icon
التغطية الحية

بعد عشر سنوات.. صدور أول تقرير يوثق مجزرة النظام في داريا

2022.08.26 | 11:40 دمشق

مقبرة جماعية لضحايا مجزرة داريا
مقبرة جماعية لضحايا مجزرة داريا
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تمت تعرية "استعراض مروع للعنف" نفذته قوات النظام السوري بحق المدنيين في مدينة داريا قبل عشر سنوات، وذلك ضمن أول تحقيق مفصل حول تلك المجزرة.

إذ قتل ما لا يقل عن 700 شخص عندما اقتحمت قوات موالية لبشار الأسد تلك المدينة خلال الفترة الواقعة ما بين 24-26 من آب عام 2012، حيث أخذ الجنود ينتقلون من دار إلى دار وهم يعملون بالرجال والنساء والأطفال قتلاً واعتقالاً، ولذلك اختبأ من خاف منهم في الأقبية.

في الذكرى العاشرة لتلك المجزرة، قام فريق يضم محققين من سوريا، أو ممن تعود أصولهم لسوريا، وبدعم من الاتحاد البريطاني السوري الذي يمثل منظمة تعمل في مجال المناصرة، بالبحث عن الناجين والشهود الذين توزعوا في أصقاع العالم، وذلك ليسجلوا شهاداتهم ويقوموا بتحليلها، إلا أن أسماء بعض المحققين قد تم تغييرها لأسباب أمنية.

يأمل هذا الفريق أن تستعين هيئات الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات القانونية بنتائج تحقيقهم الذي نشر يوم الخميس، وذلك لملاحقة المسؤولين عن ارتكاب تلك المجزرة.

ورد في التقرير ما يلي: "يسجل هذا التقرير الفظائع والجرائم المرتكبة في داريا بناء على شهادات الشهود والضحايا إحياء لذكراهم، وللاحتفاظ بسجل حول ما جرى لتطلع عليه الأجيال القادمة. كما يظهر هذا التقرير بأن المساءلة والعدالة ماتزال بعيدة بالنسبة لأهالي داريا، على الرغم من مرور عشر سنوات على المجزرة، وجمع أدلة مادية حولها. إلا أن الشهود، على الرغم من خيبة أملهم بالنظام الدولي، أدلوا بشهاداتهم، حيث رووا الجرائم الشنيعة التي ارتكبت في داريا من قبل نظام بلادهم، وذلك لإيمانهم بأن روايتهم للأحداث، والحقيقة التي تقدموا بها، ليست جديرة بالتوثيق فحسب، بل أيضاً يمكن أن تسهم في إرساء العدالة والمحاسبة في يوم من الأيام".

A tank advances into Daraya during the assault on the town by Syrian government and allied forces in August 2012.

دبابة تتجه نحو داريا خلال اقتحام المدينة من قبل النظام السوري والقوات الرديفة في آب 2012

اعتبر ما جرى من أحداث في داريا، التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن دمشق، بأنها من أسوأ المجازر التي ارتكبت في تلك الحرب، بيد أن نظام الأسد وصفها بأنها عملية لمكافحة الإرهاب، أما دولياً، فلم توثق معظم أحداثها، خلا ما ورد بشكل موجز في تقرير أممي موسع حول سوريا في عام 2013، والذي أقر بارتكاب قوات النظام لجرائم حرب، كما طالب بإجراء تحقيق حول تلك الحادثة.

تقول ياسمين نحلاوي المتخصصة بالقانون الدولي ومنع الجرائم: "قررنا أن نجري تحقيقاً حول هذه المجزرة لأنها تعتبر فاتحة الأحداث التي أدت لتفكك داريا، فقد دخل الجيش في مناوشات قبلها، حيث كان يدخل المدينة ويطلق النار على المتظاهرين، ولكنها كانت أول حدث كبير أدى لقيام عدد كبير من الحملات التي استهدفت المدينة، إلى جانب مجازر أخرى، فضلاً عن الحصار والقصف".

أما المحققة يافا عمر التي ماتزال تتذكر صوت القصف الذي كانت تسمعه وهي في بيتها وسط العاصمة دمشق، فتقول: "إن سمحتم لتلك الجرائم أن تحدث في سوريا فسيصبح الأمر عادياً، وسيحدث في أماكن أخرى، لذا فإن قيام السوريين بهذا التحقيق يمهد الطريق أمام الضحايا في بلدان أخرى حتى يستخدموا الأدوات نفسها في سعيهم لتحقيق العدالة".

بداية الحملة على داريا

قبل أيام على المجزرة، ذكر شهود أجريت مقابلات معهم حول هذه الأحداث للمرة الأولى، بأن قوات الأسد وحلفاءها أخذت تقصف أحياء داريا بشكل عشوائي، ما أدى إلى سقوط ضحايا ووقوع إصابات بين صفوف المدنيين.

