icon
التغطية الحية

انقسام "عزم" يغذي الانفلات الأمني والاقتتالات شمالي سوريا.. من المستفيد الأكبر؟

2022.04.24 | 06:42 دمشق

zm.jpg
القيادة الموحدة "عزم" (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

ألقى الانقسام داخل غرفة القيادة الموحدة "عزم" في الجيش الوطني السوري بظلاله على الواقع الأمني في مناطق ريف حلب الشمالي، فبعد أن تمكنت الغرفة من تسلّم زمام الأمور وضبط المنطقة نسبياً لأكثر من ستة أشهر، عادت الاقتتالات البينية والاشتباكات بين الفصائل إلى المشهد، عقب انقسام "عزم" إلى ثلاث كتل، كل منها تنافس الأخرى على مستويات عدة.

وكثرت الاشتباكات بين فصائل تعمل في الجيش الوطني السوري خلال شهر رمضان، وأسفرت عن مقتل وجرح العديد من العناصر والمدنيين، وما زالت مخاطر تجدد المواجهات في أي لحظة قائمة في ظل غياب جهة أمنية موحدة تضبط المنطقة، وتراجع تأثير قوات الشرطة والأمن العام في مثل هذه الحالات واقتصار دورها على الدخول كقوات "فض نزاع" في معظم الحالات.

"عزم" تتصدر أمنياً

تشكلت غرفة "عزم" في 15 تموز العام الماضي، من فصيلي الجبهة الشامية وفرقة السلطان مراد، وفي اليوم الأول لتشكيلها، حاولت الغرفة رسم مسارها من خلال إطلاق عمل أمني ضد "شبكات وخلايا تهدد أمن المجتمع واستقراره" في ريف حلب الشمالي، واعتقال ما يزيد على 20 شخصاً.

في غضون أيام توسع عمل "عزم" بعد انضمام غالبية فصائل الجيش الوطني السوري إليها، وتزامن ذلك مع صدور قرارات تنص على ضرورة التعامل بحزم مع أي إشكال أو حادثة تهدد استقرار المنطقة وحياة المدنيين وممتلكاتهم، والضرب "بيد من حديد لمنع تكرار حوادث استخدام السلاح ومظاهر الاشتباك بين أفراد الجيش الوطني"، إضافة إلى توقيف المتسببين في الاشتباكات وإحالتهم مع أسلحتهم إلى القضاء.

ولاحظ المدنيون في ريف حلب، ومنطقة عملية "نبع السلام" شرق الفرات تحسناً في الواقع الأمني مع صعود غرفة "عزم" وضمها لمعظم فصائل الجيش الوطني، وتوحيد القيادة الأمنية والعسكرية، ولو شكلياً.

وإضافة إلى إنجازات "عزم" في تخفيف وتيرة الاشتباكات بين تشكيلات الجيش الوطني واعتقال المتورطين بها، ركّزت الغرفة على العمليات الأمنية ضد خلايا تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتجار ومروجي المخدرات، واعتقلت كثيرا منهم.

انقسام "عزم" ينعكس سلباً على الحالة الأمنية

شهدت فصائل الجيش الوطني السوري تحولات كثيرة منذ منتصف العام الماضي حتى الآن، وكانت أحداث الاندماج فيها ثم الانشقاق طاغية ضمن الجيش في هذه الفترة، وذلك في إطار تجاذبات ومساع للاصطفاف بين تلك التشكيلات، بسياق هدف معلن هو توحيد الجهود الأمنية والعسكرية، وآخر خفيّ، يتمثل بسعي كل كتلة إلى البروز كجهة ممثلة عن الجيش الوطني وقراره.

وأسفرت الاندماجات والانشقاقات في نهاية المطاف عن بروز ثلاث كتل رئيسية، وهي الفيلق الثالث، وهيئة ثائرون للتحرير، وحركة التحرير والبناء، ما أدى إلى تشظي غرفة "عزم"، على اعتبار أن هذه الكتل بدأت تعمل بشكل مستقل تماماً، بعد أن كانت معظمها ضمن قيادة واحدة.

