بالتعيين لا بالانتخاب.. البحث عن أعضاء ورئيس لـ مجلس الباب؟

2020.06.08 | 00:00 دمشق

94d05fc5-9484-4182-8219-49f25ec0c923.jpg
+A
حجم الخط
-A

أواخر شهر نيسان الماضي، نشر المجلس المحلي في مدينة الباب وبشكل مفاجئ على صفحته الرسمية في "فيس بوك" بياناً يقر فيه عملية تجديد المجلس على أن يقوم رئيس المجلس الحالي بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل مجلس جديد.

ورغم أنّ هذا الإعلان قد ترافق مع قرارات مماثلة لـ حلِّ عددٍ مِن المجالس المحلية في مناطق سيطرة الجيشين التركي والوطني السوري بريف حلب، إلّا أن بقعة الضوء كانت أكثر اتساعاً على قرار "محلي الباب"، في ظل تعدد روايات أسباب اتخاذ هذا القرار - المتأخر أصلاً -، والذي سبق أن تجاهل "المجلس" ورئيسه الحالي (جمال عثمان)، جميع المظاهرات التي خرجت في المدينة تطالب بإسقاطه.

طبعاً الرواية الرسمية للمجلس تقول إن ولايته انتهت وعليه تجديدها وفق المادة 17 في نظامه الداخلي - المكتوب باللغتين العربية والتركيّة - والذي يبدو أنّه أُقر بُعيد حل المجلس، وينص على أن المدة الزمنية للأعضاء محدّدة بسنتين، وسنة واحدة للرئيس، علماً أن المجلس ورئيسه عُيّنوا بعد فترة قصيرة مِن استعادة الباب مطلع شباط 2017 (أي منذ أكثر مِن 3 سنوات).

وبعيداً عن رواية "محلي الباب" هناك روايات غيرها، منها مَن ترى أن موضوع حلّ المجلس نوقش بعد أيامٍ مِن سلسلة انفجارات ضربت مدينة الباب وأودت بحياة عددٍ مِن الضحايا، شهر آذار الماضي، حيث اجتمعت بعض الفعاليات المدنيّة على رأسها "تجمع عائلات الباب"، الذي كان يُطالب إلى جانب عموم الفعاليات المدنية - وبعد مرور سنتين على تعيين المجلس - بتشكيل مجلسٍ جديد عبر الانتخابات، ولكن دون جدوى، بقي المجلس وبقيت التفجيرات واستمر الانفلات الأمني وما يزال.

ورواية ثانية - يُرجّح أنها الأكثر جدّية - تُرجع القرار إلى ضغوط فُرضت مِن الجانب التركي (الذي يدير مدينة الباب مِن ولاية عنتاب)، وأنه ضاق ذرعاً بمظاهرات الأهالي المتكرّرة ضد أعضاء المجلس ورئيسه، المتهمين بالفساد والمحسوبية وعرقلة جميع المشاريع الخدمية - التي تحتاجها الباب - إن لم تصبّ في مصلحتهم الشخصية ومصلحةِ المقرّبين منهم.

 

تعيين أم انتخاب؟

بغض النظر عن أسباب حل المجلس، كان القرار بحدِّ ذاتهِ خبراً سارّاً لـ أهالي الباب، الذين تظاهروا عشرات المرات للمطالبة بحَلِّهِ وتشكيل مجلس جديد يشاركون في انتخابه، وألّا يُفرض عليهم فرضاً، كحال المجلس الحالي، الذي يبرّر وجوده بناء على ظرف استثنائي فرضه الأمر الواقع الذي شهدته المدينة بعد تحريرها مِن "داعش"، في حين رأى الأهالي - حين تظاهروا - أن عامين اثنين كانا كافيين على انتهاء هذا الظرف وزواله.

إقرأ المزيد.. مظاهرات تطالب بإسقاط مجلس الباب المحلي ورئيسه (فيديو)

وعقب قرار حل المجلس المحلي، قدّم ناشطو مدينة الباب عريضة احتجاج شعبي، تطالب بـ"فتح باب الترشيحات لأعضاء المجالس المحلية، وتحديد معايير واضحة للمرشحين، وإجراء انتخابات مباشرة، وتشكيل لجنة رقابية منتخبة لمراقبة أعمال المجلس المُنتخب".

عريضة الباب.jpg

وكما أن العريضة لم تلقَ آذاناً مصغية رغم تذييلها بأكثر مِن ألف توقيع، فإن فرحة الأهالي بقرار حلِّ المجلس وخوض انتخابات طالما تمنّوها، لم تدم طويلاً، وتلاشى فوراً الحلم الذي يُعد أحد أبرز وأهم الأسباب التي اندلعت مِن أجلها الثورة السورية، وهو أحقية الشعب السوري باختيار ممثليه، بدءاً مِن اختيار رئيس البلاد، وليس انتهاء باختيار أي ممثلٍ محلّي.

أحد أبرز وأهم الأسباب التي اندلعت مِن أجلها الثورة السورية هو أحقية الشعب السوري باختيار ممثليه

وتبيّن للأهالي أن هناك مساعٍ لـ تبديل المجلس الحالي بمجلس آخر - صحيح أنه سيضم وجوهاً جديدة لكن ليس بالضرورة أن تكون باختيار الأهالي -، ورغم ذلك أُدرجت طريقة لـ اختيار أعضاء المجلس، سمَحَ فيها النظام الداخلي الجديد وفق /المادة 4 - الفقرة 2/ لـ جميع ممثلي مدينة الباب، وعشائر الباب، والنقابات المهنية، والفصائل العسكرية، والمخاتير، وأعضاء المجلس الحاليين - الراغبين بالترشّح مجدّداً -، بتقديم مرشحيهم أملاً باختيار الأعضاء منهم.

