icon
التغطية الحية

بيان علماء حمص كُتب في بيته.. من هو الشيخ عدنان السقا؟

2021.01.10 | 12:21 دمشق

ers-aszxeaa9tn_.jpeg
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

فقدٌ كبير أصاب سوريا عموما ومحافظة حمص خصوصا بوفاة الشيخ والداعية عدنان السقا الذي توفي أمس السبت في أحد مشافي إسطنبول التركيّة إثر إصابته بمرض كورونا قبل أيام، وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي السوريّة بنعي الشيخ السقا المعروف بلطفه وطيب مجلسه وكلامه اللين ودمعته الدائمة الانسكاب واهتمامه بقضايا بلده والحديث عنها.

لم يكن الشيخ عدنان ليرضى بأن يكون في صف بشار الأسد ونظامه منذ البدايات بل اختار الوقوف مع ثورة الشعب السوري المنتفض لنيل حريته وكرامته، وهو الأمر الذي اضطره للخروج من بلده خوفا من بطش النظام ومخابراته، ولم تكن هي المرة الأولى، حيث خرج الشيخ من سوريا في ثمانينيات القرن الماضي هربًا من نظام حافظ الأسد قبل أن يعود إلى سوريا مرة أخرى.

عرف الداعية السقا طريق الحق في الثورة السورية فسار معه ودعا إليه حيث يقول في إحدى خطبه خارج سوريا عام 2012 "إن ما يحدث اليوم ليس بحاجة إلى شرح وليس بحاجة إلى عبارات، فإن كل قطرة دم تهراق هناك على الثرى الطاهر لهي أصدق من كل التعبيرات وهي أثبت في ميزان الحق من كل العبارات والأدبيات، فالذي يحدث لا يحتاج إلى شرح وملخصه صراع بين حق وباطل، بين حق يستند إلى الله والله هو الحق".

الهجرة الأولى

وُلِدَ الشيخ عدنان السقا في حمص عام 1942م، ودرس في مدارسها قبل أن يدخل كلية الشريعة بجامعة دمشق وتخرج فيها عام 1966، وفي عام 1995 حصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة بنجاب في باكستان. إضافة إلى تحصيله الشرعي الأكاديمي، تتلمذ السقا على يد مشايخ عدّة ولعل من أبرزهم، مفتي حمص محمد طيب الأتاسي، ومحمود جنيد وعبد العزيز عيون السود والشيخ علي الطنطاوي.

درّس السقا في الثانويات العامة والشرعية في سوريا وغيرها، وكان خطيبا ومدرّسا وإماما في مسجد الهدى بمدينة جدة لمدة عشرين عاماً، كما كان خطيبا وإماما لجامع قباء بحمص، وفي جامع النوري الكبير بنفس المدينة، وعمل أستاذا لمادة الدعوة في معهد الفتح الإسلامي بدمشق، كما كان السقا عضوا لمجلس الإدارة في جمعية علماء حمص.

في حديثه لتلفزيون سوريا يقول محمود الدالاتي أحد علماء حمص وأحد الملازمين للشيخ السقا، "الشيخ عدنان كان من زمن الثمانينيات يخطب خطبا يحارب فيها الظلم ويتكلم بأمور العامة، ولم يكن مؤيدا للنظام ولم يكن يدعو لحافظ الأسد، ولم يكن له دور بالفعاليات التي يقيمها المشايخ الرسميون من مسيرات أو وجود في المناسبات الرسمية للنظام، فكان مغضوبا عليه من النظام حينئذ".

وعن شعبية الشيخ السقا يتحدث الدالاتي: "كانت له شعبية كبيرة وكان النظام دائما ما يحاول ابتزاز الشيخ ولكن السقا بقي على مواقفه، وفي فترة الثمانينيات طلب منه تأييد النظام والدولة لكنه لم يرض فزادت عليه الضغوط الأمنية والتشديد والتضييق والتحقيقات المستمرة، فخرج الشيخ إلى السعودية لحماية تلاميذه وطلابه، إذ إن النظام كان يعتقل طلابه للضغط عليه، رجع الشيخ عام 1995 إلى سوريا وظل يتردد إلى السعودية بين فينة وأخرى".

 بيان علماء حمص

عندما بدأت الثورات العربية في مصر وتونس، قام الشيخ السقا بجمع الشيخ محمود الدالاتي والشيخ سهل جنيد والشيخ أنس سويد في بيته واتفقوا على إجراء جولات على الفروع الأمنية تتضمن "مناصحات ومطالبات بحقوق الناس" وفقًا لما يقول الشيخ الدالاتي: "نقول لهم إنكم ترون ماذا يجري في البلدان الأخرى وترون سوء الأوضاع، وشعبنا ليس بمعزل وهناك احتقان في الأوساط الشعبية ويوجد الكثير من المظالم التي يجب النظر بها، منها الاعتقالات في صفوف الشباب وفصل المنقبات من المدارس".

