icon
التغطية الحية

بوادر "المصالحة".. هل سترتقي إلى لقاء يجمع بشار الأسد وأردوغان؟

2022.12.25 | 17:15 دمشق

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في إسطنبول - رويترز
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في إسطنبول - رويترز
موسكو - ليلى كف الغزال
+A
حجم الخط
-A

توّجت الأحاديث المتداولة ‏عن احتمال إقامة حوار بين تركيا والنظام السوري، ‏بمبادرة أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال ‏اتصاله الهاتفي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، اقترح فيه عقد اجتماع ثلاثي يضم رؤساء روسيا وتركيا والنظام السوري، يكون بداية لسلسلة مفاوضات.

الصحف التركية نقلت عن أردوغان، أنّ بوتين وافق على هذا المقترح، وأكّد ذلك ميخائيل بوغدانوف، مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، قائلاً: "الكرملين ينظر إلى المبادرة التركية (بشكل إيجابي جداً)، ويجري الآن اتصالات مع أصدقائه السوريين لمناقشتها".

الأوساط السياسية والإعلامية في روسيا ترحّب بأي تقارب قد يحصل بين تركيا والنظام السوري، خاصة بعد كشف القيادة التركية عن وجود اتصالات مباشرة بينهما على مستوى المخابرات. لكن السؤال يبقى مفتوحاً فيما إذا كانت بوادر هذه المصالحة سترتقي فعلاً إلى لقاء يجمع بشار الأسد وأردوغان؟، بعض المحللين الروس يشكّون في ذلك.

فكرة المصالحة بين تركيا والنظام السوري بدأت تُطرح علناً بعد قمة طهران التي جمعت رؤساء الدول الضامنة لـ مسار أستانا بشأن سوريا، وهي روسيا وتركيا وإيران، بحسب ما قال الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي د. محمود حمزة.

ويضيف "حمزة" لـ  تلفزيون سوريا: "يبدو أن روسيا وإيران اقترحتا على الرئيس التركي التخلّي عن العملية العسكرية البرية في الشمال السوري والاستعاضة عن ذلك بحل سلمي. وهو أن تتم المصالحة مع النظام السوري لتصبح قوات النظام هي مَن تشرف على المناطق الشمالية بدلا من قسد".

ويتابع: "هكذا ستكون تركيا حلّت مشكلتها. عندها يحاول الروس إقناع الرئيس التركي بالمصالحة وهو من مصلحته أن يعلن عن تهدئة الأوضاع مع النظام السوري لأنّه أولاً: يريد أن يطمئن المعارضة التركية التي تعتقد أن المقاطعة مع النظام هي سبب مشكلاتها الاقتصادية، وأن أربعة ملايين لاجئ سوري تجب عودتهم إلى سوريا لتخفيف الضغط عن تركيا".

ويرى الخبير أن "أردوغان عندما يبدي استعداده للتصالح مع النظام السوري مستقبلاً، فإنّ الغرض من ذلك هو سحب البساط من تحت المعارضة التركية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية". مشيراً إلى أنّ روسيا تتعامل مع تركيا بطريقة دبلوماسية ومرنة جداً، لأنّها بحاجة ماسة إليها ولأنّ التعاون معها شيء مصيري، خاصةً بعد العقوبات الغربية على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، إضافةً للمصالح الاقتصادية الواسعة والاستيراد والتصدير الذي يجري عبر تركيا، أبرزها الغاز.

الآن هناك اتفاقات على أنه يتم بناء مخازن ضخمة للغاز الروسي في الأراضي التركية، لتصديره عن طريقها إلى تركيا وإلى أوروبا، فضلاً عن الدور التركي في الملف الأوكراني، تحديداً في صفقة الحبوب. لذلك فإنّ الروس متمسكون جداً بتركيا لأنهم إذا خسروها سيخسرون الكثير ولن يبقى لديهم أحد، فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومن الدول التي تعدّ غربية. وهي تتعاون مع روسيا وبينهما علاقات قوية.

