بحثاً عن الكتلة الصلبة في سوريا

2020.11.27 | 23:04 دمشق

12801268_10153446478783730_7168357933244216292_n-1-1200x900.jpg
+A
حجم الخط
-A

حاولنا منذ انطلاق الثورة السورية تشكيل مجموعة مهمتها ترشيد تحركات الثوّار في حلب، وبث الوعي لدى الفئات المغيّبة. كنّا سبعة من مهن علمية مختلفة، انضم لنا، فيما بعد، عدد آخر فغدونا اثنين وثلاثين.

اجتماعاتنا الأولى كانت في مقهى حلب عاصمة الثقافة الإسلامية في شارع بارون.

رصدنا تحرّكات الشارع الخجولة في حلب، وساهمنا في بعضها، بحذر، وشدّدنا على أن تكون سلميّة منظّمة لا تتعدى المطالب المعقولة التي قد تكون مقبولة لدى السلطة السورية، ودعونا إلى حوار معها؛ لكن المفاجأة التي كانت بانتظارنا، أن العنف السلطوي بدأ منذ اليوم الأول لتحرّكنا.

كنّا نضع الخطط لإصلاحات متدرّجة، ونناقش بنود الدستور تمهيداً لتعديله؛ في حين كانت فروع الأمن تطلق أيدي الشبيحة ليكون عوناً لها في قتل الثورة في مهدها.

أطلقنا "نداء حلب من أجل الوطن" بتاريخ 12\4\2011 وفيه وجّه عدد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية والإعلامية في مدينة حلب، نداء إلى رئيس الجمهورية تحت عنوان (نداء من حلب… لأجل الوطن) عبروا فيه عن ألمهم وحزنهم للأحداث الدموية في المدن السورية كدرعا وحمص وبانياس وغيرها، وعبروا فيه عن رغبة مختلف أفراد الشعب السوري بكل أطيافه في الانتقال إلى واقع لا اضطراب فيه ولا فرقة يحافظ على الوحدة الوطنية ويعادي الانقسام الطائفي بكل أشكاله، وأكد الموقعون على ما أسموه مطالب الشعب السوري وجاء فيها:

1- تحمل الدولة مسؤولياتها كاملة في حماية الوطن والمواطنين.

2- الإسراع في رفع حالة الطوارئ وإنهاء العمل بقانونها وما يتفرع عنها من تشريعات.

3- إطلاق الحريات العامة لجميع أفراد الشعب للتعبير عن الرأي والتأكيد على حرية الإعلام وحرية النشر.

4- ضمان انتخابات حرة ونزيهة دون أي محاصصات حزبية أو جبهوية أو فئوية.

5- تعديل الدستور بما يواكب التغيرات الحاصلة في المجتمع السوري وثقافته، وتقرير التعددية السياسية وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وما ينتج عنها.

6- تفعيل مبدأ سيادة القانون وسمو الدستور ودولة المؤسسات.

7- فصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وعدم تجاوز السلطة التنفيذية على باقي السلطات.

8- إلغاء هيمنة الأجهزة الأمنية وتجاوزاتها والتأكيد على مفهوم المواطنة.

9- محاربة الفساد بأشكاله المختلفة لا سيما الفساد المالي والإداري.

10- العفو العام عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي وإلغاء منع السفر وعودة المبعدين السياسيين إلى وطنهم.

11- اعتبار الكفاءة والخبرة المعيار الأوحد في الوظائف والمهام تحقيقاً لمبدأ تكافئ الفرص المنصوص عليه في الدستور.

وكان ردّ فعل السلطة آنذاك أنها اعتقلت بعضنا، واستشهد آخرون أثناء المظاهرات، بطعنات غدر.

في العام التالي، وبعد أن تم إطلاق سراح بعض المعتقلين، اجتمعنا مع مجموعات أخرى مختلفة، هدفت إلى احتواء ما يجري في حلب، وقد غدا الجيش على مشارف المدينة. عارضنا دخول الجيش الحر إلى حلب، وطالبنا بأن تستمر المظاهرات السلمية مع حماية للمتظاهرين، لكن صوت السلاح كان هو الأقوى وانقسمت حلب بين شرقية وغربية، وابتدأت المعارك، وبدأ قصف المدينة بالبراميل والطائرات، ولم يعد للمظاهرات السلمية مكان، بعد صدور العفو وإطلاق المساجين الجنائيين وتسليحهم ليشكلّوا رديفاً لجيش النظام.

عاودنا الكرّة بإنشاء مجموعات تتواصل مع الفصائل لتصحيح مسار الثورة، فتم تشويل بعضنا وصرنا عرضة للقتل أو للاحتجاز طلباً للفدية، فضلاً عن سجون السلطة المتربصة بنا، فاضطررنا للتهجير.

