بايدن بين الهيبة والتهيّب من الأعداء والحلفاء في الشرق

2021.03.04 | 23:56 دمشق

2021-03-03t201611z_648675071_rc2w3m9ekbqf_rtrmadp_3_usa-biden.jpg
+A
حجم الخط
-A

توقع السيناتور الأميركي ميت رومني قبل أيام أن يعاد انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية في العام 2024 عن الحزب الجمهوري، وذلك لسببين اثنين، الأول أن ترامب تمكن من تجسيد حالة اجتماعية واسعة المدى داخل المجتمع الأميركي في مقابل ضعف مؤسسة الحزب الجمهوري الذي لم يتمكن من إنتاج قيادة فعلية قادرة على إعادة تفعيل "مؤسسات الحزب ومركزيته"، والثاني وهو الأهم طريقة تعاطي جو بايدن وإدارته مع الملفات، إذ يشعر الأميركيون وحتى مؤسسات الدولة العميقة أن هناك ضياعاً في الرؤية وعدم ثبات على الموقف. بلا شك أن أميركا هي أميركا مهما تغيرت إداراتها أو رؤساؤها، ولكن مع ترامب وحتى مع بايدن، تغلب الطبائع الشخصية على الكثير من المواقف والقرارات السياسية.

 تصر الولايات المتحدة في سياستها، على انتهاج سياسة متناقضة مع كل الملفات الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط مع السعودية وإيران في وقت واحد، الرغبة في الحوار والتعاون مقابل التشدد، ما ينطبق على السعودية يسري على إيران، وهذا سيكون واقعاً صحيّاً على واشنطن ربما، باستخدام لعبة باراك أوباما في الاستثمار بالتناقضات للكسب من الجميع، لكنه سيكون له آثار تدميرية على المنطقة. من سخرية القدر أن تكون سياسة ترامب مرغوبة في منطقة منكوبة، فقط لأنها تعبر عن وضوح في الوجهة والرؤية. وهذا يحتاج إلى بحث فلسفي، اجتماعي معمق ليس المجال هنا للخوض في غماره.

 تجد الولايات المتحدة الأميركية مع بايدن نفسها محرجة في مقاربتها للملفات الدولية، وخاصة الشرق أوسطية، فهو يرغب في رفع العقوبات عن إيران لكنه غير قادر على فعل ذلك مباشرة، إنما قد يلجأ إلى منح استثناءات للإفراج عن أموال إيرانية مجمدة لدى الهند وكوريا الجنوبية، فيتنفس النظام الإيراني، يصر على الانسحاب من أفغانستان، ولم يخرج برؤية واضحة حول الوضع في العراق وسوريا. بعد كم من الضربات الإيرانية، في المنطقة الخضراء، وفي أربيل، تأخر الرد الأميركي، إلى أن وقع الخيار على قصف مواقع لميليشيات عراقية تابعة لإيران في البوكمال السورية، لم يأت الرد في العراق لعدم إحراج الكاظمي، والتعاون الأميركي العراقي، وهذا بحد ذاته تراجع، إلا أن الضربة كانت مهمة خاصة أنه لم يتم إخطار روسيا بها، وأدت إلى سقوط قتلى، ما يعني أنها لم تكن ضربة منسقة. قدّم البنتاغون لبايدن مجموعة أهداف، لكنه اختار الهدف الأضعف، وهذا مؤشر أيضاً حول عدم وجود نية حقيقية لإحداث أي تغيير.

