icon
التغطية الحية

بادية تدمر مثالاً.. فرص تنظيم "الدولة" في العودة للإمساك بالأرض

2021.02.01 | 05:33 دمشق

photo_2021-02-01_09-01-44.jpg
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

ينظر المراقب إلى سير وطبيعة الهجمات المتسارعة التي تُنفذ ضد قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية في البادية من قبل تنظيم "الدولة" الفاقد للسيطرة على الأرض في سوريا منذ آذار 2019، على أنها حالة تعكس نية التنظيم في النهوض من تحت الرمال، معلناً عن عودة جديدة له، قد تكلّف النظام فقدان مساحات من سيطرته على مناطق وسط سوريا كالسخنة وحتى تدمر ذات النفوذ الروسي المتزايد.

وغدت مؤشرات تحقق نية التنظيم تلك واضحة بعد إعلانه عن حصيلة عملياته خلال العام المنصرم في سوريا، إذ وصلت إلى نحو 600، تنوعت بين الهجمات بالأسلحة وعمليات القنص والعبوات الناسفة والاغتيالات وغيرها، ولم تكن كلّها من نصيب النظام، حيث استهدفت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وعناصر فصائل المعارضة أيضاً، وغطت تلك العمليات محافظات سورية عديدة.

اقرأ أيضاً: تنظيم الدولة يتبنى مقتل نحو 40 عنصراً للنظام في بادية دير الزور

لا سيطرة على الأرض.. إسقاط المدن أمنياً

بالعودة إلى البادية السورية التي تمثّل الحامل الرئيسي لعمليات التنظيم، فإن شهري كانون الأول 2020 وكانون الثاني 2021، كانا الأكثر إيلاماً لنظام الأسد لجهة ارتفاع عداد قتلاه، ما استدعى وبشكل واضح تدخل الطائرات الروسية للحد من خسائر النظام، الذي كاد وفق مصادر محلية أن يفقد السيطرة على مدينة السخنة وسط سوريا، نتيجة سياساته الدفاعية المتهلهلة أمام ضربات التنظيم.

وفي هذا السياق، يستبعد الباحث حسن أبوهنية المتخصص بالحركات الجهادية، أن يكون عند التنظيم نية لإعادة فرض السيطرة المكانية بالمطلق في سوريا، ويؤكد أن الظروف الموضوعية لا تساعد التنظيم على ذلك، وأنه -أي التنظيم- يدرك ذلك أنه لا يمتلك القدرات البشرية ولا التسليح المناسب لتنفيذ ذلك.

ويعزز رأية بالاستناد إلى ما أعلنه التنظيم من استراتيجية للعمل في مرحلة ما بعد الانهيار، والتي أطلق عليها التنظيم اسم "حرب الاستنزاف"، وقد أعلنها بعد نهاية سيطرته على آخر جيب له في بلدة الباغوز في ريف دير الزور في آذار 2019، ومع وصول قيادته الجديدة المتمثلة بـ "أبو ابراهيم الهاشمي" بعد مقتل زعيمه السابق "أبو بكر البغدادي" في تشرين الثاني 2019 بهجوم أميركي.

 وتقوم استراتيجية الاستنزاف على حرب عصابات بأسلوب الكر والفر، ويقول أبو هنية إن هذا الجزء من استراتيجية التنظيم يسمى "إسقاط المدن مؤقتاً" بمعنى أنه قد يدخل ينفذ عمليات ومن ثم ينسحب.

 ووفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا من بيانات وكلمات صوتية للمتحدث باسم التنظيم "أبو حمزة القرشي" فإن التنظيم ومنذ ومقتل البغدادي وضع خطة تقوم على مجموعة خطوات منهجية وتنظيمية، أبرزها الاعتماد على مبدأ حرب الإنهاك المجهد الدائمة، التي تقوض الاستقرار في أي نظام، إذ لا يمكن أن يكون أي نظام مستقراً سياسياً في ظل وجود أزمات أمنية، تستهدف الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ويبدو أن هذا المبدأ هو المعمول به في ما يخص هجمات البادية.

اقرأ أيضاً: استمرار واتساع.. تنظيم "الدولة" خلال عام على تغييب البغدادي

الوقت لم يحن.. التنظيم يمتلك مئات ملايين الدولارات

في بيانه السنوي حول عدد قتلى النظام قال التنظيم إنه قتل منهم 407 ودمر مئات الآليات والعربات العسكرية، وكان بيانه يشير إلى أن معظم عملياته كانت تركز على البادية وأرياف حمص وحماه ودير الزور وصولاً إلى الرقة، وكانت  دراسة  أصدرها مركز "عمران للدراسات" ربطت بين تصاعد وتيرة عمل التنظيم وجائحة فيروس كورونا، إذ رأت أن التنظيم استغل الجائحة لتكثيف هجماته على عدة جبهات، وإعادة ترتيب صفوفه وأنه نظر إلى آثار الفيروس كظروف ملائمة لاتخاذ تكتيكات أمنية تتناسب مع مصالحه.

