بقع بيضاء في أسبوع التيه السوري

2021.12.25 | 05:11 دمشق

5d874d91-c5eb-43da-8c79-fadd91c07944.jpg
+A
حجم الخط
-A

أحاول النجاة كل أسبوع من فخ الفكرة المكررة والساذجة وقت يحين موعد الزاوية الأسبوعية في هذا المنبر، وهذا ليس من باب أن تكون المكافأة المالية حلالاً خالصاً غير مشوب بحرام تمرير خمسمئة كلمة سحرية عن الواقع السوري والعربي أو أي طارئ، ولكنه من أجل أن تقف ذات يوم أمام عناوين اخترتها بمحض إرادتك لتكون بعض تاريخ لا يشعرك بالاسترزاق أو بعار الاستهلال والابتذال.

في تتبّع أحداث الأيام الفائتة لم يتغير الحال كثيراً على السوريين سياسياً فمسار أستانا أعاد نسخ ولصق مقررات اجتماعاته السابقة، والمبعوث الدولي كرر سيناريو مؤتمراته الصحفية وبياناته، والروس يسرعون الخطا لتلميع صورة الأسد واستمالة الأكراد لبدء محادثات واضحة مع حكومة النظام لسد ثغرة في جدار عزلته المحلية بعدما فشلت إلى حد ما مساعي إعادته إلى الجامعة العربية، وأما أحوال الداخل السوري اقتصادياً فهي من الأسوأ وما فوق الأسوأ، والمخيمات غرقت في موعدها، والصور القادمة من بين الطين والفيضانات التي التهمت الخيام تم تناولها بعبارات اليأس والحزن نفسها وطلب الرحمة لهم من رب لا يرد سائلاً.

رئيس حكومة النظام يرمي كرة الأمل بعيداً حتى منتصف العام المقبل وعلى السوريين انتظار تحسن الكهرباء حتى ذلك الحين، وعلى سياقه رمى وزراء حماية المستهلك والنقل والاقتصاد كل حملهم منتظرين بارقة أمل في توقعات المنجمين المنتظرة في الأيام القليلة المقبلة التي ستتحدث عن رفاه اقتصادي وزحف عربي للتطبيع مع النظام، وحلول سياسية ونصر مؤزر للأسد على معارضيه، في حين تأتي التصريحات الروسية عن حاجة سوريا ما بين 600-800 مليار دولار أميركي للعودة إلى ما كانت عليه عام 2011 مع مطالبة إيرانية بخروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية مشفوعة بتصريحات رسمية عن السيادة الوطنية.

قناة العالم الإيرانية تناولت بقسوة وانتقاد خلع نور حداد المذيعة السابقة في (تلفزيون سوريا) الحجاب واعتبرته انقياداً منها لأجندة القنوات التي تعمل بها في انعكاس للابتذال في إدارة الصراع، في حين اعتبره البعض تنمراً وخطاب كراهية، وخلط بين الشخصي والعام، ودس لفكرة شائنة من أجل خدمة سياسة التشويه بحق المعارضين السوريين، والتحريض عليهم من قبل حاضنتهم، وأما الحقيقة التي يعرفها المتابع لتلفزيون سوريا أنه لا يفرض نمطاً معيناً من اللباس على مذيعاته فمنهن المحجبات وغير المحجبات، في حين محطة العالم لها صبغة واضحة متطابقة في الخطاب والصورة.. ثم من قال إن المعارَضة السورية (محجبة).

وسط كل هذه المتناثرات المتناقضة في محيطنا الأزرق وصراعاتنا السوداء ثمة بقع بيضاء تنتصر أسوة بجنازة حاتم علي التي خرجت بأقل أضرار تشوهاتنا المعاصرة

فيسبوكياً و(سوشال ميدياً) تدار معركة أخرى بين الكتبة لإثبات الشعبية بعد أن فشلت المقالات المكررة في إحداث الفارق الإبداعي بين هؤلاء، وفي هذا الشأن لم ينجح العزف على آلام السوريين في زيادة نسبة قراء المادة الصحفية أسوة بمنشور مليء بالشتائم أو صور الطعام أو تلك الصور الشخصية الآتية من المطاعم والمقاهي الشهيرة في قلب إسطنبول أو على شاطئ البوسفور أو حتى تلك التي تلتقط في باريس ومطار هيثرو.

وسط كل هذه المتناثرات المتناقضة في محيطنا الأزرق وصراعاتنا السوداء ثمة بقع بيضاء تنتصر أسوة بجنازة حاتم علي التي خرجت بأقل أضرار تشوهاتنا المعاصرة، ولا ريب أن توقيع رواية مبهرة (المئذنة البيضاء) ليعرب العيسى في دمشق انتصار لخط البياض الذي يتقاسمه المعارض المتزن مع الوطني الصافي داخل سوريتنا المشتتة والحائرة، وكذلك لقطة تفوق لطالب مبدع سوري في بلدان الشتات، ووصول فيلم سينمائي لمسابقة دولية.

الشتاء القاسي سيمضي مع كل معاناته وصوره المفزعة، وكذلك الكتبة الصغار وكبار السن ممن يعتقدون أنهم يصنعون الحدث، والبقع البيضاء ستتكاثر وسط هذا التيه السوري الطويل.