تسبب قرار رفع أسعار الاتصالات للهواتف الثابتة والمحمولة واشتراكات الإنترنت بخيبة أمل لكثير من سكان مناطق النظام السوري، في ظل الوقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشونه، حيث اعتبر كثيرون أن القرار بمنزلة عملية تفقير ممنهجة للشعب وسحب القليل الذي في جيوبهم لصالح الشركات التي يملكها النظام وأعوانه.
كم بلغت الأسعار الجديدة؟
واعتباراً من 1 أيار 2023، ارتفعت أسعار الاتصالات الثابتة والخلوية في مناطق سيطرة النظام السوري، بنسب تتراوح بين 30 و35 في المئة، أما الاتصالات الثابتة فقد ارتفعت بنسبة تتراوح بين 35 و50 في المئة.
وبررت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد القرار بأنه مرتبط بارتفاع كبير في كلفة المكونات الأساسية والمصاريف التشغيلية لشبكات الاتصالات الخلوية والثابتة، ولضمان استمرار خدمات الشركات العاملة في مجال الاتصالات لمشتركيها.
وأصبحت دقيقة الاتصال الخلوية مسبقة الدفع بـ 35 ليرة سورية، أما الدقيقة بالنسبة للخطوط لاحقة الدفع (الفاتورة) فأصبحت بـ 33 ليرة، وسعر ميغا بايت الإنترنت خارج الباقة بـ 22 ليرة.
والحال نفسه انطبق على اشتراكات الإنترنت للمنزل، حيث ارتفعت أسعارها بشكل كبير لتصبح وفق الآتي: "4200 ليرة سورية لسرعة 256 كيلوبايت، 4700 ليرة لسرعة 512 كيلوبايت، 6000 ليرة لسرعة 1 ميغابايت، 7500 ليرة لسرعة 2 ميغابايت".
مزيد من الأعباء
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" آراء عدد من السوريين بخصوص رفع سعر الاتصالات والإنترنت، حيث أكّد كثير منهم أن الوضع لم يعد يمكن تحمله وبدل أن ينفرج على الناس يزداد سوءاً كل يوم.
وفي سياق ذلك، قال محمد بارودي إن رفع أسعار الاتصالات والإنترنت يعني مزيداً من الأعباء على العائلات، خصوصاً أن دخل العائلة لا يكفيها لشراء كامل حاجياتها من الطعام والشراب والأساسيات.
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أنا لدي 3 هواتف محمولة في البيت، واحد لي والآخر لزوجتي والثالث لأمي، وجميعنا بحاجة لاستخدامه عند خروجنا من المنزل للعمل أو لشراء الحاجيات من السوق، وهذه الهواتف تحتاج إلى ثلاث باقات إنترنت بدون اتصال باعتبارها شاملة وأوفر نسبياً، وكانت كلفتها جميعاً 75 ألف ليرة سورية تقريباً، وهذه الباقة كانت لا تتجاوز 5 غيغا شهرياً.
وبحسب الأسعار الجديدة قد يصل ثمن الباقات الثلاث إلى نحو 115 ألف ليرة يعني زيادة بقرابة 40 ألف ليرة، وفق بارودي.
ولفت إلى أنه "بالنسبة لباقة الإنترنت في المنزل، فأصبح سعرها يصل إلى 43 ألف ليرة شهرياً بزيادة تصل إلى 50 في المئة عن السابقة تقريباً، لذلك نحن أمام زيادة هائلة بالنسبة للموظف الحكومي تقضي على راتبه بشكل كامل الاتصالات فقط".
وبيّن أن الاتصالات من الأساسيات مثل الكهرباء والماء والتدفئة، نحن في القرن الـ 21 ولسنا في زمن اكتشاف النار، يعني معظم أقاربنا وعائلاتنا خارج سوريا في الشتات ومن الضروري التواصل معهم.
رواتب الموظفين على حالها
من جانبها قالت هيفاء كيساني، العاملة كمدرسة بإحدى مدارس دمشق، إن الاتصالات أساسية اليوم، ولا يمكن زيادة أسعارها من دون النظر إلى موضوع زيادة رواتب الموظفين، يعني بالعادة كان رفع الأسعار مرتبطاً بزيادة الرواتب، لكن الآن الوضع اختلف كل شيء يزيد ورواتبنا صامدة وثابتة وعلى حالها.
وأوضحت كيساني لموقع "تلفزيون سوريا" أنه لولا عملها في الدروس الخصوصية لكانت ماتت من الجوع حرفياً، خصوصاً أنه لا يوجد هناك من يقدم لها يد المساعدة البتة.
