althania
icon
التغطية الحية

بشارة: الرئيس أحمد الشرع أنجز عملا تاريخيا مهما والإسراع بالانتخابات ليس أولوية

2025.02.10 | 02:53 دمشق

63
المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- الوضع في سوريا بعد الثورة: تمر سوريا بمرحلة معقدة بعد الثورة، حيث أُزيح حمل ثقيل عن صدور الناس مما منحهم الأمل، لكن ظهرت تحديات كبيرة مثل تعطيل الدولة وغياب الجيش والأمن الداخلي، مما يتطلب التركيز على المسائل الأمنية والاقتصادية لإعادة بناء الدولة.

- العدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة: أكد بشارة على أهمية العدالة الانتقالية لتجنب الفوضى، مشيرًا إلى ضرورة إنشاء محاكم للجرائم الكبرى وتحقيق التوازن بين المحاسبة وإعادة البناء، مع التركيز على بناء جيش وطني متماسك.

- التحديات الإقليمية والدولية: تناول بشارة تصريحات ترامب بشأن غزة، محذرًا من خطورتها وضرورة رد قوي من الدول العربية لحماية الحقوق الفلسطينية ومنع التهجير، مؤكدًا أن التهاون يشجع على استمرار الطروحات لإنهاء القضية الفلسطينية.

قال الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إنّ سوريا تمر بمرحلة مركبة، وبالتأكيد من زارها شعر بالأمل والفرح، مضيفاً أن هناك أملا كبيرا، خاصة بعد الثورة التي وُوجهت بحرب شاملة، بعد خمسة عقود من الحكم السابق، بدا وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن صدور الناس، مما منحهم فرصة للتنفس، لكن في الوقت ذاته بدأت بعض المخاطر في الظهور.

وأضاف بشارة في لقاء على شاشة ومنصات تلفزيون سوريا والتلفزيون العربي، أنه مع الأمل، برزت أيضاً تحديات كبيرة، وهي أن الدولة كانت معطلة، ولحسن الحظ، كان هناك من يسد الفراغ بسرعة، فلم تحدث فوضى شاملة أو انهيار تام أو حرب أهلية، بل كان هناك طرف منظم تولى الأمور وأنشأ عنواناً واضحاً، ما أعطى الناس أملاً في نجاح البناء، ومع ذلك، فإن الدولة بحد ذاتها لم تكن موجودة عملياً، فالجيش كان غائباً، وأجهزة الأمن الداخلي لم تكن فاعلة لفترة طويلة، كما أن الوزارات كانت معطلة بسبب نقص الميزانيات.

في ظل هذه الظروف، تنشأ مخاطر كبرى مثل أخذ القانون باليد، والثأر، والانتقام، والحساسية الاجتماعية، والاضطرابات التي قد تتفاقم نتيجة الجوع والأوضاع الاقتصادية الصعبة، لهذا، تعد المسألتان الأمنية والاقتصادية الأولويتين الأساسيتين قبل الحديث عن أي شيء آخر، يجب التعامل مع الأمن والاقتصاد بسرعة لتهدئة الوضع واستغلال الوقت في إعادة بناء الدولة.
 

وأشار بشارة إلى أن الأمر لا يتعلق ببناء دولة جديدة، بل باستعادة الدولة لعافيتها، من الخطأ أن لا يفرق السوريون بين النظام والدولة؛ فالدولة السورية قائمة منذ الاستقلال، وبها كوادر وبُنى وأجهزة إدارية، وخلال العقود الخمسة الماضية، تعرضت هذه البنية للضرر بفعل الديكتاتورية، لكنها لم تختفِ تماماً، البيروقراطية ضعفت، لكن مؤسسات الدولة لا تزال موجودة.

وتابع: "لم يكن حل الجيش بالكامل قراراً صائباً، لكن تصحيح هذا الخطأ من خلال إعادة بناء الجيش أمر بالغ الأهمية، لا يعني ذلك الاحتفاظ بكل ما كان موجوداً، بل إعادة استدعاء من يمكنهم أداء الخدمة، وهو ما تم بالفعل عبر دمج الفصائل ثم استدعاء العناصر المطلوبة، من الضروري أن يتم ذلك بطريقة صحيحة، وإلا ستبقى الفصائل كيانات منفصلة داخل المؤسسة العسكرية، مما يعيق تكوين جيش وطني متماسك".