يضيف الدالاتي: "ذهبنا إلى الفروع الأمنية، الأمن العسكري والأمن السياسي وأمن الدولة وقوبلت مطالبنا بكثير من الكبر والاستعلاء وأصبحوا يقولون لنا لسنا كباقي الشعوب والدول، وشعبنا شعب مقاوم ونحن بلد ممانع، ورفضوا مطالبنا".

عندما بدأت الثورة في سوريا كان منزل الشيخ عدنان السقا عبارة عن مقر للاجتماعات التي تضم المشايخ وطلاب العلم الذين يحاولون أخذ موقف مما يحدث، وبحسب الشيخ الدالاتي فقد كان السقا يقول "هذا الوضع لا يمكن السكوت عنه نحن يجب أن نصدر بيان علماء"، فكتب الشيخ البيان في بيته، وبعدها بدأ الدعاة بالتوقيع عليه وكان أول بيان علمائي في سوريا بما يخص الثورة.

حاول النظام عبر أذرعه الدينية إثناء علماء حمص وبالأخص الشيخ عدنان عن إصدار البيان لكنه لم يستطع، وهنا يقول الدالاتي "طبعنا البيان في ساعات متأخرة من الليل خوفا من بطش النظام، وتم توزيع البيان بعد صلاة الفجر حتى يذيعه المشايخ على المنابر في خطبة الجمعة، ولكن النظام أرسل إلى المشايخ تحذيرات تدعوهم لعدم إذاعة البيان على المنابر، ومع ذلك تمت قراءته في الخطب مما أثار غضب النظام".

المواطنة أساس الحقوق والواجبات

ويضم البيان الذي صدر في بيت الشيخ السقا في أبريل \ نيسان عام 2011، 15 بندًا، منها اعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص كما طالب البيان بتوسعة سقف حريات المواطنين بما يضمن لهم ممارسة الشعائر الدينية والعقائد في كل مكان، وفتح الآفاق أمام الإعلام الحر والشفاف والمنضبط بإطار القيم والإفراج عن جميع المعتقلين إضافةً إلى السماح للمبعدين بالعودة إلى الوطن دون الرجوع للجهات الأمنية، ومحاسبة المتسببين الذين ساهموا في إراقة دماء الناس.

خرج الشيخ عدنان إلى السعودية لتجديد معاملة إقامته فيها، وفي هذا الوقت كانت المظاهرات قد بلغت أوجها في سوريا، ومع وجود السقا في السعودية كان النظام قد حمّله مسؤولية ما يحدث بالنسبة لبيانات المشايخ والتجييش ضد النظام وأن بيته كان مقرًا لهذه الأمور، وتم تعميم اسمه على المنافذ الحدودية كاملة.

بحسب الدالاتي فقد كان رؤساء الفروع الأمنية يشتمون الشيخ كثيرا ويعتبرونه "شيخا من شيوخ الفتنة"، ومنذ ذلك الحين لم يعد الشيخ إلى سوريا وأصبح مهجرًا.

المجلس الإسلامي السوري

كان الشيخ عدنان السقا أحد مؤسسي المجلس الإسلامي السوري في تركيا، وهو المجلس الذي يضم الدعاة والمشايخ السوريين المناهضين لحكم نظام بشار الأسد، وفي تعريف المجلس فهو "هيئة مرجعية شرعية وسطية سورية، تسعى إلى جمع كلمة العلماء والدعاة وممثلي الكيانات الشرعية، وتوجيه الشعب السوري، وإيجاد الحلول الشرعية لمشكلاته وقضاياه، والحفاظ على هويته ومسار ثورته"، وفي السياق أصدر المجلس الإسلامي بيانا نعى فيه الشيخ عدنان السقا معزيا أهله ومحبيه.

إلى ذلك نعى الشيخ سارية الرفاعي عضو رابطة علماء الشام الشيخ السقا، قائلا: "أنعى اليكم وفاة العالم الجليل صاحب الوجه الأنور والقلب الأصفى والكلمةِ الجريئة في الحق الشيخ عدنان السقا"، وقد كان الشيخ السقا أحد الأشخاص الذين أحيوا فكرة رابطة علماء الشام، حيث قامَتْ الرابطة في دمشق في النصف الأول من القرن العشرين، وجمعت علماء الشام في حينها. وفي تاريخ أغسطس \ آب من ٢٠١٢ أعيد إحياء تلك الرابطة وإشهارها.

كان السقا حريصا على استجلاب الدعم للمخيمات والثوار والكتائب العسكرية، وكان يجري لقاءات متواصلة مع بعض القيادات العسكرية الثورية التي كانت تزور إسطنبول، وكان يحاول ساعيا في توحيد الكلمة وجمع الأمر وحل الخلافات بين القوى الثورية المختلفة.

رحل الشيخ السقا عن 79 عاما قضاها في الدعوة إلى الله والكفاح ضد الظلم وأهله ولم يركن كما ركن الكثيرون في حضن النظام، فلم تثنه التهديدات عن خدمة وطنه وأبناء بلده، وكما قال الشيخ السقا حينما رثى الشهيد عبد الباسط الساروت "العظمة تفرض نفسها، والحق هو الحق" وتصلح هذه المقولة في رثاء قائلها.