icon
التغطية الحية

بين الأب والأبن.. 50 عاما منذ تسلم عائلة الأسد حكم سوريا

2020.11.12 | 14:12 دمشق

1000_1.jpeg
AP - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني عام 1970 قام ضابط شاب في القوات الجوية أتى من المرتفعات الساحلية في سوريا بانقلاب دموي، وكان ذلك الانقلاب هو الأخير ضمن سلسلة الانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلاد منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1946، إلا أنه لم يكن هنالك أي سبب يجعله الأخير من نوعه.

إلا أنه بعد مرور خمسين عاما على ذلك الانقلاب، ما تزال عائلة حافظ الأسد تحكم سوريا حتى اليوم.

فقد تحولت البلاد إلى أثر بعد عين عقب حرب قتل فيها نصف مليون شخص، وهجر نصف السكان ودُمّر الاقتصاد، وخرجت مناطق كاملة عن سيطرة النظام، إلا أن ابن حافظ، بشار الأسد ما يزال متمسكاً بما تبقى من البلاد دون أن ينازعه أحد على ذلك.

ويختلف حكم بشار الذي أمضى نصفه في الحرب عن حكم أبيه بنواح عدة، إذ اعتمد بشار على الحلفاء مثل إيران وروسيا بدلاً من أن يعبر عن انتمائه لفكرة القومية العربية، فضلاً عن اعتماده على المحسوبية التي نهبت البلاد بدلاً من انتهاجه نهجاً اشتراكياً. إلا أن أدواته لم تختلف عن أدوات أبيه البتة، إذ كان على رأسها القمع ورفض الصلح وإراقة الدماء بشكل وحشي.

وتماماً كما فعلت عائلة كاسترو في كوبا وسلالة كيم في كوريا الشمالية، ارتبط اسم عائلة الأسد بالبلاد كما فعل بعض الحكام من غير الملوك ببلادهم.

800.jpeg

 

ولم يتضح إذا كانت حكومة الأسد تعتزم أن تحتفل بحجر الأساس الذي نصب قبل خمسين عاماً في هذه السنة، ففي الوقت الذي أحيطت فيه هذه الذكرى بضجة كبيرة خلال السنوات الماضية، بهت الاحتفال بها وخفتت أصوات ضجيجه خلال سنوات الحرب.

وحول ذلك يحدثنا نيل كويليام وهو عضو في برنامج دار تشيذم حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيقول: "لا شك أن سنوات حكم عائلة الأسد الخمسين كانت قاسية ومتوحشة وانهزامية، فقد حولت البلد إلى بلد محطم وفاشل ومنسي إلى حد كبير".

إذ بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، عمد إلى دعم سلطته وتمتينها، فأتى بشخصيات من طائفته العلوية في سوريا لتحتل مناصب رفيعة في الدولة، ثم أسس دولة بوليسية تعتمد على الحزب الواحد تبعاً للطراز السوفييتي.

وهكذا أصبحت سلطته مطلقة، وأصبحت عناصر مخابراته موجودة في كل مكان.

بيد أنه حول سوريا إلى مركز قوة في الشرق الأوسط، فحظي باحترام العالم العربي من جراء موقفه الثابت بالنسبة لمرتفعات الجولان، تلك المنطقة الاستراتيجية التي ضمتها إسرائيل في حرب 1967. ثم دخل في محادثات سلام بوساطة أميركية فأبدى شيئاً من اللين في بعض الأحيان فقط ليصيب الأميركيين بالإحباط وخيبة الأمل من جراء تراجعه والمطالبة بمزيد من الأراضي.

وفي عام 1981، خلال الحرب العراقية-الإيرانية، انحاز الأسد إلى جانب إيران ضد العالم العربي بكامله الذي كان يدعم صدام حسين، فأسس تحالفاً أنقذ ابنه فيما بعد. كما دعم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت بعد غزو صدام لها في عام 1990، فحصد بذلك ثقة الأميركيين، إذ وصفه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي التقاه مرات عدة في مذكراته التي تحمل عنوان: (حياتي)، وذلك عندما قال: "كان رجلاً قاسياً لكنه متميز فقد مسح مدينة كاملة عن الوجود ليلقن معارضيه درساً".

وهنا يشير كلينتون إلى مجزرة حماة التي وقعت في عام 1982، حيث قتلت قوات الأمن الآلاف لسحق انتفاضة الإخوان المسلمين.

وقد خلّفت تلك المجزرة -التي تعتبر الأسوأ في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط- ضغينة وحقداً أذكى نار انتفاضة أخرى قامت ضد ابنه فيما بعد.

وهنا يحدثنا سام داغر مؤلف كتاب: (الأسد أو نحرق البلد: كيف دمرت شهوة السلطة لدى عائلة واحدة سوريا) فيقول: "إن العنصر الأساسي الذي اعتمد عليه نظام الأسد لبقائه هو عدم القبول بتسوية على الصعيد الداخلي، واستغلال التقلبات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي والعالمي، وانتظار الأعداء حتى يخرجوا من اللعبة".