مسألة الأمن والأولويات

أوضح بشارة، أن المجتمعات المحلية يجب أن تكون مسؤولة عن أمنها الذاتي، دون الحاجة إلى جلب قوات أمنية من مناطق أخرى، الأمن يجب أن يكون قائماً على المجتمعات المحلية، من خلال الشرطة العادية التي تتعامل مع القضايا اليومية للناس، وليس كل شيء يتعلق بالسياسة، فهناك قضايا اجتماعية تمس حياة المواطنين اليومية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك هيئات أخرى تُعنى بالمواصلات، والاقتصاد، والضرائب، وتراخيص البناء، والمخططات العمرانية، وكل هذه الأمور لا يجب أن تكون بالضرورة ذات طابع سياسي، لا ينبغي أن تدار هذه الهيئات من قبل أشخاص لديهم ولاء سياسي حصري لجهة معينة، بل يجب الاستفادة من البيروقراطية القائمة في الدولة، وبحسب بشارة، صحيح أنه قد تتسرب بعض العناصر القديمة إلى هذه المؤسسات، لكن في النهاية، هذه دولة وشعب، وسيكون من الطبيعي حدوث بعض المشكلات هنا وهناك.

من جهة أخرى، الإدارة السورية تواجه هذا التحدي يومياً، وهناك صعوبة في إيجاد التوازن بين الحفاظ على البيروقراطية والاستعانة بضباط سابقين، وبين تلبية المطالب الشعبية بمحاسبة المتورطين في الجرائم، ومع ذلك، يمكن ضبط هذه المعادلة، خاصة أن القيادة الحالية لديها رصيد كافٍ يسمح بذلك، هناك مطالب حقيقية من قبل الناس، سواء تعويضات عن الأضرار أو محاسبة المجرمين، لذلك من الضروري الإعلان عن إجراءات قانونية واضحة في أسرع وقت ممكن لجمع الشكاوى والشهادات، وتشكيل محاكم لمحاسبة المتورطين.
 

ولفت الدكتور، إلى أنه يجب إنشاء محكمة للجرائم الكبرى إلى جانب محاكم عادية لمعالجة شكاوى المواطنين، هذه العملية تُعرف في العالم باسم "العدالة الانتقالية"، والتي تُستخدم عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى في تاريخ الدول، لتجنب بقاء البلاد في حالة حرب أهلية مستمرة قد تؤدي إلى تدميرها على المدى الطويل، المحاكم ستعمل على تحقيق العدالة، وفي بعض الحالات ستلجأ إلى المصالحات والتسويات، لأن العقوبات وحدها ليست حلاً دائماً.

التاريخ يثبت أن الدول التي خرجت من صراعات كبرى، مثل ألمانيا بعد النازية، تمكنت من النهوض من خلال توازن بين المحاسبة وإعادة البناء.

عند تحسن الأوضاع، يمكن الحديث عن التعويضات والتسويات، لكن لا يمكن أن تبقى البلاد عالقة في هذه الحالة إلى الأبد. الواقع على الأرض ليس كما تصوره وسائل التواصل الاجتماعي، التي غالباً ما تضخم الأمور. الشارع أكثر هدوءاً وواقعية، وأولويات الناس اليوم تتعلق بالكهرباء، والخبز، والرواتب والطعام. الإدارة الجديدة تحاول التركيز على هذه القضايا من خلال تحسين العلاقات الدولية والحصول على الاعترافات اللازمة، وهي تعمل في وقت يتطلع فيه العالم إلى تحقيق الاستقرار في سوريا.

وتابع المفكر العربي: "يجب أن يُمنح المسؤولون فرصة للعمل دون ضجيج إعلامي، خصوصاً فيما يتعلق بالثأر والانتقام، وهو ما يُستغل في بعض الأحيان من قبل أشخاص لديهم أجندات شخصية. العدالة الانتقالية ضرورية، لكن يجب أن تُنظم وتُقنن، لأن السماح للناس بأخذ القانون بأيديهم يعني انهيار الدولة تماماً. الدولة تحتكر السلاح، وتشرّع القوانين، وتنفذها، وبدون ذلك، لن يكون هناك وجود لدولة".