في حين ذكر شاهد آخر ما يلي: "بدأ تصعيد النظام على مدينة داريا في أول وثاني يوم من أيام العيد (الموافق 19 أو 20 آب)، ثم اشتد القصف فأصبح أسوأ من المعتاد، حيث استخدمت قذائف الهاون وأسوأ أنواع القصف وذلك بوساطة أسلحة لم نكن نعرفها، إذ صرنا نسمع أصواتاً جديدة وقتها".

A home damaged by shelling during the August 2012 attack.

بيت دمره القصف خلال الهجمات على داريا في آب 2012

يقول شاهد آخر: "أدركنا بأن دور منطقتنا قد حان عندما توقفت قذائف الهاون".

ووصف شاهد آخر للباحثين المشهد في المشفى عقب إحدى الهجمات بأنه كان: "مرعباً وكأنه يوم القيامة.. إذ كان الجميع يبحثون عن أهلهم وأحبائهم، في محاولة منهم لتأمين العلاج لهم. كان الناس يتراكضون ويختبئون... وصل عدد كبير من الناس إلى المشفى، كان الجميع يصرخ ويقول: أنقذوا هذا الشخص وإلا سيموت. إن دخول المشفى حينها كان يعني بأنك سترى أشخاصاً وهم يحتضرون. كان كل ما يشغل تفكيري هو أخي... هل كان حياً أم ميتاً. كان منظر الدم مخيفاً، مازلت أتذكر صراخ الناس، إذ كان الجميع ينادي باسم أحد أقاربه أو أحبائه... مازلت أتذكر كيف احترت بأمر بعض الأشخاص وتساءلت إن كانوا قد فارقوا الحياة أم بقوا على قيدها، وذلك عندما كفوا عن الصراخ".

التضليل الإعلامي

ورد في التقرير بأن المحققين تمكنوا من التعرف على قوات النظام والميليشيات الإيرانية وحزب الله الذي شارك في الهجمات، وذلك من خلال لباسهم الموحد، والرتب والأسلحة التي يحملونها، كما حدد الفريق هوية بعض الأفراد المسؤولين عن وقوع تلك المجزرة.

كما يتحدث التحقيق بالتفصيل عن استهداف تلك المجزرة وما تلاها بالتضليل الإعلامي والذي شمل إفادات قام مراسلون وصحفيون تابعون للتلفزيون السوري الرسمي بانتزاعها من مدنيين بعد إصابتهم بجروح بليغة، وذلك لدعم رواية النظام حول مسؤولية الثوار عن عمليات القتل تلك.

كانت الجهود التي بذلت لطمس حقيقة ما حدث "أسوأ من المجزرة بحد ذاتها" بحسب ما يراه المحقق أحمد سعيد، الذي نشأ في داريا.

ويخبرنا سعيد بأنه من الصعب توثيق الجرائم التي وقعت في مدينته، ويعلق على ذلك بالقول: "تخال نفسك أقوى من أن تؤثر فيك تلك القصص، لكنك ستدرك في بعض الأحيان بأنها تؤثر فيك بطرق خفية"، ولذلك تم تقديم استشارات نفسية لجميع الباحثين خلال فترة عملهم على هذا التحقيق.

Mass graves dug in the land behind Abu Suleiman al-Darani mosque to bury those who were killed in the Daraya massacre.

مقابر جماعية حفرت في أرض تقع خلف جامع أبي سليمان الداراني وذلك لدفن من قضوا في مجزرة داريا

يخبرنا محمد زردة الذي فقد شقيقه وابن عمه في ذلك الهجوم بأن الإدلاء بشهادته حول ما جرى كان أشبه بمتنفس للتخلص من تلك الذكريات التي سببت له صدمة أليمة، إذ يقول إن التحدث إلى سوريين آخرين حول ما جرى أشعره براحة كبيرة، وذلك لأنهم سيتفهمون أكثر من غيرهم ما قاساه، ويعلق على ذلك بالقول: "أعتقد أن التوثيق الرسمي مهم جداً، وأعني بذلك إجراء تحقيق يورد أسماء المجموعات المسؤولة عن المجزرة، إذ بوسعنا أن نثبت ذلك، إلا أن جميع أهالي داريا يعرفون من المسؤول".

يذكر أنه في محاكمة أجريت بألمانيا، أدين ضابط سوري سابق بجرائم ضد الإنسانية، إلا أن روسيا والصين عرقلتا المحاولات الساعية لإحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي، وذلك عبر استخدامهما لحق النقض.

 المصدر: غارديان