
في ظل انقطاع الخدمات الأساسيّة وعدم قدرة المؤسسات الرسميّة على تلبية الاحتياجات بالوقت الراهن، تبرز المبادرات المحليّة كحل فعّال لمعالجة المشكلات اليوميّة التي يعاني منها الأهالي في جنوبي سوريا.
وفي هذا السياق، أطلقت فرق تطوعيّة وأهال من مدينة الحارّة شمالي درعا وبلدة تسيل في ريف درعا الغربيّ، مبادرات ذاتيّة لإعادة إنارة الشوارع الرئيسيّة..
حيث تمّ تشغيل أجهزة إنارة تعمل بالطاقة الشمسيّة في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمان اللّيلي وتسهيل حركة الأهالي.
هذه الجهود المجتمعية جاءت استجابة لحاجة ملحّة، خاصّة في ظل الانفلات الأمني وتكرار حوادث السرقة ليلاً.
مبادرة من أبناء المغترب تُضي ء شوارع مدينة الحارة في ريف درعا
في مدينة الحارّة شمالي درعا، حيث تنقطع الكهرباء لساعات طويلة، وتغيب خدمات الدولة، نجح مشروع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية في إعادة الأمان إلى شوارع ظلّت لسنوات تغرق في الظّلام، المشروع الذي تضمّن تركيب 250 كشّافًا يعمل بالطاقة الشمسية، موّلته بالكامل رابطة أبناء المدينة في المغترب، ونفّذه على الأرض "فريق النهضة للعمل التطوعيّ" بإشراف مباشر من رئيسه الدكتور محمد الفروخ.
الدكتور الفروخ أكّد لتلفزيون سوريا أن المشروع جاء استجابة لحاجة ملحّة عبّر عنها الأهالي مرارًا، خصوصًا في ظل تكرار الحوادث وانعدام الأمان ليلاً.
وأضاف: "المشروع لم يكن ترفًا، بل ضرورة نابعة من واقع مؤلم يعيشه الناس يوميًا".
ورغم التحديات، من تأخير إدخال المواد، وصعوبة تأمين الرافعة اللّازمة للتركيب، استطاع الفريق تجاوز الصعوبات، مستفيدًا من دعم معنوي ولوجستي قدّمه محافظ درعا أنور طه الزعبي، الذي ساهم في تسهيل دخول الشحنة وإعفائها من الرسوم الجمركية.
ولم تقتصر أهمية المشروع على الإنارة فقط، بل مثل حالة من التكاتف المجتمعي، حيث شارك عدد من الأهالي في تحديد النقاط الأكثر حاجة للضوء، وقدّموا المساعدة في أثناء التنفيذ.
في ختام حديثه، أشار الدكتور الفروخ إلى أن هذا المشروع ليس إلا بداية، وأن الرابطة تخطط لتوسيع العمل ليشمل مناطق جديدة، ودمج حلول الطاقة البديلة في المدارس والمرافق العامة، إيمانًا بأن بناء الوطن يبدأ من أبنائه.
إنارة شوارع بلدة تسيل تعيد الأمان والأمل لسكّانها
وفي بلدة تسيل بريف درعا الغربي، انعكست حملة إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية على تفاصيل الحياة اليومية للسكان، إذ شكّلت المبادرة تحولاً لافتاً في واقع بلدة أنهكها الظلام ونقص الخدمات الأساسية.
يقول ياسين النعسان، أحد أبناء البلدة، لموقع تلفزيون سوريا: "كانت مبادرة إنارة الشوارع عملاً جماعيّاً أعاد دفء العلاقات بين الأهالي، وشكّل نموذجًا رائعًا للتعاون والتكافل.
رأينا قصصًا كثيرة عن الإيثار والتكاتف، واليوم، نشعر بالأمان بعد أن كنا نعيش في ظل الخوف مع غياب الضوء بعد غروب الشمس".
ويضيف النعسان أن الحملة لم تؤمّن فقط الإنارة، بل أنعشت الاقتصاد المحلي، حيث أصبحت المحال تفتتح لساعات متأخرة، وبدأت حركة الناس ليلًا تعود تدريجياً، ويؤكد أن هذه المبادرات التطوعية باتت ضرورة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، و"لا يمكننا انتظار الدولة لتقوم بكل شيء، خصوصًا أنها في بداية نهوضها، لذلك نبادر بما نستطيع، حتى لو كانت مساهمات بسيطة".
وشدّد النعسان على أن الحملة كانت مدعومة من الأهالي ماديًا وجسديًا، مشيرًا إلى أن هدفهم كان "إنارة البلد وقلوب الناس، وفتح صفحة جديدة من الأمل والعمل الجماعي".
من جهته، أشار رئيس بلدية تسيل، محمد المحمد، إلى أنه تم تركيب 88 جهاز إنارة في الشوارع الرئيسية، مع خطة للوصول إلى نحو 200 جهاز بنهاية الحملة، ولفت إلى أن البلدة ما زالت تواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص المياه، والاحتياجات الطبيّة، وصيانة المدارس، والطرق العامة، ومركز الهاتف.
في بلد أنهكته الحرب وأضعفته مؤسسات الدولة، تبرز مبادرات المغتربين كأدوات فعلية للتغيير، تُعيد شيئًا من الأمل إلى مدن الجنوب السوري، وترسّخ ثقافة العمل المجتمعي كخيار لا بديل عنه في ظل هذا الواقع المعقّد.