وتحدث موقع تلفزيون سوريا مع مصادر ميدانية، وأخرى أمنية في الجيش الوطني، وكلها أكدت أن انقسام غرفة "عزم" أسهم بشكل كبير في عودة الخروق الأمنية والاقتتالات بين الفصائل بشكل عام.

وتضيف المصادر: "هناك حالة من التنافس بين الفيلق الثالث وهيئة ثائرون للتحرير، وكل جهة تسعى إعلامياً لأن تكون صاحبة الثقل الأكبر في الجيش الوطني، ومن يتتبع التفاصيل الصغيرة يلحظ ذلك، وتكون غالب الخطوات من خلال الزيارات الميدانية وبناء العلاقات بشكل أكبر مع الجهات المحلية، مثل العشائر ومراكز الشرطة والمجالس المحلية والجامعات وغيرها".

وتشير إلى أن معظم فصائل الجيش الوطني أصبحت تحت قيادة واحدة في فترة نشاط "عزم"، لكنها الآن مشتتة، وحتى الكتل الثلاث الحالية في الجيش لا يمكن المراهنة على استمرارها بهذا الشكل، فأغلب الفصائل فيها ما تزال تعمل بشكل مستقل، من دون تنسيق كامل فيما بينها.

وترى المصادر أن مما زاد انقسام "عزم" قضية فرقة السلطان سليمان شاه بقيادة محمد الجاسم "أبو عمشة"، وسعي الفيلق الثالث لمحاسبته على انتهاكات نُسبت له، ثم اصطدامه بكتلة "هيئة ثائرون للتحرير" التي استغلت الحادثة لكسب "أبو عمشة" وتعزيز حالة الاصطفاف والعمل بشكل مستقل كجسم ينافس الفيلق الثالث على السيطرة والنفوذ.

وتحدثت المصادر عن عدة أوجه للخلاف بين الكتلتين ظهرت فيما بعد وعززت حالة الانقسام، من أبرزها الخلاف على فتح معابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، والتواصل مع هيئة تحرير الشام، مضيفة أن الجهات المفترض أن تجمع الطرفين وتعزز العلاقة بينهما، مثل الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة لعبت دوراً في ترسيخ الخلافات، إذ أظهرت دعماً واضحاً لهيئة ثائرون، يمكن ملاحظته من الزيارات والاجتماعات المتكررة لرئيس الحكومة مع قادة الهيئة، من دون أن تُلحظ هذه النشاطات مع الكتل الأخرى، سواء الفيلق الثالث أو حركة التحرير والبناء.

اغتيالات وفلتان أمني

بدأت عمليات الاغتيال ضد قادة وعناصر في الجيش الوطني بالتصاعد في شهر شباط الماضي، وفي غضون أسبوع فقط، اغتال مجهولون القياديين في الفيلق الثالث محمد الحسين في مدينة اعزاز، وناصر الصيداوي في مدينة الباب، والقيادي في حركة التحرير والبناء فادي الخطيب في مدينة الباب.

ومع بداية شهر رمضان، تصاعدت الخلافات بين فصائل الجيش الوطني، وشهدت منطقة عولان في الباب بريف حلب الشرقي مطلع نيسان الجاري، اشتباكات بين الفيلق الثالث، ومجموعة تتبع له، بعد أن قررت الأخيرة الانشقاق عن الفيلق، والعودة للعمل تحت اسمها القديم "أحرار الشام القطاع الشرقي"، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عناصر من الطرفين.

وفي فجر 6 نيسان هاجم مجهولون حاجزاً للفيلق الثالث في سجو بريف حلب، ما أدى إلى مقتل القيادي محمد بربوري، وجميع العناصر الذين كانوا في الحاجز.

وشهدت ناحية بلبل بريف عفرين اشتباكات بين فرقة الحمزة وفيلق الشام ما أدى إلى إصابة رجل مسن، ثم اندلعت اشتباكات بين فرقة المعتصم والفرقة التاسعة في مدينة عفرين ما أسفر عن مقتل شخصين، في حين قُتل عنصر من فرقة السلطان سليمان شاه في ريف جرابلس، من جراء اشتباكات اندلعت بين مجموعتين من الفصيل نفسه.