وشدد على أن إعادة بناء الدولة السورية أمر جوهري، ولا يمكن تحقيق العدالة أو الديمقراطية دون دولة قوية، وهذا يتطلب ثقافة وعقلية مختلفة، كما أشار الرئيس أحمد الشرع، الذي شدد على ضرورة الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية بناء الدولة. خلال الأيام الماضية، أعلن عن خارطة طريق نصّب بموجبها رئيساً للفترة الانتقالية، وأكد أن حكومة انتقالية ستُشكل قريباً، إلى جانب لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني ولجنة أخرى لتشكيل برلمان مصغر.

العدالة الانتقالية

وأوضح أن العدالة الانتقالية تتطلب رؤية واضحة وآليات محددة، وبالنسبة لخارطة الطريق المطروحة، هناك نقاط جوهرية يجب تسليط الضوء عليها. أولاً، يجب الانتباه إلى أن الشعب السوري عانى طويلاً من عبادة الشخصيات، لذا لا ينبغي الانتقال فجأة إلى تبجيل شخصية جديدة بشكل غير نقدي. الرئيس أحمد الشرع يمتلك شخصية كاريزمية، وقد أظهر إرادة قوية في اتخاذ القرارات في اللحظات الحاسمة، مثل القرار التاريخي بالزحف إلى دمشق، وهو أمر يُحسب له.

وأشار إلى أن انتخاب الشرع رئيساً يُعتبر خطوة طبيعية لسد الفراغ، وهو نتاج ظرف معين، وتميز في مواجهته لتنظيم داعش وبناء إدارة معقولة في إدلب، قبل اتخاذ القرار المصيري بالتوجه إلى دمشق، والذي تطلب إجراء تسويات مع بعض القادة العسكريين هناك.

ونوه إلى أن الشرع نفسه صرح في مقابلة سابقة بأنه قدم تعهدات لضمان دخول دمشق بأقل الخسائر، ومن غير المنطقي أن يطالبه البعض اليوم بالتراجع عن هذه التعهدات، إذ إن أي رئيس منتخب يجب أن يحظى بثقة كافية لاتخاذ قرارات استراتيجية، حتى لو لم تتماشى مع العواطف الجماهيرية الجياشة.

أما بالنسبة للخطوات المقبلة، فمن المؤكد أنه سيتم تشكيل حكومة، ومن المتوقع أن تكون حكومة تعددية تضم أطيافاً متنوعة، دون اللجوء إلى المحاصصة الطائفية، بل وفق مبدأ الكفاءة، وإذا أصبح هذا النهج هو الأساس، فسيكون تطوراً إيجابياً يضمن مشاركة الجميع دون تمييز، لأن الهدف ليس إشراك فئات معينة لمجرد انتمائها، بل ضمان عدم إقصاء أي طرف بسبب هويته.

الضمان الوحيد لذلك هو ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة القانون، وإذا تم تحقيق ذلك، فلن تكون هناك حاجة مستمرة لمطالبة الأقليات بحقوق خاصة، لأن المواطنة بحد ذاتها ستكفل عدم تهميشهم، وعندما تصبح المواطنة كافية لضمان العدالة والمشاركة السياسية، سيتراجع الخطاب الطائفي لصالح هوية وطنية سورية جامعة.

الانتخابات

يعتقد بشارة، أنه من غير المؤكد أن التوجه الحالي في سوريا يسير نحو نظام ديمقراطي ليبرالي أو أن الانتخابات المقبلة ستكون تعددية وحزبية بالكامل. لتحقيق ذلك، هناك حاجة إلى قانون للأحزاب، وتسجيل رسمي لها، وضمان حرية التعبير، لكن هناك نقطتان أكثر أهمية في هذه المرحلة.
 

أولاً، الإسراع في إجراء الانتخابات ليس أولوية في ظل غياب الاستقرار المؤسساتي للدولة، إذا لم تكن الدولة ومؤسساتها مستقرة، فإن الانتخابات قد تؤدي إلى الفوضى، كما حدث في بعض الدول الإفريقية والعربية مثل ليبيا، كما أنه لا يمكن إجراء انتخابات قبل الاتفاق على المبادئ الدستورية، حتى تتم تحت سقف وطني متفق عليه.

