
أطلق مجموعة من مهجري مدينة الزبداني في ريف دمشق مبادرة لجمع التبرعات بهدف إعادة تشجير سهل المدينة، الذي يُعد من أهم المناطق الزراعية في سوريا، والتي تعرضت للدمار خلال سنوات الثورة السورية من جراء حملة ممنهجة نفذتها قوات النظام المخلوع في أثناء حصارها للمنطقة.
بجهود تطوعية وتنسيق مع جمعيات خيرية، تهدف الحملة إلى إعادة الحياة للسهل، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق استدامة زراعية طويلة الأمد. ويأمل القائمون على المشروع أن يُسهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان، لا سيما المزارعين الذين فقدوا مصادر دخلهم.
تدمير ممنهج واقتلاع لأشجار عاشت عشرات السنين
وعمدت قوات النظام المخلوع وميليشيات حزب الله اللبنانية خلال حملتها العسكرية للسيطرة على المدينة بين عامي 2012 و2016 إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها في غالب حملاتها العسكرية على المناطق الثائرة ضدها في سوريا. فكانت أشجار سهل الزبداني العائق الأبرز أمام تقدمها والضحية الأولى لآلتها الحربية الدامية، ما حوَّل السهل إلى أرض جرداء بعد أن كان جنة غنَّاء تُلهم الشعراء وتجذب الباحثين عن الهدوء والهواء النقي.
ولم تقتصر أهداف هذه الحملة الممنهجة على الأهداف العسكرية، بل كانت مصدر دخل مهم لعناصر هذه القوات التي استفادت من بيع مئات الأطنان من خشب هذه الأشجار العائدة لأبناء المنطقة.
تنظيم الحملة وأهدافها
وأُطلقت المبادرة من قبل مجموعة من أبناء الزبداني في المهجر، وجرى التنسيق مع جمعيات خيرية مثل "الزبداني الخيرية" و"جمعية البر والإحسان" و"الغيث"، لتشكيل لجان خاصة لتنظيم العمل، والاستعانة بفريق من المهندسين الزراعيين لإحصاء الأراضي القابلة للزراعة في السهل، وفقًا لحسن مصطفى، أحد المسؤولين عن حملة جمع التبرعات.
وقال مصطفى، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إنهم استطاعوا تأمين نحو 30 ألف غرسة من أشجار التفاح، والدراق، والخوخ، والأجاص كمرحلة أولى من المبادرة التي تهدف إلى تغطية أكثر من 700 هكتار من الأراضي التي تم إحصاؤها، وهو ما يتطلب نحو 280 ألف غرسة تتجاوز تكلفتها 300 ألف دولار أميركي.
وأضاف أن المبادرة ستشمل أيضا تأمين أشجار الجوز والزيتون وأشجار الزينة والتسييج، كما يسعون إلى توسيع المبادرة لتشمل تشجير الطرقات داخل مدينة الزبداني، التي كانت تُعد الرئة الطبيعية لدمشق و"عروس المصايف السورية" قبل أن يتعرض سهلها للدمار.
التخطيط على المدى الطويل والاحتياجات المستقبلية
من جانبه، أوضح جميل سعدا، مدير منظمة "الزبداني الخيرية"، لـموقع تلفزيون سوريا، أن المبادرة مخطط لها أن تمتد على فترة ثلاث سنوات لتغطية جميع المناطق القابلة للزراعة.
وأشار سعدا إلى أنّ جدول التشجير سيكون على شكل مشاريع نصف سنوية، ستنتهي بزراعة 5500 دونم بنهاية السنوات الثلاث.
ويُقدّر القائمون على المبادرة أن تكلفتها الإجمالية قد تصل إلى مليون دولار أميركي، في حال شملت كل المصاريف المتعلقة بحفر الآبار، وشق الطرق، وتوفير الأسمدة، والمستلزمات الزراعية، وتأمين الأيدي العاملة، الأمر الذي يحتاج إلى تنسيق على مستوى أوسع مع منظمات محلية ودولية، بحسب سعدا.
كيف ستنعكس هذه المبادرة على أهالي المنطقة؟
أشار سعدا إلى أن سهل الزبداني يُعد مصدر الرزق الأساسي لسكان الحي الغربي، الذي يُشكل الكتلة السكانية الأكبر في المدينة، وبالتالي فإن نجاح المشروع يعني تشغيل عدد كبير من الأهالي، وإعادة تنشيط القطاع الزراعي، علاوة على إعادة تنشيط حركة السياحة، التي كانت تُعد مصدر الرزق الرئيسي لسكان المنطقة إلى جانب الزراعة.
