بوتين.. الوجه الدميم للسياسة

2022.10.04 | 05:55 دمشق

ر
+A
حجم الخط
-A

لكي يتضح لك بشكل جليّ مدى التفاهة والدجل الغبي، الذي وصلت إليه بعض فصول المسرح السياسي العالمي اليوم، يُمكنك ببساطة شديدة أن تستمع إلى بشار الأسد، وهو يتحدث عن الديمقراطية وتجربتها الرائدة في سوريا، أو أن تستمع إلى صبي "بوتين" السخيف "قاديروف"، وهو يطالب "بوتين" بقصف أوكرانيا بالسلاح النووي بعد هزيمة الجيش الروسي في بلدة "ليمان" الأوكرانية، أو أن تستمع إلى "بوتين" وهو في قمة احتقاره للإنسان وللمبادئ الإنسانية، يتحدث عن العائلة، وضرورة حمايتها من الثقافة الغربية المنحلة "لا نريد أن يُفرض في مدارسنا ابتداء من المدرسة الابتدائية الشذوذ، الذي يؤدي إلى التدهور والانقراض"  ثم تواصل جولتك إلى كوريا الشمالية التي يعيش شعبها بكامله داخل سجن كبير، ويعزل عن العالم، وتشح المواد الغذائية، و..و..الخ لتستمع إلى رئيسها "كيم جونغ أون"، وهو يهدد العالم بترسانته النووية، وإن استطعت أن تحتمل كل هذا الهراء، فيمكنك أن تعرج أخيراً على إيران المشتعلة كلّها رفضاً لملالي العار، وهناك سترى العجب العجاب، وستصاب بالصدمة، فهل يُمكن لعقل بشري اليوم، أن يحتمل فكرة وجود أنظمة كهذه؟!

منذ عدة أيام، مرت الذكرى السابعة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، سبع سنوات متواصلة من الاستهانة بحياة البشر، وحقوقهم وكرامتهم، سبع سنوات تسببت بتهجير الملايين من السوريين، وبمقتل مايزيد عن سبعة آلاف مدني سوري، بينهم أكثر من ألفي طفل، سبع سنوات، شاهدنا بأعيننا، ولمسنا بأيدينا كيف تنحط السياسة إلى درجة العار، وكيف يرى بوتين الشعوب وحقوقها، سبع سنوات من التدمير والإجرام، كل هذا ويأتي بوتين ليبشرنا بولادة نظام عالمي جديد على يديه!!

يعرف السوريون جيداً الوجه الحقيقي لبوتين، لقد رأوه بأم أعينهم في أشلاء أجساد أطفالهم الممزقة، وفي ركام مشافيهم وأفرانهم، ومدارسهم وبيوتهم المدمّرة بأسلحة بوتين الجديدة، التي يجربها بهم، واليوم يتعرف الأوكرانيون على وجهه الحقيقي أيضاً، ويتعرف العالم كلّه أيضاً، حين يجد نفسه وجها لوجه، أمام حرب عالمية قد تودي بالبشرية كلّها.

كيف يمكننا أن نتخيل نظاماً عالمياً جديداً، قادته هم بوتين، وبشار الأسد، وقاديروف، والولي الفقيه، وكيم جونغ أون، ومن على شاكلتهم؟ نظام عالمي جديد بدأت تباشيره بأربع "كراكوزات"، اختارهم بوتين ثم ساقهم إلى موسكو، لينصّبهم قادة على أربعة أقاليم اقتطعت من دولة ذات سيادة بالقوة، في الوقت الذي لاتزال الحرب تدور في هذه الأقاليم، ويهجّر سكانها، ويقتلون، ويهددون بالموت كل لحظة؟!!