مرّة اخرى، في الرياض، وجدنا لفيفاً جاهزاً من السوريين، معظمهم مهندسون، حيث تم إنشاء رابطة أبناء حلب، وكان من مهامها، بالإضافة إلى تقديم المعونات للمتضررين النازحين، تقديم محاضرات أسبوعية، تتابع الشأن السوري، وتدرس الوضاع داخل سوريا، وعلاقتها بدول الجوار؛ وانبثق عن تلك اللقاءات تشكيل منظمة تحت اسم طريق النزاهة، مهمتها مكافحة الفساد، وتبيين أضراره، ورسم معالم الدولة السورية المنشودة.

لم يتم التضييق على عملنا هناك، ولكن لم تقدّم لنا السعودية التسهيلات للاستمرار. تم تسجيل المنظمة في كندا للحصول على التراخيص، ولم نعلم، إلا بعد فترة طويلة، أن السعودية كانت من الدول التي تحارب الربيع العربي، وتقدّم المعونات للسلطة السورية، من تحت الطاولة.

المسار نفسه لقيناه في الإمارات، فمعظم مفاصل الدولة ووسائل الإعلام كانت مع النظام في دمشق، وتمدّ الثوار بما يؤجج الصراع ولا يساهم في حلّ المسألة السورية، ولهذا تركت لنا دبي مساحة ضئيلة الحركة تمثّلت في لقاء السبت الأسبوعي الذي كنا نلتقي فيه لإحياء أمسيات ثقافية تبقينا على صلة بسوريا الجريحة.

كان الأمل قد فُقد من "المجلس الوطني" الذي استنفد أغراضه ووصل إلى طريق مسدودة، ولهذا ساهمت الدول الداعمة في إنشاء" الائتلاف" الذي بدو أنه ولد ميّتاً

لم يعد أمامنا سوى الطريق التركي بحثاً عن ملاذ آمن يتيح لنا فرصة التجمّع بحثاً عن كتلة صلبة تمثّل السوريين الأحرار، وتوصل صوتهم إلى العالم الغربي، ليدركوا مأساتنا.

كان الأمل قد فُقد من "المجلس الوطني" الذي استنفد أغراضه ووصل إلى طريق مسدودة، ولهذا ساهمت الدول الداعمة في إنشاء" الائتلاف" الذي بدو أنه ولد ميّتاً، لأنه أعضاءه كانوا يمثّلون الجهات التي دعمتهم، ولا يمثّلون السوريين، وهذا بدا جليّاً في مساهماته النادرة على الساحة السورية، وفي ترهّل حلوله حول اللجوء وجوازات السفر، وبقاء الحاجة لمراجعة سفارات وقنصليات النظام، في كل الشؤون التي تهم السوريين، وفي الوثائق التي تطلب منهم.

بحثاً عن الحل، عدنا مرّة أخرى إلى محاولة تشكيل كتلة صلبة تدافع عن السوريين وتتحدث باسمهم. كنا خمسة، اجتمعنا في أحد مقاهي عنتاب في تركيا، التقط أحدنا صورة تذكارية وقال إنها صورة تاريخية تؤرّخ الاجتماع الأول للكتلة الوطنية السوريّة. اتسعت الدائرة شيئاً فشيئاً، وصرنا عشرين شخصاً، يمثّلون فئات المجتمع السوري المختلفة، علميّاً ومهنيّاً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً. خمس عشرة اجتماعاً منتظماً، حدّدنا فيه الرؤيا والأهداف والوسائل، حاضرنا حول الحرية والوطن والديمقراطية والاندماج في دول اللجوء، كيفية الحفاظ على الهويّة السورية ووحدة الأراضي. استمرّت لقاءاتنا بضعة شهور وبدأ المشاركون في الغياب، واضطربت مواعيد اللقاءات، وبدأنا نفقد المشاركين واحداً إثر آخر، حتى بتنا ثلاثة فقط، ولم يعد من المجدي أن نستمر في اجترار أحلامنا.

لم نكن في مرسين أكثر حظّاً من عنتاب، فالمجموعات التي نلتقي بها متباعدة الأهداف، حتى أن بعضهم لم تعد له سوريا تعني شيئاً بعد أن فقد الأمل، وسط صمت دولي، بل وسط دعم دولي للمستبد في دمشق، ولهذا قلت لصحبي، بعد أن فقدنا الأمل بتأسيس كتلة صلبة تستمر بيها الثورة السورية حتى تحقيق أهدافها، تعالوا لنفكر معاً، ورقيّاً، في سوريا التي نريد، ونرسم الخطط  النظرية لبناء جبهة تحرير وطنية تضرب على يد المستبد وداعميه أينما كانوا، فنقضّ مضاجعهم ، ولو بالحلم، من دون أن يتمكّنوا من التنبؤ بما يمكن أن يحدث، ونصرف النظر عن طلب المساعدة من أحد، فما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك.