icon
التغطية الحية

بعد طول صمت.. الأميركي بلال يكشف عن التعذيب في سجون هيئة تحرير الشام |فيديو

2021.06.06 | 07:46 دمشق

alamyrky_blal_yfdh_sjwn_hyyt_thryr_alsham.jpg
الصحفي الأميركي بلال عبد الكريم (شاشة)
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

اتهم الصحفي الأميركي "داريل فيلبس"، الملقّب بـ بلال عبد الكريم، "هيئة تحرير الشام" بممارسة انتهاكات تتعلق بـ"عمليات تعذيب ممنهجة وواسعة الانتشار" في سجونها.

وفي حديث خاص لـ موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أكد الصحفي الأميركي  أن التعذيب منتشر في سجون "هيئة تحرير الشام"، وبأن زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني "غير لائق للحكم".

تصريحات عبد الكريم (فيلبس) جاءت بعد احتجازه في سجون "هيئة تحرير الشام" بإدلب لمدة ستة أشهر قبل أن يُفرج عنه في منتصف شباط الماضي، وليتمكن بعدها من مغادرة مناطق سيطرة الهيئة في شمال غربي سوريا قبل فترة قصيرة.

واتهم عبد الكريم في حديثه الخاص والمصوّر، أبو محمد الجولاني، بأنه "غير لائق للحكم" وبأنه "كاذب" بشأن الأوضاع داخل سجون الهيئة. حيث نفى الجولاني في مقابلة أذيعت هذا الأسبوع على شبكة PBS الأميركية تعرض محتجزين لدى المجموعة للتعذيب.

وأوضح عبد الكريم أن الهيئة منعته من النشر أو الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي كشرط لإطلاق سراحه من السجن، في شباط الماضي. واعترف بأنه كان يعرض نفسه للخطر من خلال التحدث ضد "الجماعة"، رغم تأكيده مغادرة المنطقة الخاضعة لسيطرة الأخيرة.

نبذة عن "الهيئة"

"هيئة تحرير الشام" تحالف من فصائل إسلامية "متشددة" سيطرت على معظم إدلب منذ عام 2017 وكانت واحدة من أقوى قوات المعارضة المقاتلة خلال الحرب التي استمرت عشر سنوات في سوريا. لكنها تعتبر منظمة (إرهابية) من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى وقد اتهمها مراقبو حقوق الإنسان بارتكاب فظائع وعمليات إعدام وجرائم حرب.

يتزعم الهيئة أبو محمد الجولاني، وكان يقود سابقًا (جبهة النصرة)، التي كانت تابعة لـ "تنظيم القاعدة" في سوريا حتى عام 2016 عندما غيرت اسمها إلى "جبهة فتح الشام".

"كنت أستمع إلى صراخ التعذيب على بعد أمتار قليلة مني"

وكشف عبد الكريم أنه تعرض للتهديد بالاعتداء الجسدي، واحتُجز غالباً في الحبس الانفرادي لأكثر من ستة أشهر بعد اعتقاله في آب من العام الماضي. وأضاف أنه سمع مرارا أصوات سجناء آخرين يتعرضون للتعذيب في زنازين قريبة.

وقال: "في كل يوم تقريبًا، كان علي أن أستمع إلى صراخ التعذيب على بعد أمتار قليلة مني. يمكن للجميع في السجون سماع التعذيب دائمًا". وتابع: "لتلخيص الأمر برمته: أبو محمد الجولاني، بصراحة، كاذب".

نشاط بلال عبد الكريم

يعمل عبد الكريم في تغطية الأخبار بالمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا منذ عام 2012، ومعظمها كانت موجهة لمنصة On the Ground News الخاصة به، وأقام داخل البلاد منذ عام 2014. كما قدّم إسهامات لـMEE وعمل أيضًا مع CNN و BBC وسكاي نيوز.