وأضافت أنها بحاجة إلى الاتصال والإنترنت من أجل التواصل مع الطلاب الذين تعطيهم دروساً خصوصية على مدار الأسبوع بعد انتهاء دوام المدارس إلى جانب أيام العطلة.
وأوضحت أنها طلب من أم أحد طلابها زيادة أجر الساعة بعد زيادة أسعار كل شيء خلال شهر رمضان، والآن زيادة أسعار الاتصالات فألغت دروس ابنها نهائياً.
وقالت كيساني إن "الحكومات أو الشركات التي تقوم بإجراء دراسات على الوضع الاقتصادي في دول العالم تعمل جهدها لتحسين وضعه، إلا في سوريا كل القرارات والدراسات والأبحاث هي لإفقار المواطن وجعله شحاداً".
وبينت أنها تحتاج شهرياً إلى 60 أو 70 ألف ليرة اتصالات فقط ويبقى معها نحو 20 ألف ليرة من راتبها لا يكفي لشراء خبز، والآن مع الزيادة سيطير الراتب وينقصني منه وسأخسر طلاباً جدداً إن زدت سعر ساعة الدرس الخصوصي.
تنافسية معدومة وتبريرات
ولا يوجد في سوريا سوى شركتين لتزويد خدمة الاتصال الخلوي، (وأعلن إطلاق شركة جديدة في عام 2022 باسم وفا تيليكوم) ما يجعل التنافس محدوداً تقريباً، والأمر مدروس ومتفاهم عليه فيما بينهم، ولذلك تعد لائحة الأسعار من بين الأعلى في العالم مقارنة مع دخل المواطن.
والأسوأ من ذلك هو ضعف سرعة الإنترنت وانعدام التغطية في مئات المناطق، حيث هناك دائماً انقطاع في الإنترنت خلال انقطاع التيار الكهربائي خصوصاً في المناطق الريفية والبعيدة عن مركز المدن الكبرى.
وفي بيان مشترك لشركتي الاتصال الخلوي "سيرياتيل وإم تي إن" بررتا عبره أسباب رفع أسعار الاتصالات وباقات الإنترنت في سوريا، عبر إيراد دخل وأرباح الشركتين خلال عام 2022.
وادعى البيان أن الشركتين تعانيان من عجز مالي ونقدي من الناحية الاستثمارية بقيمة وصلت إلى 9.5 مليارات ليرة سورية أي 1.1 مليار دولار.
في الوقت الذي كانت التعليقات على بيان شركتي الاتصالات مليئة بالسخرية وعدم الاقتناع بأي من الأرقام التي أوردتها خصوصاً أن كثيرين اشتكوا من سوء الخدمات وضعف الشبكة وبطء خطوط الإنترنت.
ميزانية خاصة
ولم تعد شركات الاتصالات في معظم دول العالم تقدم سرعة إنترنت كالتي في سوريا، حيث إن سرعة نصف ميغا وواحد ميغا واثنين ميغا توقف العمل بها كلياً خصوصاً أن هناك سرعات في دول فقيرة ونامية تبدأ سرعة الإنترنت فيها اليوم من 50 ميغا إلى 100 ميغا.
من جانبه قال محمد عرفان، أحد المهندسين الذين يعملون في مجال البرمجة عن بُعد، إن جزءاً كبيراً من راتبه يذهب لثمن اتصالات وإنترنت إلى جانب ميزانية خاصة بتوليد الكهرباء عبر البطاريات والمولدة التي تعمل على البنزين.
وأوضح لموقع "تلفزيون سوريا"، أن الراتب الذي يحصل عليه من الشركة التي يعمل معها يصل إلى 250 دولاراً في الشهر وهو مبلغ لا يحلم به أي موظف في سوريا حالياً، إلا أن نحو 60 دولاراً منه يذهب في موضوع تأمين اتصال دائم مع الشركة باعتبار أن العمل عن بُعد ولذلك يؤدي انقطاع الكهرباء المستمر إلى مشكلة كبيرة جداً.
ويبلغ متوسط الأجور في مناطق سيطرة النظام السوري للموظفين الحكوميين نحو 100 ألف ليرة سورية (أقل من 15 دولاراً)، أما العاملون في القطاع الخاص فيتراوح بين 35 و50 دولاراً في الشهر بحسب المجال الذي يعملون فيه.
ويرى عرفان أن سرعة الإنترنت في سوريا من بين الأسوأ في العالم، خصوصاً للعاملين في مجاله والذي يحتاج دائماً إلى سرعات إنترنت قوية، مؤكداً أن البنية التحتية للاتصالات في سوريا لم تكن في يوم من الأيام جيدة، حتى قبل عام 2011 بسبب الفساد الكبير وعدم وجود تنافسية عالية كالتي في دول أخرى.