واعتبر أن إعادة عجلة اقتصاد المنطقة بهذه الطريقة سيكون عاملًا مشجعًا لعودة الأهالي المهجرين خارج البلاد، وجاذبًا مهمًا للاستثمارات المحلية والدولية، الأمر الذي سيسهم في عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل أسرع، خاصة في ظل انفتاح السوق وحرية الحركة بعد سقوط النظام المخلوع.
وأوضح سعدا آلية توزيع الغراس، قائلًا إن الأولوية في التوزيع ستكون لعائلات الأيتام الذين يمتلكون أراضي قابلة للزراعة، وتتوفر فيها مصادر للري، بحيث يتم زراعة ثلاث دونمات كحد أقصى لكل عقار، على أن تشمل عملية التوزيع باقي العقارات في المراحل المتقدمة، ما يضمن الأمان الاقتصادي للعائلات الأكثر ضعفًا وتضررًا.
الأثر البيئي وإعادة التوازن الطبيعي
بدورها، أوضحت المهندسة الزراعية جيهان رمضان، التي قدمت استشارات فنية للمشروع، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن إعادة تشجير السهل ضرورية للحفاظ على التوازن البيئي ومنع التصحر.
وأكدت رمضان أن فقدان الغطاء النباتي أدى إلى تراجع المياه الجوفية، وزيادة التعرية الريفية، وانخفاض أعداد بعض الأصناف النباتية والحيوانية المهمة، مثل الإجاص البري. وأشارت إلى أن إعادة زراعة السهل ستسهم في تقليل التلوث، وتعزيز التنوع الحيوي، وتحسين جودة التربة.
وبالرغم من أن بعض السكان الذين عادوا إلى الزبداني بعد عام 2016 استثمروا بعض الأراضي بزراعة المحاصيل الصيفية، مثل الفول، والقمح، والبازلاء، إلا أن إعادة زراعة الأشجار ضرورية للحفاظ على البيئة الزراعية ومنع تدهور التربة على المدى البعيد.
التحديات والعقبات
ورغم الحماس الكبير الذي يحيط بالمبادرة، إلا أن المشروع لا يقتصر فقط على تأمين ثمن الغراس، بل إنه يواجه عدة تحديات، أبرزها، بحسب رمضان، نقص مصادر الري، إذ إن العديد من الآبار التي كانت توفر المياه للمنطقة قد دُمرت خلال حملة النظام العسكرية، وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل كبير، علاوة على الحاجة إلى إنشاء آبار أخرى لتعويض النقص الحاد في الري.
وأردفت أن من الصعوبات الأخرى توفير الشتلات والأدوات الزراعية، حيث تحتاج الحملة إلى تمويل ضخم لتغطية تكاليف الأشجار والمستلزمات الأخرى، وضمان استدامة المشروع من خلال توفير الأسمدة ومبيدات الآفات، والتأكد من زراعة أصناف مقاومة للصقيع والأمراض.
وأشارت إلى أن الفترة الطويلة التي كان فيها السهل أجرد لم تحدث تغييرات كبيرة في التنوع الحيوي وفي التركيبة الغذائية للتربة، إذ إنها لم تتعرض للغمر طويل الأمد بالمياه أو للحرق المتعمد. كما عبرت عن اطمئنانها لسهولة تأمين الأسمدة والأدوية الزراعية بعد سقوط النظام المخلوع وإمكانية إزالة العقوبات الدولية عن البلاد.
ختاما، تمثل حملة إعادة تشجير سهل الزبداني خطوة مهمة نحو استعادة الدور الزراعي والاقتصادي للمنطقة بعد سنوات من التدمير والتصحر. وبينما تظل التحديات المالية واللوجستية قائمة، يعوِّل الأهالي على دعم الجاليات السورية في الخارج، والتنسيق مع منظمات دولية لتأمين التمويل اللازم. ومع استكمال المشروع، يأمل القائمون عليه أن يعود السهل ليكون الرئة الزراعية لدمشق، ومصدر رزق لمئات العائلات، ومحورا لاستعادة النشاط السياحي في المدينة.