ثانياً، لا معنى لكل هذه الإجراءات إذا لم يتم الحفاظ على الحريات وضمانها، أولاً خلال المرحلة الانتقالية، ثم في الدستور نفسه، فالثورة السورية رفعت شعار "حرية للأبد"، وكان ذلك رداً مباشراً على شعار "الأسد إلى الأبد"، بالنسبة للسوريين، الحرية ليست مجرد مفهوم فلسفي، بل هي واقع حياتي يعني عدم الاعتقال التعسفي، وعدم التعرض للانتهاكات.

وشدد بشارة على أن الشعب السوري دفع ثمناً باهظاً من أجل الحرية، وهو أكثر الشعوب استحقاقاً لها، لذلك، فإن تعزيز وترسيخ الحريات خلال المرحلة الانتقالية أمر أساسي، بحيث تكون الانتخابات المستقبلية حقيقية وليست شكلية، الآمال كبيرة، والمثقفون والمتابعون للتجربة السورية معنيون بنجاحها.

على المستوى الإقليمي والدولي، هناك دعم واسع لنجاح العملية الانتقالية في سوريا، حيث تسعى الدول إلى رؤية دولة مستقرة بدلاً من الفوضى المستمرة، كما أن بعض الدول التي كانت تميل للتطبيع مع النظام السوري تجد الآن أن البديل الحالي قد يكون أفضل.

ترامب و"تهجير" الفلسطينيين

حذر المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، من خطورة التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن قطاع غزة، واصفاً إياها بأنها "استفزازية للغاية"، مشيراً إلى أن ترامب ينظر إلى غزة بوصفها "فرصة استثمارية" وليس باعتبارها موطناً للشعب الفلسطيني.

وأضاف أن طرح فكرة تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" يعكس رؤية ترامب العقارية، حيث يتعامل مع القضايا السياسية من منظور صفقات الاستثمار العقاري.
 

وشدد بشارة على أن التعامل مع هذه التصريحات بجدية أمر ضروري، ليس لأن ترامب يمتلك مشروعاً مفصلاً لتنفيذها، بل لأنه كرئيس للولايات المتحدة، يفرض على العالم التعامل مع أفكاره بواقعية، مضيفاً أن ترامب سبق وأن اتخذ قرارات مفاجئة مثل الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل بعد "تحليل استمر لعشر دقائق"، وفق ما ذكره بنفسه، ما يجعل أي تصريح له محل اهتمام.

وأوضح بشارة أن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه غزة لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة تدمير ممنهج للبنية التحتية، وتحويلها إلى منطقة غير صالحة للحياة، وهو ما استند إليه ترامب في حديثه عن ضرورة خروج السكان.

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي كان يسعى منذ سنوات إلى جعل غزة غير قابلة للعيش، والآن يأتي ترامب ليقول إنه بات من الضروري تهجير الفلسطينيين إلى مناطق أخرى، متسائلاً: "هل يمكن فصل هذه التصريحات عن الدمار الذي لحق بالقطاع؟".

كما أشار إلى أن الموقف العربي الرسمي خلال الحرب الأخيرة على غزة ساهم في تعزيز هذا الطرح، حيث اكتفت بعض الدول بدور المراقب والمحلل للأحداث دون اتخاذ خطوات عملية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ما جعل الإدارة الأميركية ترى أن الظروف مهيأة لطرح مثل هذه الأفكار.

وحول كيفية مواجهة هذه التصريحات، أكد بشارة أن الرد يجب أن يكون بمستوى الحدث، وليس فقط عبر الاستهجان أو السخرية من تصريحات ترامب. وقال: "التهاون في التعامل مع الحقوق الفلسطينية يدفع الطرف الآخر إلى المطالبة بالمزيد"، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تتعامل مع المنطقة بناءً على مواقف الدول العربية، وبالتالي فإن عدم وجود رد قوي سيشجع على استمرار الطروحات التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية عبر التهجير.