بعض عقيدة النظام: من ينهب المال أكثر..

2019.12.19 | 14:31 دمشق

2019-11-22t120528z_1161178298_rc2cgd9sdtzl_rtrmadp_3_spain-assad-trial.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحدث رأس النظام بشار الأسد قبل أيام في اللقاء مع الصحفية الإيطالية بلهجة تقارب الحسد عن أن "السوريين في الواقع يمتلكون الكثير من المال"! ثم عاد وأكد الجملة لكي لا يظن أحدٌ أنه قد تلفظ بكلام لا يقصده قائلاً: "السوريون الذين يعملون في سائر أنحاء العالم لديهم الكثير من المال".

وبالتوازي مع ذلك ادعت صحيفة البعث شبه الحكومية أن مغترباً قدم لها وبدوافع "وطنية" مقترحاً حول ضرورة فرض ضريبة سنوية على المغتربين تقدر بـ 300 يورو، من أجل أن يساهموا في التنمية ورفاه السوريين المقيمين في الداخل!

لهاث النظام وأجهزته والدولة التي عدلها لتناسب مصالحه لجمع المال من السوريين لا يحدث ولم يحدث تاريخياً كأمر طارئ

قد يبدو تزامن حديث الأسد عن أموال السوريين في الخارج مع ما نشرته جريدة البعث مجرد صدفة، ولكن لهاث النظام وأجهزته والدولة التي عدلها لتناسب مصالحه لجمع المال من السوريين لا يحدث ولم يحدث تاريخياً كأمر طارئ! بل كان سياسة مقررة ودائمة طوال سنوات حكم الأسد الأب ومن بعده الابن، امتدت نوابضها لتصبح جزءاً من آليات تفكير أي فرد يعمل في مؤسسات الدولة، فيظن أنه "برغي" لا يمكن الاستغناء عنه في ماكينة السلطة، وبالمقدار ذاته يصبح همه الأول والأساسي أن يحول حياة المواطنين الذين يحتك بهم بحكم وظيفته إلى جحيمٍ، ألسنة نيرانه هي سلبهم نقودهم بأي شكل من الأشكال، إن كان عبر قطع الطريق على معاملاتهم وطلب الرشوة، وإن كان عبر اختراع الضرائب ورفع الرسوم التي لا طاقة لهم على دفعها وغير ذلك من أساليب لم يشهد العالم المتحضر مثيلاً لها أبداً..

السوري بالنسبة للأسديين هو الفريسة، هو "الخاروف" وفق التعبير المتداول في قاموس لغة الفساد اليومية، فإذا كانت دولة هؤلاء ومؤسساتهم الأمنية ومن تحالف معهم قد دمرت منازل السوريين الذين ثاروا ضد النظام، فإن إعادة الإعمار ستقع وفق رؤية بشار الأسد على كاهل سوريين آخرين، جعلتهم قوانين دولة النهب وفشلها في تنمية البلاد يهربون خارج سوريا قبل الثورة!

ولكن من قال إن رأس النظام هو الوحيد السيء في هيكلية نظامه؟! إنه رأس الهرم، أو بالأحرى واجهة البناء الذي يمكن العثور داخله على مغارة اللصوص الذين يتطوعون لفعل أي شيء من أجله، فيبدعون في اختراع آليات نهب جديدة، من مثل المقترح السابق (فرض ضريبة 300 يورو على المغتربين) الذي تناقله وتداوله رواد شبكات التواصل الاجتماعي على أنه قد صدر وبات مبرماً، بعد أن نشرته صحيفة البعث التي يسكن بعض صحفييها غرفة خاصة ومتميزة بين غرف اللصوص الأربعين.

تنطح صحفيون كثر في سوريا ليكونوا مخبرين على زملائهم، كما تنطح صحفيون آخرون ليكونوا رقباء على الصحفيين الآخرين

قد لا يعرف السوريون الذين يدفعون ومنذ سنوات مبلغاً خرافياً (800$) مقابل حصولهم على جواز سفر مدته سنتان يحتاجونه لكي يدبروا شؤون إقاماتهم في بلدان اللجوء، أن هذه الخطة الجهنمية لسلبهم المال وهم هاربون من المجزرة اليومية في بلدهم، لم يقترحها ضابط أمن، ولم تكن في عقل أي وزير في حكومات النظام طوال السنوات الماضية، بل كانت مقترحاً جهنمياً قدمه صحفي بعثي لوزير المالية السابق إسماعيل إسماعيل، كفرصة لاستغلال أزمة التكدس أمام القنصليات والسفارات للحصول على جوازات السفر، من أجل الحصول على أموال توضع في خزينة الدولة شبه الفارغة! تنطح صحفيون كثر في سوريا ليكونوا مخبرين على زملائهم، كما تنطح صحفيون آخرون ليكونوا رقباء على الصحفيين الآخرين، ومر معنا في سياق عملنا في الصحافة قبل الثورة وجود صحفي يعمل ضد الناس ولاسيما الفقراء، عبر مساندة قرارات الحكومة الموجهة ضدهم! ولكن هذه الحالة تبدو جديدة في تاريخ الإعلام البعثي، حيث يقترح الصحفي آلية نهب جديدة ويفتخر بالأمر فيكتب زاوية يمدح فيها ذاته، وينزه مقترحه عن الدوافع الرخيصة، وكأن ثمة رخصٌ أفدح من أن يتحول الصحفي إلى جلاد ضد شعبه!

لا يمكن لدولة تقوم على نهب وسلب مواطنيها لحرياتهم وحيواتهم مروراً بأموالهم وثرواتهم وكذلك أرواح أبنائهم، أن تكون دولة قابلة للاستمرار، حتى وإن عاشت لعشرات السنين، وإن كان للثورة من دور فإنه لابد سيكون فرز أفراد المجتمع، إلى مواطنين يتمتعون بحقوقهم ويؤدون واجباتهم، يمكن وضعهم في ضفة الناجين من الجحيم، بينما يقف في الجهة المقابلة لهم جحفل جرار من المطبلين والمزمرين للصوص والقتلة، تشابهوا مع بعضهم فلم نعد نميز بينهم، كما يحدث لأي شخص يعيش في عتمة دولته المطبقة..!   

كلمات مفتاحية