أي نظام عالمي جديد، وشباب روسيا تضيق بهم المعابر الحدودية، ومطارات روسيا، هرباً من حربه المجنونة، ولايتردد بوتين لحظة واحدة في إصدار قوانين تعكس مدى طغيانه

أي نظام عالمي جديد، وشباب روسيا تضيق بهم المعابر الحدودية، ومطارات روسيا، هرباً من حربه المجنونة، ولايتردد بوتين لحظة واحدة في إصدار قوانين تعكس مدى طغيانه، واستهانته بحياة شعبه، ورأي هذا الشعب في صيغة حياته، فيحكم بالسجن عشر سنوات لمن يمتنع عن المشاركة في هذه الحرب، أو لمن يفرّ منها، أو لمن يعارضها، والأكثر عاراً من كل هذا، أن يعلن عن منحه الجنسية الروسية لكل من يقاتل معه لأكثر من عام، ممن لا يحملون الجنسية الروسية، أي بازار رخيص تغرق فيه السياسة، عندما يصبح الوطن هوية القتلة؟! 

بالتأكيد ليس النظام العالمي القائم حالياً رحيم، ولا هو إنساني، وهو مثقل بجرائمه، ومتخم بالظلم، ونهب الشعوب وتجويعها وإفقارها، لكنه رغم كل بشاعته استطاعت البشرية بدمها الذي دفعته، وبعقول مفكرين ومثقفين وساسة كثر، أن تفتح نافذة للضوء في ليل هذه الحضارة المتغوّلة، وأن ترغم هذا النظام العالمي المتوحش على الكثير من الإنجازات التي تحترم الإنسان وحياته، وأن تضمن له عيشا كريما إلى حد كبير، وما يفعله بوتين وأقزامه التابعون، ليس سوى إعادة البشرية إلى همجيتها، وإلى شريعة الغاب بوجهها البغيض، حيث لا منطق ولا رأي، ولا حق إلا للقوة العارية المجنونة، أي إلى إغلاق كل نوافذ الضوء التي تحاول البشرية توسيعها.

هل هناك في كل الحكومات التي تساند بوتين في ما يفعله، حكومة واحدة تقيم وزنا لشعوبها، أو لكرامة مواطنيها، أو لحرية الإنسان وحقه، فعن أي نظام عالمي جديد يتحدث بوتين؟؟!!

لو استطاع الاتحاد السوفييتي أن يحقق لمواطنيه حياة حرة كريمة لما انهار، ولو استطاع بوتين أن يجعل من روسيا دولة تنظر إليها شعوب الأرض باحترام، وترى فيها نموذجاً مشتهى، لما كانت قوته العسكرية وسيلته الوحيدة للدعوة إلى عالم بنظام جديد، ولما كانت الحرب لغته ووسيلة تحديد علاقته بالآخر، أي آخر، فردا كان أم دولة، ولما أسرع مئات آلاف الشباب الروسيين للفرار من روسيا، بعد قانون التعبئة العامة، ولما استعاد منطق القوة العسكرية العارية، قدرته على رسم مصير البشرية.

الأدهى من كل هذا، أن يكون الخراب هو السلاح الذي يرفعه بوتين ليبتز به العالم، وأن تكون حياة المليارات من البشر، هي ورقة ابتزازه للقبول بجنونه وأوهام عظمته، وأن تكون تجربة مئات أنواع الأسلحة بشعب أعزل مثل الشعب السوري، مصدر فخر له ولساسته!

اليوم نحن فعلاً أمام عالم جديد يولد، وسوف تتحدد معالمه على ضوء نتائج هذه المعركة، التي تدور الآن بين بوتين وما يمثله من أفكار ومفاهيم، وما يستعمله كأداة في حربه، وبين منطق آخر، منطق رغم مساوئه فإن له وجهاً آخر، ومعنى آخر لحرية الإنسان وكرامته، ولو قيض لبوتين أن ينتصر، فإن هذه البشرية ستعود إلى ظلمات القرون الوسطى، وستدفع من جديد عشرات الملايين من أبنائها، كي لا يعود شخص مجنون مثل بوتين، ويتبعه صبية مهووسون بالسلطة، كبشار ليدمّروا البشرية من جديد.