icon
التغطية الحية

بوتين بين تهمة "القاتل" والدفاع عن "لصوص المساعدات"

2021.06.17 | 15:51 دمشق

210611-vladimir-putin-interview-ac-935p.jpg
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - (NBC)
+A
حجم الخط
-A

متسلحاً بضحكات غير متناسبة مع طبيعة الحوار والأسئلة، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلته الأخيرة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية تقديم صورة زعيم دولي واثق من نفسه كقطب مقابل لأميركا، كما قدمه الإعلام الروسي الذي غطى هذه المقابلة باحتفاء غير مسبوق، وكانت ضحكات بوتين عند سؤاله، لمرتين، عن صفة "قاتل"، التي أطلقها عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، هي الأكثر غرابة، ولعلها أظهرت عكس ما أراد صاحبها.

وأصر بوتين في المقابلة على الادعاء الروسي بأن المساعدات الإنسانية يجب أن تمر عبر نظام الأسد، والإصرار على إغلاق معبر باب الهوى، المعبر الوحيد حالياً المتاح لمرور المساعدات الأممية لمناطق الشمال السوري، وكرر بشكل شبه حرفي ما أطلقه المسؤولون الروس في الفترة الماضية من تبريرات لإغلاق المعبر، وحين حاول الإتيان بجديد فضح دون قصد على ما يبدو أكثر جملة سمعها في الفترة الماضية (النظام السوري يسرق المساعدات فكيف نثق به؟).

نهب المساعدات

قبيل نهاية المقابلة جاء سؤال المذيع "كير سيمونز" عن معبر باب الهوى: "أنت تهدد بإغلاق ذلك المعبر في يوليو (تموز) بمجلس الأمن، لماذا تفعل ذلك مع العلم أنه سيسبب موت اللاجئين؟"، فجاء رد بوتين بأن الغرب، أميركا وأوروبا، لا يريدان أن توزّع المساعدات عن طريق النظام لأنهم لا يريدون مساعدة الأسد، ويتابع: "ما علاقة الأسد بها؟ ساعد الناس الذين يحتاجون إلى تلك المساعدة".

وأضاف أن تقديم المساعدات يجب أن يتم عن طريق نظام الأسد، وأنه لا يعتقد أن أي شخص في النظام "مهتم بسرقة جزء من هذه المساعدة الإنسانية".

وذكر أنه يمكن تسليم عملية الإشراف على توزيع المساعدات للصليب الأحمر والهلال الأحمر، بسبب الخوف من نهب المساعدات على يد نظام الأسد.

واستطراد بوتين في الإجابة والرد على تهمة سرقة المساعدات جاءت من دون سؤال أو حتى تلميح من المحاور، ولذلك، على ما يبدو، سرعان ما استدرك بوتين ليعود إلى السردية الروسية عن ضرورة استقرار سوريا ودعم النظام وأن وجود المعابر في المناطق الخارجة عن سيطرته تعتبر انتهاكا للسيادة.

تثبيت التهمة

في الفترة الأخيرة أصدرت كثير من المنظمات الحقوقية تقارير تشير إلى حجم الكارثة الإنسانية التي ستصيب السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بحال إغلاق معبر باب الهوى، وعبرت عن عدم ثقة بنظام الأسد وبروسيا نفسها في توزيع المساعدات، معتمدة على تجارب مريرة مع النظام على مدى السنوات العشر الماضية، من حصار ومنع وصول المساعدات بل واستهداف قوافل المساعدات، لكن بوتين تجاهل كل تلك التقارير واكتفى بقضية نهب المساعدات، التي لم يذكرها أحد بشكل واضح، وهب مدافعاً عن النظام ليثبت عليه التهمة من حيث أراد الدفاع عنه.

من المعروف أن المنظمات الإنسانية امتنعت بشكل دائم عن الحديث عن ممارسات النظام وتحكمه في أعمالها، خوفاً من منعها من العمل في المناطق الخاضعة له، وفلسفتها بسيطة بأن الغاية إيصال ما يمكن إيصاله، وربما كانت منظمة "ميرسي كوربز/ فوج الرحمة" من المنظمات القليلة التي خرجت للعلن بحقيقة أفعال النظام حين أعلنت في حزيران 2013 إغلاق مكاتبها في دمشق ووقف نشاطاتها الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، وقالت المنظمة، التي كانت توزع المساعدات على النازحين السوريين في تلك المناطق، إن النظام طالبها بإغلاق مكاتبها في دمشق لأنها رفضت وقف نشاطاتها في المناطق الخارجة عن سيطرته، حيث كانت ميرسي كوربز توزع المساعدات على 1.7 مليون سوري بالشمال كما قالت وقتها.

وبالنسبة للسرقة، خرجت التهمة بشكل رسمي للمرة الأولى من جون كيري، وزير الخارجية الأميركي السابق، الذي طلب في مؤتمر صحفي عام 2016 بشكل صريح ومباشر من بشار الأسد بالتوقف عن سرقة المساعدات الأممية، وطالب وقتها روسيا وإيران العمل على منع "عملائها" من إعاقة قوافل المساعدات.

القاتل

قالت الصحفية "جوليا دافيس"، المختصة بالشأن الروسي لا سيما الإعلام الروسي، في تغريدة بحسابها على تويتر: "في المقابلة التي أجراها بوتين مع شبكة إن بي سي، سئل في المرتين عما إذا كان قاتلاً، ضحك بنفس الطريقة التي تم تدريبه عليها وأثار قضية الشيشان".

وكان بوتين حاول الهرب من سؤال المذيع عما إذا كان يعتبر نفسه قاتلاً بالحديث عن التهم التي تطلق عليه عادة وثقافة هوليود ومع مطالبة المذيع بإجابة واضحة هرب بوتين إلى حربه على الشيشان وقال بأنه كان يخدم دولته روسيا وأنه مستمر بذلك، عندها عمد المذيع إلى ذكر بعض أسماء الصحافيين والسياسيين الروس الذين اغتالتهم المخابرات الروسية ليطلق بوتين ضحكته الغريبة، وعاد للمراوغة بأن هؤلاء قُتلوا بظروف مختلفة وبأن بعض هذه الجرائم تم القبض على فاعليها، وبأنه، أي بوتين، يخدم دولته.

ونبقى مع جوليا دافيس التي رصدت تكريساً واحتفاء كبيراً على وسائل الإعلام الروسية بمقابلة بوتين مع الشبكة الأميركية واعتبارها نصراً له، حيث أعادت هذه الوسائل بث برومو المقابلة في كل برامجها وبشكل دائم وقدمت برامج حوارية حول هذا اللقاء، وبعد بثه، تابعت هذه الوسائل عرض مقاطع من المقابلة والحديث عن ذكاء بوتين ومكره وكيف أحرج المذيع، رغم أنه من الواضح أن العكس حصل في عدة مناسبات.

وكان لافتاً في إجابة بوتين عن السؤال الأخير بالمقابلة، الذي طرح قضية التغيير الدستوري في روسيا التي أمنت له فترتين رئاسيتين جديدتين، قوله بإنه إذا وجد شخصاً أو أشخاصاً جديرين ويضعون مصلحة روسيا قبل مصالحهم، فهو سيدعمهم ولن يقف عائقاً في وجههم، على حد تعبيره.