ورغم إعلان النظام السوري رفضه للمصالحة مع تركيا من دون شروط مسبقة إلّا أنّ بعض المحلّلين يرون أنّه مجرّد ادّعاءات ويقول الخبير في الشأن الروسي محمود حمزة: "المصالحة بين تركيا والنظام هي رأي روسي بالدرجة الأولى ومدعوم من قبل الإيرانيين، وبشار الأسد موافق عليه".

يرى الخبير السياسي في المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيمينوف، أنّ روسيا وفي هذا التوقيت بالذات معنية بأن تعمل تركيا والنظام السوري على حل المشكلات القائمة بينهما، من دون أن تضطر موسكو إلى التدخل، وأن هذا السبب هو ما وراء المساعي الروسية لإحياء اتفاقية أضنة".

وأوضح: "تسعى روسيا إلى إطلاق عملية التطبيع بين تركيا والنظام السوري من خلال الدفع بالمفاوضات المباشرة بينهما. التقارب بين بشار الأسد وأردوغان إن تم فإنه سيكون لمصلحة موسكو بالدرجة الأولى، نظراً لانشغالها في أوكرانيا حالياً. كما أنه من الصعب أن تحافظ روسيا على نفس مستوى وجودها العسكري والسياسي في سوريا الذي كانت عليه في السنوات الأخيرة. لذلك يبدو لها أن إقامة حوار مباشر بين الطرفين قد يكون الحل الأنسب والذي سيسمح بخفض المخاطر بالنسبة لموسكو، علماً أن أي تصعيد في الشمال السوري سينعكس حتماً على موسكو. لذلك فإن الخيار الوحيد أمامها أن تحمل أنقرة والنظام المسؤولية في كثير من الملفات كملف إدلب على سبيل المثال. حتى لو لم يتوافق ذلك مع رغبة بشار الأسد والرئيس التركي".

واللافت في الموقف الروسي حول هذا الموضوع، أنّ موسكو من خلال تصريحاتها الرسمية على مستوى الكرملين أو الخارجية، ترحّب بأي تقارب بين بشار الأسد وأردوغان وتبدي استعدادها لتنظيم لقاء بينهما وتجري اتصالات مع كلا الجانبين، وفي الوقت نفسه تشير إلى أن مثل هذا اللقاء بحاجة إلى تجهيزات جدية لم تتم حتى الآن، وبالتالي فإنها تدعو إلى عدم التسرّع عند الحديث عن أفق هذه المصالحة.

ويرى بعض المحلّلين أن طبيعة التصريحات الروسية تدل على عدم تأكّدها من أنها ستنجح في لعب ورقة التطبيع التركي-السوري، فيما يعلّق الأكاديمي محمود حمزة على التصريحات الروسية بالقول: إنّها "محاولة ضغط معنوي وسياسي على تركيا لانخراطها في عملية تقارب مع النظام السوري، ولكن هذا الموضوع بعيد عن الواقع وغير قريب".

ولفت "حمزة" إلى أنّ سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي وخلال زيارته إلى تركيا، مطلع الشهر الجاري، عرض على أنقرة مقترحاً مفاده أن "تضمن روسيا للجانب التركي انسحاب قسد بعمق 30 كم بقواتها ومعداتها الثقيلة، ونشر الحرس الحدودي للنظام السوري أو الشرطة المدنية التابعة لـ قسد أو الشرطة العسكرية الروسية بدلاً منها. ويبدو أن المسؤولين الأتراك غير واثقين من الضمانات الروسية ولديهم مخاوف من الالتفاف عليهم، لذلك لم يردوا على هذا المقترح بالقبول إلى الآن".

وأردف "حمزة": "في الفترة الأخيرة وقبل زيارة فيرشينين إلى تركيا، بدأنا نسمع تصريحات من المسؤولين الروس أبرزهم: الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف ونائب وزير الخارجية بوغدانوف والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، وكلّهم يؤكدون أن روسيا جاهزة لتنظيم لقاء بين بشار الأسد وأردوغان، ولكن الأمر بحاجة إلى تجهيز، ويعني ذلك أنّ هناك حملة إعلامية واضحة للكرملين بهدف الإيحاء للأتراك والعالم بأنّنا نقترب من تنظيم هذا اللقاء السياسي كبير بين الطرفين".

