بشار الأسد يحتقر عقول السوريين بالتحليل الاقتصادي أيضاً

2020.11.13 | 23:01 دمشق

5263.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن قصة أموال السوريين تشابه آلامهم وأحلامهم، فهي منهوبة ومغتصبة ومهربة منذ أواخر الستينيات، حيث إن تدفق الأموال لخارج سوريا لم يتوقف يوماً، وإن كانت الأرقام والمبالغ متباينة ومرتبطة بسياق السياسات والبلطجة الاقتصادية في الدولة السورية، وعلى اعتبار أن لبنان يمثل الخاصرة الحيوية والمُتنفس الاقتصادي والمالي لأصحاب الأموال والأعمال فقد كانت الوجهة الأولى للتدفقات المالية السورية، وربما لن تكن الأخيرة في كثير من الأحيان..

وكان الرقم الذي صرح به بشار الأسد أمام جمهوره حول حجم ودائع السوريين في لبنان يفتقر للمنطق والدقة حيث تأرجح بين 20 و40 مليار دولار، إلا أن هذا التصريح غني باللؤم والتنصل من مسؤولية الخراب الذي حل بالاقتصاد والمال السوري ومحاولة لرمي الكرة في ملعب المصارف اللبنانية والمودعين الهاربين بأموالهم وكرامتهم..

تناسى وأغفل عشر سنوات من الحرب العبثية والمدمرة للسوريين بدمائهم ومالهم وأرضهم، وما رافقها من آثار حصار وعقوبات وتعطل عجلة الاقتصاد الكلي بنسبة تزيد على 65٪ مما دفع ببعض السوريين بالفرار بأموالهم إلى لبنان ومصر وتركيا والإمارات، ولم يخطر بباله أن هناك بيئة اقتصادية طاردة وغير آمنة في سوريا، وذلك قبل عام 2011 حيث كانت مافيات المال تعبث بمقدرات البلاد بصيغة لا شريك لنا إلا الأسد، وحسب مصادر داخلية في سوريا فإن حجم ودائع السوريين في لبنان قبل اندلاع الثورة بلغ 16 مليار دولار، وشهدت مرحلة الثمانينيات تدفق مبالغ مالية كبيرة فرّت من سوريا وجزء منها توجه إلى المصارف اللبنانية، وحسب مصادر لبنانية مصرفية فإن حجم ودائع السوريين  في لبنان لا تتجاوز 8 مليارات دولار بعد 2011، وعموماً لكون عمليات الإيداع تتمتع بسرية مصرفية وجزء منها جاء بطرق غير رسمية فمن الصعب تحديد مبلغ ورقم دقيق، إلا أن تضخيم الرقم يأتي لاستخدامات سياسية.

ونظراً للتداخل الكبير في الأنشطة المالية بين سوريا ولبنان ووجود حوالي 40 فرعا لمصارف لبنانية في سوريا، والسمعة الائتمانية النظيفة للمصارف اللبنانية، وغياب الوعاء المصرفي الخاص لمدة طويلة في سوريا، وحالة انعدام الثقة بين السلطة السورية ومواطنيها من أصحاب الفعاليات والأموال، والدور التداخلي السافر للدولة في النشاط الاقتصادي فمن الطبيعي أن يكون هناك حجم ودائع للسوريين في الأوعية المالية اللبنانية، وللمعلومات لابد من الإشارة إلى أن المصارف اللبنانية كانت تحاول عدم قبول المزيد من الإيداعات السورية في مصارفها بعد 2012 خشية من عمليات تبييض أموال وسلوكيات لها تبعات سياسية وملاحقات دولية.

ومن زاوية ثانية وهي الأكثر خطورة فقد كان شركاء السلطة في سوريا في نهب خيرات ومقدرات البلاد من نفط وثروة معدنية وباطنية واتصالات واستثمارات مختلفة، يهربّون الأموال المنهوبة عبر لبنان إلى جهات واتجاهات أكثر أماناً، وكثير من السوريين يعرفون ويتداولون فيما بينهم – سراً آنذاك – قصص وحكايا الخط العسكري إلى لبنان الذي لا يخضع لأي نوع من الرقابة والتفتيش في حين يُساق مجند بسيط وسائق إلى سجون تدمر بتهمة تهريب فناجين القهوة وعلبة سجائر تضر بالاقتصاد الوطني، وإمبراطورية آل مخلوف التي يريد بشار الأسد توريثها لزوجته، تنقل الدولارات بأكياس الشعير والقمح لخارج الحدود وكأنها تنقل البرتقال.
وتعود الإيداعات السورية في المصارف اللبنانية إلى فئتين: أصحاب رؤوس أموال وحسابات الرواتب، ولازال الكثير من السوريين المهاجرين واللاجئين يرسلون تحويلاتهم المالية لذويهم في الداخل السوري عبر الأوعية المالية اللبنانية، ومن كل ما تقدم ذكره وما لم يتم الإشارة إليه تبقى معاناة السوريين هي عنوان المشهد المستمر.

والمثير للشفقة وللدهشة أن كل الأطراف المعنية بالحرب على الساحة السورية تعلمت واستفادت من الدروس، وغيرت وطورت بخطابها وطريقة تعاطيها مع الأحداث والأزمات المتلاحقة، بما في ذلك التنظيمات المتشددة والجهادية والمؤدلجة، باستثناء نظام الحكم في سوريا لازال في ذات العقلية العدائية والناكرة والمحتقرة لإرادة السوريين وفي نفس الخطاب الممجوج، فمنذ مجسمات للمتظاهرين في قطر والتظاهر مقابل الصندويش، وتخوين 75٪ من السوريين، وخلصت الأزمة، حتى آخر إطلالة لسيادته محللاً اقتصادياً فذاً يستغبي جميع السوريين ويحاول لفت أنظارهم فأثار سخريتهم وشفقتهم عليه.