بانتظار جواب إيران "الغرامي" على مقتل زاده؟

2020.12.05 | 23:01 دمشق

55770912_303.jpg
+A
حجم الخط
-A

ذكّرنا مقتل العالم محسن فخري زاده، حسب الراوية الرسمية، بمجموعة من أفلام هوليودية، أبطالها سيارات قاتلة، يقودها مجنون أو مجرم، بعضها سيارات مبرمجة، لا يرى المجرم السائق فيها، السيارة بطل الفيلم، وهي مزودة بتعويذة علمية قاتلة، أو ليس لها سائق، تقاد عن بعد، وفي هذه الأفلام تجاوزات للمنطق، فالوقود فيها لا ينتهي، وعجلاتها لا تتعطل من أجل استيفاء شرط التشويق، والأفلام الهوليودية تعبير عن عقيدة أميركية راسخة.

 كَمُنَ قتلة محسن فخري زاده بالسيارة القاتلة، وتركوها وسيقت من أقمار صناعية، ثم فجّرت، وبتفجيرها دُمّرت آثار الجريمة، فضاعت آثار القاتل، وتوعدت إيران بالانتقام مثل كل مرة، في الوقت والزمان المناسبين. وهي لا تستطيع لسببين، أولهما أنه ليس لديها سوى الدليل الظني، والسبب الثاني أهم، وسنذكره بعد قليل.

الغرام الذي ورد في العنوان، لفظ في ظاهره الشائع في السرد المعاصر ضد الانتقام، لكن الغرام لغةً هو الانتقام،  جاء في لسان العرب: والغَرامُ: اللَّازِمُ مِنَ الْعَذَابِ والشرُّ الدَّائِمُ والبَلاءُ والحُبُّ وَالْعِشْقُ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ أَن يُتَفَصَّى مِنْهُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ أَشدُّ الْعَذَابِ فِي اللُّغَةِ، قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً، ، ومن الغرم الغرامة التي ندفعها عن مخالفة السير، والتأخر في دفع أجور الماء والكهرباء، أما غرامة عدم انتخاب الرئيس في جمهورياتنا العربية الفاضلة والمثالية كما وصفته العالمة بشؤون الواقع المثالي الممثلة والمجاهدة "بجهاد القبلات"، سلاف فواخرجي، فهو الحبس بلا أجل.

قتلت إسرائيل وأميركا خيرة علماء العرب، وعلماء إيران أيضاً في دمشق ولبنان وإيران

يزعم محللون سوريون أن بين إيران وإسرائيل غراماً، وفي هذا نكارة شديدة، فهما دولتان متعاديتان، لكن عداوة إيران للسنّة تجعل هؤلاء المحللين يضعونهما في فريق واحد، وبما أن قادة إسرائيل أذكى من قادة إيران، ودينها دين غير تبشيري، ووراثي، فتجدونهم يفضلون إسرائيل أحياناً.

قتلت إسرائيل وأميركا خيرة علماء العرب، وعلماء إيران أيضاً في دمشق ولبنان وإيران، وأشهرهم وليد مغنية وقاسم سليماني ومحسن فخري زاده، ومن العلماء المقتولين، مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد ومصطفى أحمدي روشن، وكانت العراق قد سبقت إيران في العلوم الذرية بعشر سنوات على الأقل، وقُصف مفاعلها الذري، فلم تحسن العراق الحفاظ عليه، ولم تثأر له، مع أن قائد العراق كان بدوياً، والبدوي لا يدع ثأره، وانتقم من جميع خصومه وقتل قادتهم وذريتهم أيضاً.

هناك عيب في علماء العرب وعلماء المسلمين المعاصرين بعامة وهو الضعف تجاه النساء، ولا أظن أن العراق كان يبخل على علمائه بالمال، فقد كان غنياً، والنساء لا يمكن مقاومة جمالهن إلا بالشبع، وهو مستحيل عند من لا عقيدة لهم، الضعف الثاني هو في العقيدة الدينية، فلا يعفف المرء سوى دينه.

بكى العراق مفاعله النووي، وكتب نزار قباني مرثية فيه أذيعت كثيراً على التلفزيون العراقي، وكان ذلك تعويضاً، أو عزاء، وتوشك الشعوب العربية السنيّة أن تتحول إلى شعوب شيعية باعتناق خصلتين هما الندب والرثاء، والثانية هي تحول شعوبها إلى عقيدة التقية، ليس خوفاً من الأعداء، وإنما من أنظمتها.

