icon
التغطية الحية

"بيروت 303".. حين يصدّر الشمال السوري (الإرهاب) إلى الدراما المشتركة!

2022.07.18 | 18:22 دمشق

بيروت 303
من المسلسل (يوتيوب)
+A
حجم الخط
-A

انتقادات كثيرة طالت الدراما السورية– اللبنانية المشتركة منذ أن اجتاحت موجتها الشاشات العربية وتمكنت من السيطرة على الذائقة العامة؛ فلم ترق للنقاد العرب آلية صناعة هذه الدراما في البداية، عندما كانت تعتمد بشكل كامل على استنساخ حكاياتها من المسلسلات والأفلام الأجنبية وإعادة صياغتها في فضاءات درامية غريبة عن الواقع.

مع مرور الوقت، أدت هذه الانتقادات إلى ظهور محاولات جديدة في الدراما المشتركة مختلفة كلياً، تبني حكاياتها الأصيلة ضمن سياقات تقترب بخجل من الواقع، دون أن تفقد سمتها الأساسية التي تتجلى بالحياد السياسي، الذي كان شرطاً أساسياً لوجود هذه الدراما وتكريسها، بالتزامن مع ثورات الربيع العربي.  

وفي كل مرة كانت تحاول الدراما السورية– اللبنانية المشتركة أن تناقش القضايا الراهنة في كلا البلدين، كانت تعلق في دوامة المعادلات الدرامية المعقدة، التي تحاول إيجاد مساحة لمناقشة القضايا الراهنة دون التورّط بالانحياز السياسي؛ فأضيفت مدينة جديدة على الشريط الحدودي بين البلدين في مسلسل "الهيبة"، وانسلخت الحكايات الهامشية في مسلسل "للموت" عن السياق الرئيسي لتبحر عميقاً في الواقع، وفشلت الكثير من المسلسلات بالمقابل من خلق أي هامش واقعي دون اللجوء للحوارات المباشرة التي أضيفت للإيحاء بأن المسلسل أكثر عمقاً مما يبدو. لكن النقاشات كانت تقف دائماً عند عتبة الحياد السياسي، ليبدو لبنان في كل المسلسلات وكأنه دولة لا تحكمها الانقسامات الطائفية، وتبدو سوريا كدولة متماسكة وتحافظ حكومتها على سيادة كل أراضيها. هذه الصور لا يتم تمزيقها في مسلسل شركة "الصباح" الجديد "بيروت 303"، الذي كتبه سيف رضا حامد وأخرجه إيلي سمعان، رغم أن المسلسل يحاول أن يعيد تشكيل صور عن الحراكات الشعبية الثائرة في لبنان.

يتم بناء الفضاء الدرامي الذي يحتوي مسلسل "بيروت 303" بالاستناد إلى الفضاء الدرامي الهجين الذي تشكّل مع المسلسلات المشتركة المستندة للحكايات الأجنبية، التي تتداخل فيها اللهجتان السورية واللبنانية بصورة غير منطقية، ويتم تطعيم هذا الفضاء الدرامي الذي صار مألوفاً ببعض مكونات الواقع السياسي في المنطقة. ومن خلال ما يتم اختياره من الواقع وما يتم تهميشه تتكشف الأجندة السياسية التي تنطوي عليها هذه الدراما.

إن أبرز التغييرات التي طرأت على الفضاء الدرامي الهجين في "بيروت 303"، هي الإشارة إلى انقسام سوريا، وإلى وجود مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري في الشمال؛ لكن ذلك لا يأتي في سياق محايد إطلاقاً، وإنما يتم الإشارة إلى المكان على أنه بؤرة للإرهاب؛ حيث يتم تعزيز الشكوك حول هوية المتهم باختطاف طائرة وإرهاب ركابها، من خلال الاستناد إلى سجل تحركات الشخصية، التي زارت الشمال السوري، وبالتالي فهي على صلة بالإرهاب! ليعكس هذا التفصيل جزءاً من الأجندة السياسية التي تبدو متوافقة تماماً مع بروباغندا النظام السوري، والتي تبدو من ناحية أخرى مهادنة ومتواطئة مع كل القوى والتكتلات السياسية المهيمنة في لبنان، من خلال تمييع مشاهد الثورة وحادثة انفجار بيروت، واستخدام شعارات شبيهة في سياق درامي سخيف لا يليق بما حدث في الواقع مطلقاً.

طريقة التعاطي مع الواقع والاجتزاء منه بهذا الشكل تجعل "بيروت 303" واحداً من أسوأ التجارب التي قدمتها الدراما المشتركة على المستوى الأخلاقي. كذلك هو واحد من أسوأ هذه الأعمال على المستوى الفني، ولاسيما أن هذا النمط من المسلسلات بدأ يتطور ويرتقي إلى مستويات أعلى في الأعوام الأخيرة. وتتركز المشكلات الفنية في "بيروت 303" حول الطريقة التي رسمت بها الشخصيات الرئيسية، والكيفية التي رسمت بها خريطة العلاقات بين الشخصيات؛ فلا نعرف ما هو الأسوأ بالتحديد، هل هي شخصية عابد فهد (عزيز)، الذي اكتسب شهرته من خلال تركيب العطور ولاحقته الأضواء وكأنه نجم روك؟ أم أن الأسوأ هي الطريقة التي يتم بها بناء العلاقة بين شخصيتي سلافة معمار ومعتصم النهار (تاج وطيف)، التي تتحول بسرعة البرق من تهديدات وتوعدات بالانتقام والقتل إلى حالة من التعاطف والتحالف غالباً ستتوج بعلاقة حب؟ فعلياً كل ما يحدث في المسلسل غير منطقي، حتى ولو تم تجريده عن الواقع تماماً ورسم له فضاء درامي محايد.

ويزيد من رداءة المسلسل التمثيل الرديء لمعظم نجوم العمل، فعابد فهد يؤدي الشخصية ببرود شديد، يجعل كل مشاهده تمر بإيقاع بطيء يؤدي إلى ملل شديد، وسلافة معمار التي يبدو أنها تظن بأن التمثيل يصبح أفضل كلما ارتفعت حدة صرخاتها الخالية من الإحساس. وفعلياً إن أسوأ المشاهد هي التي يلتقي بها الاثنان معاً، إلى جانب جيانا عيد، التي تبدو كأيقونة للرداءة الفنية بدورها.