الماادة 4.PNG

وهذه الطريقة فتحت الأبواب أمام جميع الفعاليات المدنية والعسكرية لـ تُقدّم مرشحيها، إلّا أنها لوَت ذراع العائلات لـ صالح العشائرية (رغم أن النظام المجتمعي في مدينة الباب عائلي أكثر مِنه عشائري) ولـ صالح الفصائل العسكرية (التي سبق وعيّنت المجلس الحالي) ونوعاً ما لـ صالح النقابات المهنية (التي يُهيمن عليها المجلس الحالي أساساً)، حيث استُبعِدت الفعاليات الشعبية التي تنضوي تحتها عائلات الباب والممثلة بـ"تجمع عائلات الباب، مجلس ثوار الباب، مجلس وجهاء مدينة الباب" بتقديم مرشحيها.

وبذلك لم يلتزم المجلس بمواد وبنود نظامهِ الداخلي، بل ضرب حتّى تعريفه لـ نفسه في /المادة 3/ التي تنص على أن "المجلس المحلي: هو مجلس تم تشكيله ضمن إرادة الشعب بهدف الحصول على رأي عام موحد"، كما أنه لم يوضّح بقرار حلِّ نفسه، الآليات المتبعة في تشكيل المجلس الجديد واختيار أعضائه، وهذا يعني - حسب الأهالي - أن القرار برّمتهِ صادر عن الجانب التركي لـ رغبةِ الأخير - لأسباب واعتبارات تخصّ مصالحه - في تعيين مجلس جديد يضم رئيساً جديداً وأعضاء جدد، ولكن بتبعية مطلقة على شاكلة المجلس الحالي.

 

نحو 200 مرشّح لـ عضوية المجلس المحلي الجديد

باب الترشيحات الذي فُتح على مصراعيه أمام "النقابات، والعشائر، والفصائل، والمستقلين" دخلهُ تقريباً – وفق المصادر المحلية - نحو 200 مرشح لـ عضوية المجلس المحلي الجديد، والعدد في ازدياد (يصعب تحديد عدد المرشحين بدّقة لـ كثرة فصائل المدينة وعشائرها غير المحصورة بعدد أصلاً).

وتشير المصادر إلى أن المسؤول التركي على مدينة الباب المدعو "شانول" (يسمّيه الأهالي والي الباب) أرسل مندوبه ومترجمه إلى نقابات المدينة وطلب منهم ترشيح 5 أسماء أكفاء مِن كل نقابة، كما طُلب مِن وجهاء عشائر المدينة ترشيح 4 أو 5 أسماء مِن أصحاب الشهادات - ثانوية وما فوق - مِن كل عشيرة، وكذلك بالنسبة لـ فصائل المدينة.

والكثير مِن أهالي مدينة الباب تقدّموا - بصفتهم المستقلة - لـ مكتب ضمن مبنى المجلس المحلي يشغله مندوب المسؤول التركي، ورشّحوا أسماءهم لـ عضوية المجلس الجديد، وتقديم طلب الترشيح لا يحتاج أكثر مِن بطاقة تعريفية صادرة عن المجلس المحلي تثبّت أن المرشّح مِن أهالي المدينة، وسند إقامة، مرفقة باستمارة توضّح طبيعة المرشّح إن كان مستقلاً أم عن طريق جهة محدّدة، أم مِن الأعضاء في المجلس الحالي.

وسيختار الوفد التركي - وفق المصادر - اسمين مِن الأسماء المُرشّحة عن كل نقابة وعشيرة وفصيل لـ يَختار منهم لاحقاً أعضاء المجلس المحلي (المرجّح أن يكون 25 عضواً)، دون تفاصيل عن آلية الاختيار هذه كيف ستكون، وعلى مَن سيعتمد الوفد في تحديد الأسماء واختيارها؟!

ورغم أن اختيار الأعضاء لم ينتهِ بعد – ومنهم يُفترض أن يُنتخب رئيس المجلس -، لكن يَرى الأهالي أن قائد الشرطة المدنيّة في الباب (هيثم الزين الشهابي) يُعتبر مِن الأسماء التي قد تكون الأوفر حظاً في منصب الرئيس، خاصةً أنه مقرّب مِن المسؤولين الأتراك في الباب - ويمكن أن يكون جمال عثمان آخر بالنسبة لهم -، فضلاً عن سعيهِ المتواصل منذ أسابيع في استمالة فصائل المدينة وعائلاتها وعشائرها لـ كسب ودّهم ولـ يكون شخصاً توافقياً، بعكس ما هو عليه الرئيس الحالي، الذي ثار عليه الأهالي وطالبوا بإسقاطه مِراراً.

الواضح فيما يجري حالياً، أن أهالي مدينة الباب لن يشهدوا - للأسف - انتخابات ديمقراطية تمنّوها وطالبوا بها كثيراً وما يزالون، وأنهم الآن - وفق الديمقراطية الجديدة في فتح باب الترشيحات - لا يملكون أكثر مِن ضخ المزيد مِن المرشحين، ولكن الحقيقة أن لا حول لهم ولا قوّة ولا خيار في تحديد الأشخاص المناسبين مِن ذوي الكفاءة الثورية والإدارية لـ تشكيل المجلس، الذي يجب أن يكون منهم ولهم وفي خدمتهم - حسب ما يذكر البيان الداخلي المكتوب باللغتين العربية والتركية -.