بشار الأسد ينقلب على مواليه

2022.04.05 | 06:14 دمشق

30_03_13136467589312_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعبارات مدبجة وخشبية أصدر بشار الأسد الأسبوع الماضي مرسوما يعدّل فيه مواد من قانون العقوبات. وقد جرّمت تلك المواد "كل من يذيع أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها، قد تنال من هيبة الدولة أو مكانتها، إلى الحبس ستة أشهر على الأقل". التعديلات عاقبت أيضا " كلَّ من يذيع أنباء من شأنها تحسين صورة دولة معادية للمساس بمكانة الدولة السورية". من دون أن تنسى التوعد بكل من "يبث اليأس والضعف" و" يمس بالهوية الوطنية"، و"يوقظ النعرات العنصرية أو المذهبية" بالاعتقال. ولكن لماذا أصدر بشار الأسد هذه التعديلات على الرغم من أنه ليس بحاجة لها أصلا، فسجونه وأجهزته الأمنية تكمّ أفواه الجميع، وتسجن وتقتل السوريين منذ عام 2011 يوميا، من دون حسيب أو رقيب، ومن دون هذه التعديلات؟

الموالي، وإن كان مع النظام، وإن كان يعتقد بمؤامرات كونية عابرة للقارات، وإن وصلت درجة صبره على الفقر والجوع والفساد إلى مستويات لم تشهدها سوريا منذ أزمان بعيدة، فإن ذلك لا يبرر له الحديث في قضايا تغمز من مكانة الدولة أو رئيسها.

أهم ما يمكن ملاحظته على هذه التعديلات أنها موجّهة للداخل، وبشكل خاص للموالين المتذمرين، أو من تسوّل له نفسه رفع مستوى النقد والتشكي من الأوضاع الصعبة. وبالفعل سرعان ما توجّس من تلك التعديلات الناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي في مناطق سيطرة النظام، حتى إن بعضهم أعلن توقفه التام عن البث على تلك الوسائل، ومنهم الفيسبوكي المعروف في الداخل، بشار برهوم، الذي قال، بعد إعلانه التوقف عن البث على صفحته، وبوضوح " جلدي ما يتحمل قتل وما فيني عالسجن 6 شهور".

أن يُجّرم بشكل واضح من يتحدث كلاما قد ينال من "هيبة الدولة"، أمر قديم ولا يحتاج لتعديلات، كما أن استبدال جملة " يبث اليأس والضعف" بـجملة " وهن نفسية الأمة"، وما إلى ذلك من أمور لا تهم النظام كثيرا هذه الأيام. ما يهم النظام في هذا المقام هو خفض مستوى الحديث السياسي ومشاغله في أوساط الرأي العام في الداخل، وهي أمور تكررت خلال الأشهر القليلة الماضية أكثر من مرة مع فنانين وشخصيات عامة. فهذه التعديلات حتى لا يتعود الناس على الحديث بلا سقف، وهذا يعني أن الموالي، وإن كان مع النظام، وإن كان يعتقد بمؤامرات كونية عابرة للقارات، وإن وصلت درجة صبره على الفقر والجوع والفساد إلى مستويات لم تشهدها سوريا منذ أزمان بعيدة، فإن ذلك لا يبرر له الحديث في قضايا تغمز من مكانة الدولة أو رئيسها.

فالتعديلات تريد أن تذكر الموالين بأنهم شركاء مع النظام الأسدي وأنه لا ينسى لهم هذه المواقف التي بدونها لما كان النظام على ما هو عليه اليوم. ولكنها تريد أن تذكرهم، أيضا، بأنهم شركاء بالفعل غير أنهم شركاء من موقع " التابع " وليس من موقع " الندّ أو الشريك"، ومن الضروري أن يذكّر كل طرف الطرف الآخر بمكانته الحقيقية.   

