلا أن إجراءات وزارة التربية كانت "صادمة"، حيث تمت دعوته للالتحاق بالمدرسة التي عمل بها هناك.
وأشار إلى صعوبة العثور على سكن في عفرين في الوقت الحالي، خاصة بعد عودة أهاليها، ما اضطره هو وزوجته وعدداً من المعلمات إلى المبيت في مسجد قريب من المدرسة، مضيفاً: "هذا الأمر غير مقبول بالنسبة للمعلمات الإناث، ولا أتوقع أي مسؤول في وزارة التربية أن يقبل به لزوجته أو إحدى بناته".
وأضاف: "طيلة سنوات إقامتي في عفرين قمت بواجبي رغم الصعوبات ومرارة التهجير، واليوم المعلمون الذين كانوا يعملون في مناطق سيطرة النظام المخلوع تم تثبيتهم وإعطاؤهم وكالات، بينما أنا وزملائي لم يُنظر إلى حالتنا حتى الآن"، مطالباً وزارة التربية بتثبيت معلمي ريف حلب الشمالي والعمل على نقل العائدين منهم إلى مناطقهم.
المعلمون المهجّرون.. واجب لا يُقدّر
أفاد المعلم حمزة حوجاك بأن المعلمين المهجّرين أسهموا بشكل أساسي في افتتاح المدارس في مناطق "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، لتأمين استمرارية التعليم رغم ظروف النزوح الصعبة.
وأوضح حوجاك في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن بداية عملهم شملت فتح مدارس في قرى شبه خالية مثل شران بريف عفرين، مع تقديم دورات تقوية للطلاب تطوعياً طوال فصل الصيف، مضيفاً أن المشروع حظي لاحقاً بدعم من وزارة التربية التركية.
وأضاف: "رغم الرغبة في العودة إلى مناطقنا الأصلية بعد سقوط النظام، لم يتخلَّ المعلمون عن واجبهم وبقوا على رأس عملهم حتى انتهاء العام الدراسي الماضي، علماً أن عملنا في السنوات الأولى كان شبه مجاني قبل حصولنا على راتب محدود يبلغ نحو 58 دولاراً".
وأكد أن وعود التثبيت ومنح الأرقام الذاتية لم تتحقق، مع مطالبتهم بالعودة إلى عفرين، ما يفرض عليهم تكرار النزوح بعد أن عادوا إلى منازلهم، مشيراً إلى صعوبة السكن في عفرين، خصوصاً للمتزوجين وأصحاب العائلات، حيث يضطر البعض للعيش في المدارس أو المساجد مؤقتاً، في حين تواجه المعلمات الإناث تحديات أكبر بسبب نقص المساكن الملائمة.
وأوضح حوجاك أن معظم المعلمين المهجّرين كانوا طلاب جامعيين انقطعوا عن الدراسة وانضموا إلى الفصائل المقاتلة خلال الثورة، ثم اختاروا التعليم لسد الثغرات، معرباً عن شعورهم بالظلم الكبير نتيجة تهميشهم وغياب حقوقهم بعد سقوط النظام.
وبيّن أن نسبة المعلمين المهجّرين في مدارس عفرين تصل إلى نحو 50%، مع اختلاف النسب بين المدارس، مثل مدرسة شران التي تضم 13 مدرساً مهجّراً مقابل خمسة معلمين محليين فقط.
ملف المعلمين المهجّرين
شهدت مدن وبلدات ريف حلب الشمالي خلال الأسابيع الماضية وقفات احتجاجية للمعلمين للمطالبة بتثبيتهم وصرف رواتبهم ومعاملتهم كباقي المعلمين في المحافظات الأخرى، ما دفع وزارة التربية إلى صرف راتب واحد وإطلاق وعود بحل الملف.
وحاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع الوزارة للتعليق حول تثبيت المعلمين ومطالبتهم بالعودة، من دون تلقي أي رد، فيما ذكر مدير التربية والتعليم في حلب، أنس قاسم، بتاريخ 7 أيلول، أن العمل جارٍ على فرز أضابير المعلمين تمهيداً لرفعها إلى الوزارة، على أن يُنجز ذلك بنهاية الشهر الحالي لتثبيتهم وفق الأصول، مؤكداً أن "معلمي العقود سيُرفع بشأنهم مقترح يتضمن الحاجة الفعلية لتثبيتهم مع بداية العام الدراسي الجديد".
وبعد سقوط نظام الأسد، وجد نحو 18 ألف معلم في مناطق اعزاز وصوران وعفرين والباب وجرابلس وأخترين ومارع أنفسهم أمام مستقبل غامض، مع انقطاع الرواتب التي كانت تقدمها المجالس المحلية.
ويشير المعلمون إلى أنهم يواجهون الإقصاء والتهميش، وعدم وجود إجابات واضحة من وزارة التربية حول الاعتراف بسنوات خدمتهم أم طي الملف من دون حقوقهم.
وكانت الوزارة قد طلبت تجهيز ملفات الكوادر، وفتح حسابات "شام كاش" لتحويل الرواتب، إلا أن هذه الخطوات لم تُنفذ، وظل المعلمون بلا راتب أو تثبيت، باستثناء منحة عيد الأضحى وراتب تم صرفه عقب الاحتجاجات مطلع الشهر الجاري.
يُشار إلى أن مدير المجمع التربوي في أخترين، أحمد زينو، أكد في حديث سابق لتلفزيون سوريا أن اجتماعات عدة عُقدت مع وزير التربية ومحافظ حلب لمناقشة أوضاع المعلمين، وخرجت ببوادر حلول عملية، حيث قُطعت وعود جدية بتثبيت المعلمين الذين درّسوا على أساس الشهادة الثانوية أو معهد متوسط، ومنحهم كامل حقوقهم بعد التحقق من صحة شهاداتهم وعدد أيام التدريس.