1000_1.jpeg

 

تحديات وفرص

لقد اقتبس بشار الأسد كثيراً من كتاب فن الحكم بعد وفاة والده في عام 2000. لكنه بخلاف والده أضاع الكثير من الفرص وشذ عن الطريق برأي منتقديه.

ففي بداية حكمه حظي بترحيب كبير لكونه أعلن عن التزامه بمسار الإصلاح والتحديث، بما أنه طبيب عيون تدرب في بريطانيا، إذ ادعى السير على درب الانفتاح في بلاده عندما سمح بقيام مناظرات سياسية. لكنه سرعان ما ضيق الخناق على شعبه، بعدما واجه تحديات بسبب التغيرات السريعة التي غزت العالم، وبدأت مع هجمات 11 سبتمبر على أميركا.

وهنا نجده يعارض الغزو الأميركي للعراق، بما أن القلق قد ساوره من أن يكون هو التالي في تلك السلسلة. ولهذا سمح للمقاتلين الأجانب بدخول العراق من أراضيه، ما غذى حالة التمرد ضد الاحتلال الأميركي فأثار بالتالي حنق الأميركيين وغيظهم.

ثم أجبر على إنهاء هيمنة سوريا التي طالت على لبنان بعدما اتهمت دمشق باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، غير أنه احتفظ بعلاقات متينة مع حزب الله اللبناني.

وتماماً كما فعل والده، عمد إلى ترقية أفراد من عائلته ليغلف بذلك سلطته، فنشأ جيل جديد شاب أكثر حداثة، لكنه كان أكثر جشعاً وطمعاً في جمع الثروة بنظر كثير من السوريين.

1000_1.jpeg

 

الثورة السورية

ثم أتى التحدي الأكبر لعائلة الأسد من خلال انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة فوصلت إلى سوريا في آذار من عام 2011.

فتمثل رد فعل بشار تجاه المظاهرات التي كانت سلمية في البداية بإطلاق يد قوات الأمن لتقوم بقمع المتظاهرين، ما أدى إلى توسع المظاهرات وازديادها بدلاً من إخمادها، ثم تحولها فيما بعد إلى ثورة مسلحة وقفت كل من تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج بجانبها، وهكذا تشتت جيشه، ومع اقترابه من الانهيار، فتح الأسد بلاده أمام الجيشين الروسي والإيراني ووكلائهما، فدمروا المدن على بكرة أبيها، واتهم هو باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه وقتل آلاف المعارضين وسجنهم بالجملة، ما أدى إلى هرب الملايين منهم إلى أوروبا وسواها.

وبذلك تحول إلى شخص منبوذ بالنسبة لمعظم دول العالم، إلا أن الأسد عمد ببراعة إلى تصوير الحرب على أنها خيار بين بقاء حكمه وبين تسلم المتطرفين الإسلاميين مقاليد السلطة، وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية، فأقنع الكثير من السوريين والدول الأوروبية بأنه أهون الشرين.

وفي نهاية الأمر، تمكن من القضاء على الخطر العسكري الذي يهدده، وبات على يقين من أنه سيفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام المقبل في شبه دولة ممزقة اسمها سوريا.

ومع ذلك يرى داغر بأن الحرب غيرت السوريين دونما رجعة، إلا أن الانهيار الاقتصادي وتزايد المصاعب قد تغير كل تلك الحسابات، إذ يقول: "لقد استفاق جيل كامل من أبناء الشعب ولا بد أن يجد طريقه في نهاية المطاف وأن يستعيد البلاد ويرسم مستقبلها".

ومع ظهور نتائج الانتخابات الأميركية التي فاز بها جو بايدن، علق الكثير من المعارضين السوريين على ذلك ساخرين وقالوا: بقي حكم الأسد ورحل تسعة رؤساء أميركيين منذ أيام ريتشارد نيكسون.

إذ يقول زاهر سحلول وهو طبيب أميركي من أصول سورية يعيش في شيكاغو منذ أن غادر سوريا عام 1989: "طيلة حياتي هناك، كان على أبناء جلدتي من السوريين أن يصوتوا أربع مرات في الانتخابات لصالح رئيس واحد، ألا وهو حافظ الأسد الذي ما يزال ابنه رئيساً للبلاد. ولكن بعدما هاجرت إلى الولايات المتحدة قمت بالتصويت لستة رؤساء مختلفين، لذلك أتمنى أن تشهد بلادي انتخابات حرة يوماً ما".

بيد أن تركة حافظ الأسد قد تكون مختلفة تمام الاختلاف لو لم يرسم لعبة خلافة ابنه له بحسب رأي كويليام، الذي يقول: " أعلم أن ذلك لن يعجب أحد، ولكن تركة بشار ستفوق تركة أبيه، وستصبح مرادفاً للتوحش وللتدمير المتعمد لدولة عظيمة ولممارسة التوحش ضد شعب جميل".

1000_1.jpeg

المصدر: AP