ويتابع: "لكن القيادة التركية لن تقبل بمصالحة مع النظام السوري، أولاً لأنّه نظام متهالك جداً وأصبحت سوريا دولة فاشلة، فكيف يعتمد الأتراك على بشار الأسد؟ ثم إنّ النظام السوري من أيام حافظ الأسد حتى اليوم يعد من ألد الأعداء لتركيا، إذ إنّ النظام هو مَن دعم حزب العمال الكردستاني، وأشرف على تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشرف الآن على (قسد)، يعني أنّ هذه التنظيمات الإرهابية أشرفت عليها المخابرات السورية التابعة للنظام".

وإلى الآن هم أصدقاء ولديهم علاقات، أي أن قسد التي يرعاها الأميركان شرقي الفرات قريبة جداً من النظام السوري وحليفة له، وأكبر دليل على ذلك هو أن النظام عندما انسحب من مناطق الجزيرة والحسكة والرقة ودير الزور سلّم هذه المناطق لـ قسد بشكل سلمي، وهو الذي سلّحها، بحسب اعتراف سفير النظام السوري لدى روسيا بشار الجعفري خلال اجتماع (منصة موسكو) في مبنى السفارة، عندها قال"الجعفري" بحضور رئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي - PYD" صالح مسلم: "نحن مَن يقدم السلاح لـ قسد، ولم يرد مسلم بالنفي على ذلك"، وفق شهود عيان كانوا حاضرين في ذلك الاجتماع.

هناك رأي في الأوساط الروسية يقول إن تزامن التصريحات التركية حول استعداد أردوغان للتفاوض مع بشار الأسد والأنباء حول العملية البرية التركية المرتقبة في شمال غربي سوريا، يعني أن الأمرين مرتبطان ببعضهما البعض، لكن هناك مَن يخالف هذا الرأي، إذ يقول كيريل سيمينوف لـ تلفزيون سوريا، إنه "لا صلة بين مشروع اللقاء والعملية التركية البرية، لأن الأخيرة تقع في إطار العلاقات التركية الأميركية".

مدير معهد الدراسات السياسية في روسيا سيرغي ماركوف، يرى أنّ إحياء العلاقات بين تركيا والنظام السوري أمر غير مستبعد، خاصة لما نشهده من التحسن في العلاقات التركية المصرية، موضحاً: "معظم الدول الإسلامية بدأت تتجه نحو التطبيع مع السلطات السورية. لأنها وجدت أن بشار الأسد يُمسك زمام السلطة بشدة بفضل الدعم الذي تقدمه له روسيا وإيران، كما أنّه يسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي السورية. لذلك فإذا اجتمع بشار الأسد وأردوغان فعلاً، فإنه لن يكون استثناءً".

وتابع: "علماً أن إعادة ترميم العلاقات مع بشار الأسد بات أمراً مقبولاً، حتى لدى البلدان التي كانت في طليعة المواجهة مع النظام السوري مثل السعودية أو الإمارات، وربما نرى استئناف عضوية النظام لدى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قريباً"، مشيراً إلى أنّ "مبادرة أردوغان حول عقد القمة الثلاثية مع بوتين وبشار الأسد هي ليست عبارة عن حسن النية، إنما هي الرغبة في عدم البقاء خلف التغيرات التي تشهدها المنطقة".

اقرأ أيضاً.. أردوغان: طلبت من بوتين تشكيل آلية ثلاثية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق

يزعم مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف بأنّ المساعي الروسية لإحياء اتفاقية أضنة قد تتكلل بالنجاح، قائلاً: "أردوغان وعلى مدى السنوات الطويلة كان ينظر إلى بشار الأسد بحذر شديد رغم أنهما كانا على علاقة وثيقة في الماضي. لكن اليوم الأوضاع تتغير. ووضع بشار الأسد بدا أكثر استقراراً"، كما افترض أنه في حل تم اللقاء فإنه على الأغلب سيكون سرّياً، لتكون الخطوات التركية التالية ومصير القرار الأممي حول مصير آلية المساعدات الإنسانية هي المؤشّر على حصول أو عدم حصول التقارب بين أنقرة والنظام السوري.