"بلطجة" روسية.. ادفعوا أولاً

2018.08.21 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يكاد يخلو تصريح في الآونة الأخيرة لمسؤول روسي من الإشارة إلى ملف إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين السوريين، وتعمل الدعاية الروسية على خدمة هذا الملف، والقيام بدورها الذي تبرع فيه، في التشويش وترويج مقولات السياسيين ومهاجمة حجج المعارضين بزخم لا يهدأ.

تتصرف روسيا كأنها الآمر الناهي في سوريا منذ أطلقت حملتها للضغط على الدول الغربية للتكفل بإعادة بناء سوريا، حيث ترسل موفديها إلى الدول وتتعهد وتعطي الوعود دون أن يرد اسم النظام ولو حتى شكلياً كما كان يحدث سابقاً، كما أنها لم تقدم أي خطة أو رؤيا لتحقيق ذلك أو على الأقل لم يشر أحد لمثل هذه الخطة إذا كانت موجودة.

تعلم روسيا مسبقاً موقف الاتحاد الأوروبي من قضية إعادة الإعمار، فأوروبا لن تساهم بإعادة الإعمار ضمن الشروط الروسية، وتشترط أوروبا أن يكون لها دور في العملية السياسية، وهو ما ترفضه موسكو حيث تدعي أنها تمكنت من إحلال الأمر الواقع وهي حالياً المسيطرة، كما يقول الاتحاد الأوروبي أنه سيساهم بتمويل إعادة بناء المناطق التي يتم فيها احترام حقوق الإنسان أي المناطق التي يسيطر عليها الروس مستثناة وهو ما يفسر القصف الدائم للمناطق الخارجة عن سيطرتها لمنع تحقيق هذا.

أوروبا لن تساهم بإعادة الإعمار ضمن الشروط الروسية، وتشترط أوروبا أن يكون لها دور في العملية السياسية، وهو ما ترفضه موسكو

وكان لافتاً قيام الموقع الالكتروني للسفارة الروسية في بريطانيا بنشر بيان قاس يهاجم الحكومة البريطانية لأنها قالت إنها ستقدم مساعدات لمحافظة إدلب متهماً لندن بمساعدة تنظيم داعش وجبهة النصرة في إدلب والامتناع بحسب البيان عن تقديم المساعدات لباقي مناطق سوريا، الواقعة تحت سيطرة روسيا وإيران، أو للاجئين السوريين العائدين أو بالأحرى الذين تدّعي موسكو سعيها لإعادتهم.

حيث أعلنت بريطانيا عن هذه المساعدات يوم الخميس الماضي وهي مخصصة بحسب الحكومة البريطانية لـ"حماية وإعانة المدنيين في شمال غرب سورية وسط تحذيرات بأن أكثر من 2.9 مليون شخص في إدلب والمناطق المحيطة معرضون لخطر الضربات الجوية القاتلة التي يشنها نظام الأسد وداعموه".

ولا تنوي روسيا أو إيران كما هو واضح دفع أية أموال لإعادة الإعمار، فهما تنظران للملف على أنه الجائزة لهما، إذ إنهما تعدان شركاتهما للقيام بتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار مع ما يعنيه من أرباح مالية ضخمة وسيطرة اقتصادية مستقبلية على سوريا.

وتعمد روسيا للضغط على أوروبا باشتراط دفع المال لضمان عودة اللاجئين وإلغاء القانون رقم 10 الذي ينص على مصادرة أملاك اللاجئين، كما قالها بوتين صراحة في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية ميركل بموسكو في شهر أيار الماضي.

ترفض روسيا تقديم أي تعهد صريح بالنسبة لإدلب ومحيطها وذلك لمنع الأوروبيين من العمل على إعادة إعمار المنطقة

كما ترفض روسيا تقديم أي تعهد صريح بالنسبة لإدلب ومحيطها وذلك لمنع الأوروبيين من العمل على إعادة إعمار المنطقة بشكل مباشر دون المرور عبر قنوات روسية لا يثق بها الأوروبيون طبعاً، ولذلك تواصل إطلاق التصريحات المتناقضة تجاه إدلب مما يعزز حالة الخوف والترقب في المحافظة.

ولم تتوقف ماكينة موسكو الإعلامية لحظة واحدة عن استهداف السوريين الموجودين في المدينة ومحيطها، ويقوم جيش الكرملين الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي بتكريس الصورة التي رسمتها موسكو لإدلب والتي تتحدث فقط عن وجود من تصفهم موسكو بـ"الإرهابيين" متجاهلة تماماً أي وجود للمدنيين وهذا ما قالته السفارة الروسية في لندن رداً على المساعدة البريطانية لإدلب "تُعرف محافظة إدلب في شمال غرب سوريا بكونها عرين للمتطرفين والإرهابيين ، وقبل كل شيء جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية ، وكلاهما منظمة إرهابية تعترف بها الأمم المتحدة. وقد استوعبت المنطقة عشرات الآلاف من الجهاديين الذين لا يمكن التوفيق بينهم".

يقوم جيش الكرملين الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي بتكريس الصورة التي رسمتها موسكو لإدلب والتي تتحدث فقط عن وجود من تصفهم موسكو بـ"الإرهابيين"

المراقب للطريقة الروسية في بناء قضاياها وعرضها والدفاع عنها منذ استيلاء بوتين على الشيشان يدرك أن ما يسمعه من وزارة الخارجية الروسية سيرى انعكاساته بمقالات تحليلية متجنية في بعض الصحف مع حملة عنيفة على التواصل الاجتماعي بالإضافة لظهور إشاعات وفيديوهات وتسريبات لدعم الدعوى الروسية وفي كل ذلك الكثير الكثير من الكذب.

ومن هنا لا يبدو غريباً تعرض الباحث الأمريكي "تشارلز ليستر" المختص بالشأن السوري لحملة مسعورة على تويتر بعد قيامه بمشاركة "تشيير" صور لرجال الخوذ البيضاء وهم يقومون بأعمال تنظيف وصيانة لإحدى الكنائس في بلدة "القنية" بريف جسر الشغور في إدلب، والمضحك المبكي في بعض التغريدات قولها إن هذه الكنائس تم تخريبها على يد جبهة النصرة ليقوم ليستر بوضع رابط "لينك" لفيديو عن استهداف طائرات النظام للكنيسة في عام 2013 علماً بأن طائرات روسية استهدفت البلدة كذلك عام 2017.

الحملات الروسية المتلاحقة لا تهدأ وهي تغطي كل وسائل الإعلام بما فيها التواصل الاجتماعي وتأتي متناسقة ومتآلفة بشكل مثير مع تصريحات الكرملين السياسية وحالياً معركة روسيا هي ذات شقين الأول ملف عودة اللاجئين مقابل تمويل إعادة الإعمار وتحت الإشراف الروسي والثاني الحفاظ على شيطنة ما تبقى من شمال سوريا تحت سيطرة المعارضة لعرقلة أي جهد لمساعدة الأهالي طالما أنه يتم خارج القنوات الروسية.