يعتقد بشار الأسد أن عقد الشراكة بين الطاغية ومواليه واضح وصريح منذ أيام "الوالد" ولا يجوز لأحد أن يفكر بتغيير ما. " منك العطاء ومنا الوفاء"، الوفاء من دون لعب، وغمز ولمز. هيبة الدولة، كما يبيّن ميكيافيلي في كتابه الشهير" الأمير" من الأمور التي لا يمكن للطاغية السماح لأحد أن يمسّ بها، فالهيبة مفهوم حساس، وأي خدش، ولو كان بسيطا سيؤدي إلى ضياعها كاملة. وبشار الأسد أجرى هذه التعديلات لكي يقول للموالين إن عليكم التعقّل والانتباه لأحاديثكم في السياسة، وما عقوبة الستة أشهر سوى " فركة أذن" وأمر بسيط قياسا بما حصل ويحصل للمعارضين، فعليكم أن تشكروني لأني ما زلت باقيا عليكم وحافظا لصنيعكم. ثم إني لم أجبركم على البقاء معي فأنا، كما تعلمون أكثر مني بذلك، لست بحاجة إليكم اليوم، بل أنتم بحاجتي، وأنا صاحب الفضل عليكم. وحتى هذه اللحظة من يريد أن يترك البلاد فليخرج غير مأسوف عليه، وأنا عندي ما يغني عن كثير منكم. وإذا كنتم ستحاججونني بأننا انتصرنا معا، ونحن شركاء في هذا النصر، فعليكم أن تتذكروا أن هذا الكلام نقوله لأعدائنا وليس عليكم أن تصدقوا كل ما يقال. فالنصر في حقيقته هو لي وحدي ولا يعني أكثر من أنني ما زلت على رأس السلطة.   

بشار الأسد أجرى هذه التعديلات لكي يقول للموالين إن عليكم التعقّل والانتباه لأحاديثكم في السياسة، وما عقوبة الستة أشهر سوى " فركة أذن" وأمر بسيط قياسا بما حصل ويحصل للمعارضين

قبل عام 2011 كانت هذه القضايا، ولا سيما المواد (285- 286- 287) من قانون العقوبات، كانت من اختصاص المحاكم العسكرية حيث تصل العقوبات إلى 15 سنة سجن وهناك من مكث أكثر من ذلك. وهذا يَعني أن لديَّ أسلحة كثيرة لم أشهرها في وجوهكم، فلا تضطروني إلى ذلك. التخفيض من خمسة عشر عاما إلى ستة أشهر فقط هو تنازل كبير من قبلي، وعليكم ملاحظة ذلك جيدا إذا أردتم البقاء في سوريتي. بل إنني أستغرب عدم خروجكم بمظاهرات فرح وتعبير عن الشكر على الجميل. فالأب في النهاية قد يعاقب أولاده عقوبات خفيفة، ولكنها في الغالب عقوبات لصالح أولاده الذين عندما يكبرون يدركون أهميتها، وكم كان هو مهتما بأمرهم.

حتى إذا اعتبرتم هذه التعديلات انقلابا مني عليكم فيمكنكم أن تدرّبوا أنفسكم أكثر في دهاليز السياسة، فأنا لست جمعية خيرية كما يريد بعضكم، والسياسة هنا تعني القوة والجبروت، ومن يملك القوة يحق له القيام بكل شيء. كنت أعتقد أنكم تعرفونني أكثر مما بدا لي في أحاديثكم التي اطّلعت على بعضها، وهي أحاديث ينقصها النضج والعقلانية، وتتضخم فيها العواطف والانفعالات. بالتأكيد لست حاقدا عليكم، ولكني أيضا عندي الحكم ومتطلباته التي لا ترحم، ومن قال لكم "ليس بالخبز وحده يحيا" الإنسان فلا تصدقوه واشكروا نعمة الله عليكم وفكّروا بأنكم قد تعانون من قلة الخبز في المستقبل القريب. وهذا أسلم لي ولكم.   

كلمات مفتاحية