حصلت الضربة في سوريا لعدم إحراج مصطفى الكاظمي، لم يكن هناك إمكانية لعدم الرد، مقتل 17 شخصاً من الجماعة المستهدفة، يؤشر إلى أن الضربة سيكون لها تبعات، ولم تكن كضربة ترامب لمطار الشعيرات عندما تم إبلاغ الروس ومن خلالهم تم إبلاغ النظام السوري بالأمر. جاءت الضربة بعد اتصال بايدن المتأخر بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وبالتزامن مع تصعيد اللهجة ضد ولي العهد محمد بن سلمان، كذلك جاءت بعد اتصال بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصحيح أن الاتصال بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي قد جاء متأخراً، وعلى مشارف انتخابات إسرائيلية يعتبرها نتنياهو مفصلية في حياته. عدم وضوح الرؤية الأميركية، واتجاه بايدن نحو التفاهم مع إيران، قد يفرض وقائع جديدة في المنطقة، من خلال قيام إسرائيل بخطوات تصعيدية في المرحلة المقبلة، لفرض وقائع، تعرقل التفاوض، أو تحسن شروط تل أبيب خاصة في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، أو صواريخ حزب الله الدقيقة.

 هذه القراءة، كانت واضحة لدى حزب الله، بشخص أمينه العام حسن نصر الله، الذي ألمح مهدداً الإسرائيليين بأنه في حال حصلت أي ضربة ولو كانت محدودة قد تؤدي إلى اندلاع حرب، خصوصاً بعد إشارته إلى أنه لا يريد الحرب، في رسالة واضحة لتجنّب التصعيد. بينما في الخطاب السابق كان مصراً على تنفيذ ردّ عسكري على اغتيال أحد عناصر الحزب في سوريا، ما يعني أن الحزب قد تجاوز تلك المعادلة وعاد وطرح معادلة جديدة، بأنه في حال تعرض لضربة في المرحلة المقبلة، فهو حتماً سيرد.

في موازاة هذه المعادلة، حصلت عملية تبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل بشكل سريع جداً وبرعاية روسية. إلى جانب تلك العملية، كان التحرك الروسي يتوسع في لبنان من خلال سلسلة اتصالات، قد تمهد لدور روسي أكبر في لبنان، من خلال ملفات عديدة، ترسيم الحدود الجنوبية، أمن إسرائيل، وضبط المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا. فيما لا بد من تسجيل ملاحظة أن الضربات الإسرائيلية في سوريا تتفادى مواقع النظام السوري، وتستهدف حصراً مواقع الإيرانيين وحلفائهم.

 لا بد لموسكو أن تهتم بلبنان انطلاقاً من انعكاس الأوضاع فيه على الواقع السوري، وأبرز الدلائل هو التدهور الاقتصادي السريع الذي حصل في سوريا بالتزامن مع الانهيار المالي الذي حصل في لبنان، وحتى رئيس النظام السوري بشار الأسد أعلن سابقاً أن المصارف اللبنانية هي التي تتحمل مسؤولية انهيار الوضع المالي والاقتصادي في سوريا. هذه الوقائع تفرض تمدداً روسياً في لبنان وهنا لا بد من مراقبة ردة الفعل الإيرانية، خاصة أن لبنان وسوريا معاً، يشهدان حضوراً عربياً مستجداً، ودعوات لإيجاد حل لأزمتي البلدين من خلال عقد مؤتمر دولي لمعالجة الملف اللبناني، والدعوة للاتفاق على مجلس عسكري انتقالي في الشام.

 كل هذه التطورات ستفرض نفسها مستقبلاً على السياسة الأميركية، وهناك تأكيدات تأتي من واشنطن بأن التفاهم الأميركي الإيراني لن يؤدي إلى تسليم لبنان لإيران، ولا حتى تسليم سوريا لإيران، خاصة أن هناك قوى دولية وإقليمية لن تسمح بذلك، فمثلاً دور الإمارات في لبنان إلى جانب مصر مع وجود علاقات قوية بين الدولتين والنظام السوري، لن يسمح لإيران بأن تكون مسيطرة، بالإضافة إلى الوجود الروسي والتركي في سوريا، وسط تأكيدات روسية من قبل مسؤولين بأنهم لن يسمحوا للبنان أن يكون جالية إيرانية.