وعلى الرغم من هذا النشاط المتزايد وحصيلة العمليات والقتلى الكبيرة، يرى أبو هنية أن التنظيم غير متعجل بالعودة وأنه بانتظار ظروف أفضل، كما أنه يعلم من خلال خبرته السابقة أن أي منطقة تدخل في سيطرته الآن ستكلفه خسائر كبيرة لأنه سيتعرض لحملات قصف جوي وحروب الكلاسيكية، لا رغبة له بها الآن.

photo_2021-01-06_23-33-41.jpg
حصيلة عمليات التنظيم خلال عام 2020 في سوريا "أعماق"

وفي بنية التنظيم الداخلية حالياً، يشرح أبو هنية، أنه عبارة عن مجموعة خلايا تعمل بشكل لا مركزي في منطقة واسعة من البادية السورية التي تمتد على أكثر من 22 كم ومحاذية لخمس محافظات، حيث يقوم هناك بفرض سيطرة غير مرئية (ليست سيطرة مباشرة) عبر إزعاج قوات النظام من خلال قطع طرق الإمداد واستهداف أماكن النفط والغاز.

ويرجح أبو هنية أن يكون التنظيم يمتلك مصادر مالية كبيرة ويستند إلى بعض التقديرات التي تتحدث عن نحو  300 مليون إلى مليار دولار عند التنظيم، وعلى الرغم من الكمية الكبيرة من المال هذه، إلا أن التنظيم غير مستعد للعودة عبر السيطرة على الأرض، وفق أبو هنية، الذي يضيف أن هذه الأمول تكفي التنظيم لإدارة قواته التي يتوقع أن تكون بنحو 15 ألف مقاتل في سوريا، التي من الممكن أن تسقط بعض المناطق مؤقتاً ثم تنسحب.

وبالنظر إلى طبيعة عمليات البادية التي تشهد تركيزاً من قبل التنظيم، فإن هذه العمليات وفق أبو هنية، تؤكد أن التنظيم مٌقتصد في اتباع التكتيكات الكبيرة، إذ تتمثل هجماته حالياً في  العبوات الناسفة والاغتيالات والقنص والكمائن البسيطة، مع بعض العمليات المركبة المحدودة في سوريا، ولا يستبعد أن تتطور  تنفيذ عمليات أكبر عبر انتحاريين أو عمليات انغماسية.

اقرأ أيضاً: التحالف: نفذنا عشرات العمليات ضد تنظيم "الدولة" في سوريا

ومما يؤخر إعلان التنظيم للعودة إلى ما كان عليه من قوة متحكمة بالأرض، وفق أبو هنية، هو انتظاره ما ستؤول إليه الامور بالنسبة للوجود الأميركي، إذ يعلم التنظيم صاحب الخبرة الطويلة منذ عام 2003، أن طبيعة القوى والتحالفات ضده دائماً ما يحدث فيها مشكلات.

ويضيف، إذا ما نظرنا الآن إلى التحالف الدولي الذي شكلته أميركا في 2014، نجده يتراجع، فأميركا خفضت قواتها في العراق إلى 2500 وفي سوريا إلى المئات، بالتالي بقية الدول في التحالف ليست فعالة. وفي الطرف الآخر هناك التحالف التقليدي بين إيران وروسيا يشوبه خلافات بين روسيا وإيران وقد تتفاقم، لذلك  التنظيم بانتظار هذه المشكلات ومشكلات أخرى كي ينتهز الفرص، ومن المعروف أن التنظيم هو ابن الفشل وعدم وجود حلول سياسية واجتماعية، ولذلك هو سيبقى في حالة من الكمون وتنفيذ حرب العصابات والاستنزاف على المدى الطويل.

مسار صعب أمام من يريد إنهاء التنظيم في البادية

تكشف بعض التسجيلات المصورة التي ينشرها عناصر النظام بعد تعرضهم لكمائن التنظيم في البادية وعلى الطريق بين دير الزور ودمشق، إذ يقومون بعمليات تمشيط بحثاً عن أي أثر لعناصر التنظيم، تكشف أن الأخير يمتلك جيوباً ومخابئ في عمق البادية يصعب الوصول إليها، ولذا فإن جميع عمليات التمشيط لا تحقق أهدافها على عكس ما يروج له النظام.

اقرأ أيضاً: روسيا تعزز وجودها العسكري في مطار تدمر العسكري شرق حمص

وهذا ما يؤكده أبو هنية، الذي يعتبر أن العمليات التي تطلقها روسيا ضد التنظيم كعملية "الصحراء البيضاء" ليست مجدية ومكلفة، ويضيف أن التنظيم اختار الانتشار في مناطق واسعة كي تكون الكلفة كبيرة على من يحاربه، وللمحافظة على بقائه أكثر، وبحسب هنية فإنه لا توجد الخبرة لدى الروس في خوض هذه الحروب، على عكس أميركا التي تعتمد على الأسلوب الاستخباري، وأن التنظيم يدرك ذلك وعليه هو وضع خطته منذ مدة طويلة قبل خسارته الباغوز والرقة كي ينتشر في البادية التي تسهل عليه نقل الأسلحة والمقاتلين، فضلا عن وجود خلاياه النائمة في مناطق أخرى.