استطاع العراق محاربة إيران سبع سنوات، وبينهما ذلك الفارق الكبير في السكان، وكان الغرب ينصر هذه حيناً وتلك أحياناً حتى تطول الحرب، وقيلت قصائد صهيونية في مديح الحرب بينهما، "فهي كلاب تقتل كلاباً" وإيران تعادي إسرائيل أيضاً، لكن عداءها للسنّة يتقدم على عداوتها لإسرائيل، والغرب يفضّل إيران الشيعية على أي دولة عربية سنيّة، وهي صديق موضوعي بالتعابير المعاصرة، فكلاهما يعاديان الدول العربية السنيّة بشرط ألا تصير إيران خطراً على إسرائيل، وقد كوفئت إيران بإطلاق يديها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لأن في ذلك مصلحة أميركية، بعقيدة "فرق تسد"، لكن قنبلة إيران النووية خطرة على إسرائيل، فإيران لديها عقيدة شيعية إسلامية. هناك قاعدة حربية أميركية ثابتة هي أن إسرائيل يجب أن تظل سيدة المنطقة التي يسمونها الشرق الأوسط، وشرط السيادة هو القوة، وكان الغرب قد نزع سلاح العراق الذري، ثم نزع كل أسلحته، ثم استباحه، فنزعُ السلاح هو هدف الحرب كما يقول القائد البروسي والمؤرخ الحربي كارل فون كلازوفيتز.

ستتجنب إيران الرد في هذين الشهرين خوفاً من ترامب الساخط على نتائج الانتخابات

لن تجرؤ إيران على الرد الصارم الصريح على إسرائيل، وقد تذكّر ساخرون مصادرة حزب الله لسيارة قديمة قبل سنوات، وكان صدام قد تجرأ فقصف إسرائيل في الوقت المستقطع من المباراة، فلم تنفعه الضربات الصاروخية، أما إيران فإن ردت فسيكون ردها في اليمن على السعودية، أو في سوريا على الشعب السوري، فهؤلاء لا يقدرون على الحمار فيضربون البردعة، أو قد يصادرون البردعة، الحمار سيكون غنيمة حرب للغرب.

ستتجنب إيران الرد في هذين الشهرين خوفاً من ترامب الساخط على نتائج الانتخابات، والذي قد يحارب إيران للبقاء في السلطة، أو للانتقام من خلفه بايدن، وتوريطه بملفات ثقيلة، وقطع طريق العودة إلى الاتفاق القديم، ويوجد سبب غير السياسي الانتخابي هو العقيدة الإنجيلية التي يعتنقها ترامب والمختلفة عن عقيدة بايدن الكاثوليكي، فترامب بروتستانتي عقيدته تستعجل معركة "هرمجدون" الفاصلة، أما بايدن فكاثوليكي يفضل تذويب إيران ببطء ولا يفكر في المسيح المنتظر.

 تدرك إيران أن الغرب دفع لها ديّات هؤلاء القادة المقتولين، بتسلميها العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهناك مشروع دويلة شيعية في السعودية يلوح في الأفق، وهي مكاسب كبيرة، لكنها مكاسب لا يستطيع إعلامها ذكرها والتباهي بها أمام شعبها، كما لم يستطع الملك سلمان التباهي بأنه استطاع أن يجعل ترامب يطأطئ له عندما قلّده تلك القلادة الذهبية.

يمكن الزعم أيضاً بأن أميركا قدمت لإيران شهيداً جديداً تبكي عليه، فهم أهل بكاء ومنائح. المصريون يهضمون الهزيمة بالطرفة، أما الإيرانيون فيحولونها إلى دموع.

هناك سبب لجعل عامة السنّة تظن أن إيران متحالفة مع الغرب، وتظن أنهم بينهما غراماً، هو الشبه في العقيدتين الدينيتين، وهما عقيدة صلب، ولم يصلب السنّة المسيح عليه السلام، فهو عند المسلمين حي في السماء، أما الشهيد الحسين رضي الله عنه فهو حفيد نبيهم عليه الصلاة والسلام، وملعون من قتله. السبب الثاني هو أن إيران يمكن مفاوضتها عبر شخص واحد هو الإمام المعصوم الذي يقود الشيعة، وليس عند السنّة إمام معصوم، هناك سبب ثالث هو فتاوى أئمة الشيعة في الحرب وفي زواج المتعة، لبعض أئمة السنة فتاوى سياسية منكرة، هي للسلطان وحده وليست لعموم المسلمين.