اشتهر بتقاريره عن الأيام الأخيرة من معركة شرقي حلب في كانون الأول 2016، عندما تم إجلاؤه إلى جانب مقاتلي المعارضة كجزء من صفقة تم بموجبها تسليم المناطق التي يسيطر عليها الثوار في المدينة إلى النظام.

التهديد بالضرب

عبد الكريم أفاد لـ "ميدل إيست آي" أنه اعتُقل بعد أن أثار مخاوف بشأن التعذيب في سجون "هيئة تحرير الشام" عبر تقاريره الخاصة. ومن الحالات البارزة التي غطاها حالة (توقير شريف)، وهو عامل إغاثة بريطاني، قال إنه تم تقييده في إطار وتعرض للضرب في أثناء احتجازه لدى الهيئة.

بعد اعتقاله، أوضح عبد الكريم أنه تم تقييد يديه وعصب عينيه واستجوابه بشكل يومي حيث هدده المحقق بالضرب.

المحقق خاطب عبد الكريم بالقول: "نريد أن نطرح عليك بعض الأسئلة. إذا لم تكن إجاباتك وشيكة، فعندئذٍ لدينا السلطة لفعل الأشياء لك جسديًا حتى تخبرنا بما نحتاج إلى معرفته"، ثم وضعه السجانون في صف بجانب الحائط "كما لو كانوا على وشك ضربي" يقول عبد الكريم.

أُعيد في النهاية إلى زنزانته ولم يتعرض لأي نوع من التعذيب الجسدي. "لم يكن لدي محام، ولم أتمكن من مقابلة أي شخص في الخارج. كان هذا هو وضعي".

المحاكمة "الصورية"

بعد أربعة أشهر ونصف، جاء الحراس إلى زنزانة عبد الكريم "وضعوا عصابة على عينيّ وكبلوا يديّ. ثم وضعوني في شاحنة وأخذوني إلى مكان آخر، وأزالوا الأغلال والعصابة عن عيني وقالوا: محاكمتك على وشك البدء".

حُكم عليه لاحقًا بالسجن لمدة 12 شهرًا بتهم من بينها: "العمل مع مجموعات تضر بالأمن العام"، و"التحريض ضد السلطات"، و"نشر وترويج أكاذيب تمس المؤسسات من دون دليل".

ويقول عبد الكريم إنه لم يستطع منع نفسه من الضحك عندما أدين في جميع هذه التهم بعد بضعة أسابيع. "اعتقدت أنه كان أطرف شيء. لم يعجبهم ذلك كثيرًا فسألوني: لماذا تضحك؟ قلت: أنا أضحك لأنني اعتدت تقديم الكوميديا ​​الارتجالية، لكن لا يمكنني كتابة النكات مثلكم يا رفاق. وقلت: لا عدالة في هذا. لا توجد عدالة إسلامية ولا علمانية. لا توجد عدالة في هذا على الإطلاق".

بعد الحكم عليه، يلفت عبد الكريم إلى أنه عُرض عليه (احتمال) الإفراج المبكر إذا وافق على الاعتذار كجزء من التماس الرأفة. إلا أنه رفض القيام بذلك وكان مستعدًا لقضاء عقوبة السجن البالغة 12 شهرًا كاملة.

تم إطلاق سراح عبد الكريم في نهاية المطاف في الـ17 من شباط الماضي بعد ما وصفته "هيئة تحرير الشام" بـ التماس قدمه شيوخ منطقة أطمة في إدلب.

علاقة ودية

وأشار عبد الكريم إلى أنه كان يتمتع في السابق بعلاقة ودية مع الهيئة، وكذلك مع جماعات المعارضة الأخرى التي تقاتل ضد قوات نظام الأسد وحلفائها، والذين غالبًا ما كان يرافقهم إلى جبهات القتال لتغطية الصراع.

وسعى مراراً وتكراراً إلى منح "هيئة تحرير الشام" فرصة للتحدث والدفاع عن نفسها عندما تم اتهامها بالإرهاب - وهو ما دفع بعضهم إلى وصفه بأنه "داعية جهادي".

لكن عبد الكريم أوضح أن الهيئة أصبحت معادية له بشكل متزايد منذ عام 2018، حيث أصبحت تقاريره أكثر انتقادًا لأوجه قصور الجماعة بعد أن رسخت نفسها كسلطة فعلية في إدلب.

وقال: "الآن، ما التغيير الذي حدث؟ التغيير بسيط. وصلوا إلى السلطة.. وبعد ذلك بدؤوا في فعل أشياء أخرى غير تلك التي قالوها عندما وعدوا بجلب الحكم الإسلامي، فلم يفعلوا ذلك. وعدوا بتحقيق العدالة، ولم يفعلوا ذلك. فاضطررت إلى الإبلاغ عن أوجه القصور هذه. ولذا ناصبوني العداء".

حقوق الإنسان: الهيئة مارست الاعتقال التعسفي والتعذيب

تسبق مزاعم تورط "هيئة تحرير الشام" وسابقاتها في الاعتقال التعسفي والتعذيب، صعودها إلى السلطة في إدلب. أشار تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نشرته اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الجمهورية العربية السورية، في آذار الماضي، إلى مزاعم الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز المرتبطة بالهيئة والجماعات ذات الصلة التي يعود تاريخها إلى عام 2011.

وقالت إن "هيئة تحرير الشام" كانت تحتجز المدنيين "بشكل تعسفي في محاولة منهجية لخنق المعارضة" وأنشأت "سجونا عقابية" ينتشر فيها "التعذيب وسوء المعاملة".

انتهاكات سابقة

قال عبد الكريم إنه سعى إلى الإبلاغ عن شكاوى سابقة من التعذيب ضد "هيئة تحرير الشام"، لكن معظم الذين يدلون بالادعاءات لم يكونوا مستعدين للتسجيل أو التعريف بأنفسهم.

واستشهد بتقرير نشرته On the Ground News في نيسان 2019 قالت فيه إحدى الأمهات إن ابنها (مروان) تعرض للتعذيب حتى الموت في أحد سجون الهيئة باعتباره "نقطة تحول" في علاقته بالجماعة.

قال عبد الكريم: "تغيرت سياستهم تجاهي، وقال لي بعض أعضائهم: بلال كنا نظن أنك لطيف. وقلت: حسنًا، أتدري ماذا؟ إذا كان التستر على تعذيبك يعني أنني رائع، فارجع وأخبرهم أنني لست رائعًا ولن أكون رائعًا لأن هذا ليس ما جئت إلى هنا من أجله".

نفي "هيئة تحرير الشام" إساءة معاملة السجناء وتعذيبهم

في مقابلة مع الصحفي الأميركي "مارتن سميث" عبر منصة (فرونت لاين) على قناة PBS تم تصويرها في شباط المنصرم، وبُثت يوم الثلاثاء الماضي، قال "الجولاني" إنه "لا يوجد تعذيب" في إدلب "هذا مرفوض تماما"، وأشار إلى أن سجون المنطقة كانت تحت سيطرة "حكومة الإنقاذ" -الواجهة المدنية المدعومة من هيئة تحرير الشام- وليست تحت سيطرة الجماعة نفسها.

وأضاف الجولاني: "لسنا مسؤولين عن الاعتقال والتعذيب والعملية برمتها في المحاكم. السلك القضائي مستقل تماما في المناطق المحررة. إنها ليست لنا. هناك حكومة كاملة هنا".

الجولاني "غير صالح للحكم" وحكومة الإنقاذ "خدعة"

لكن عبد الكريم قال: "إن الجولاني والمدافعين عنه في هيئة تحرير الشام مذنبون بالتغاضي عن الانتهاكات نفسها التي دانوها ذات مرة عندما نفذتها قوات الأمن التابعة للرئيس السوري بشار الأسد".

وأشار إلى أن أحد مسؤولي الهيئة تحدث إليه محاولاً الدفاع عن موقف "الجولاني" بالقول إن الإيذاء الجسدي الذي يتعرض له السجناء "لا يرقى إلى مستوى التعذيب ويُسمح به كشكل من أشكال العقاب لحملهم على الاعتراف بأخطائهم".

وأردف عبد الكريم: "قلت له حسنًا، أولاً: لقد بدأت تقلّد الأميركيين حين يقولون نحن لا نسمي ذلك تعذيباً وإنما تقنيات استجواب محسنة. ولكن التعذيب بأي اسم آخر لا يزال تعذيبًا. ثانياً: ضرب الناس وتعليقهم لفترات طويلة والجلد على باطن أقدامهم وظهر أرجلهم.. هذه الأشياء دان بها زعيمكم الجولاني نظام الأسد على فعلها. فكيف تفعلون الشي نفسه بالضبط؟".

 

 

ولفت الصحفي الأميركي إلى أنه لا يعتبر "الجولاني" (إرهابيًا)، لأن الهيئة لم تسعَ لتنفيذ هجمات خارج سوريا. لكنه أكّد أنه لن يلتزم الصمت بشأن عيوب "الجولاني" كقائد، مشيراً إلى أنه كان "يغازل الشرعية الغربية" من خلال التحدث إلى PBS.

وقال: "لا أعتقد أنه إرهابي. أعتقد أنه غير لائق للحكم إذا كان سيستمر في الطريق الذي يواصل مسيرته الآن. لذا إذا كان يريد الشرعية الغربية ويريد أن يلاحقها، فلا بأس بذلك. هذا عمله. ولكن إذا كان يعتقد أنني سأبقى صامتًا في حين يعذب ويحتجز طريقه إلى السلطة إلى أجل غير مسمى، فالجواب كما نقول في أميركا: لم آت إلى فيغاس لأخسر".

ووصف عبد الكريم "حكومة الإنقاذ" بأنها "خدعة". وقال: "لا أحد هنا يعطي أي مصداقية كبيرة لحكومة الإنقاذ. أشك في أن هناك واحدًا من كل مئة شخص يمكنه أن يخبرك من هو رئيس حكومة الإنقاذ، لأن الجميع يعلم أنها لا تملك أي سلطة".

مغادرة مناطق سيطرة "الهيئة"

عبد الكريم أعلن في لقائه أنه غادر (الآن) الأراضي التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" بسبب مخاوف على سلامته بعد أن أخبره مسؤولو الهيئة أنه يُعتبر "تهديدًا أمنيًا".

"أبلغوني أنهم يعتبرونني تهديدًا في هذه المناطق أكثر من انتحاري في تنظيم (داعش). وقالوا إن السبب في ذلك: لأن الناس يستمعون إليك. لذلك اضطررت إلى مغادرة أراضيهم. يمكنني إما أن أكون هادئًا وأن أفتح (كشك نقانق/هوت دوج) أو مطعم بيتزا. أو يمكنني القول إنني سأغير موقعي وسأواصل الإبلاغ".

وأضاف أنه لا يزال ملتزما بنقل ما يحدث في سوريا "على الرغم من المخاطر. أعتقد أن الشعب السوري يتمتع بقدرٍ هائل من المرونة والبراعة، وأعتقد أنهم سيبلغون القمة في النهاية، وهذا سيكلف كثيراً. من المهم أن يفهم الجميع أنه إذا كنت تريد تغييرًا حقيقيًا فلن يحدث بين عشية وضحاها".

وختم قائلاً: "لذا فإن معركتي مستمرة. وطالما أنا فعال، فسأستمر في البقاء هنا. عندما لا أصبح فعالاً بعد الآن، فسألتقط كراتي الزجاجية (الدحل) وأذهب".

 

/المصدر: middle east eye/