وفي مساء 21 نيسان اغتال مجهولون العنصر في الجبهة الشامية عمر تجريك، من خلال إطلاق الرصاص عليه في مدينة اعزاز شمالي حلب.

ورغم صدور قرار عن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة يمنع عناصر الجيش الوطني من حمل السلاح بين المدنيين أو الأسواق، فإن ذلك لم يحدّ من المواجهات التي لم تقتصر على التشكيلات العسكرية، بل امتدت لتكون في بعض الأحيان عائلية وعشائرية.

وذكرت مصادر محلية في الحسكة، أن 3 عناصر من الجيش الوطني قتلوا إثر خلافات نشبت بين فصائل الجيش مساء الجمعة الماضي، وتطورت إلى اشتباكات مسلحة في مدينة رأس العين.

ونعى مهجرون من الغوطة الشرقية، الشرطي مصطفى البرش، الذي قُتل إثر اشتباكات بين فصيلي لواء السلام، واللواء 51 في الجيش الوطني داخل مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.

انتقاد للواقع الأمني في ريف حلب

بشكل يومي، توجه انتقادات للجيش الوطني السوري، بسبب سوء الحالة الأمنية في مناطق سيطرته، ونشوب اشتباكات مسلحة في الأسواق وبين منازل المدنيين، ما يسفر عن وقوع قتلى وجرحى في غالب الأحيان.

الصحفي خالد الخطيب، قال في تغريدة على تويتر: "‏هذا المسلسل الشبه يومي (الاقتتال) فيه ضرر أكبر من المسلسلات التي نبه المجلس الإسلامي السوري إلى خطورتها، كان الأولى بالمجلس وأعضائه الذين يحرصون على زيارة قادة الفصائل والتقاط الصور معهم أن يلفتوا انتباههم إلى وجود قطاع طرق ومتعاطين في صفوف تشكيلاتهم، وأن التنافس فيما بينهم لا يبيح لهم ضم القذرين".

 

 

بدوره قال الباحث أحمد أبازيد في تغريدة: "‏اليوم في عفرين وأمس في رأس العين، اقتتال بات شبه يومي داخل "الجيش الوطني" على رؤوس الناس وأرواحهم، لا أحد يستقيل أو يعتذر أو يحاسب والقصة تتكرر بلا نهاية.. رحم الله شهداء رصاص الجهل والرعونة ونسيان شرف القضية والسلاح".

 

 

بدوره أشار الباحث فراس فحام، إلى وقوع ‏قرابة 12 حالة اقتتال بين فصائل الجيش الوطني السوري منذ بداية نيسان/أبريل الجاري، راح ضحيتها أكثر من 6 قتلى بالإضافة إلى الجرحى، مضيفاً أن هذا التصاعد بالاشتباكات الداخلية يجري بالتزامن مع حالة الجمود التي أصابت غرفة القيادة الموحدة (عزم) بسبب خلاف الفصائل على إدارة الملف المالي.

هيئة تحرير الشام المستفيد الأكبر

تعدّ "هيئة تحرير الشام" من أكثر المتضررين من تشكيل غرفة "عزم" واجتماع غالبية فصائل الجيش الوطني تحت مظلتها، كونها تستفيد بشكل أو بآخر من حالة التناحر الفصائلي شمالي حلب، بالتالي استمرار حالة الفلتان الأمني، وهو ما يسمح للهيئة بالتغني بإدارتها للملف الأمني في محافظة إدلب وقدرتها على ضبط التجاوزات والحد من الاقتتالات.

وبعد انقسام غرفة "عزم"، أصبحت هيئة تحرير الشام أكبر المستفيدين من ذلك، ولم يفوّت الإعلام الرديف في الهيئة الفرصة للضرب في الجيش الوطني وانتقاد حالة الفوضى في ريف حلب، عكس ما تشهده إدلب، بحسب وصفه.

وتسعى الهيئة عبر أدواتها الإعلامية لتعزيز الشرخ بين فصائل الجيش الوطني، من خلال دعم "هيئة ثائرون للتحرير" (إعلامياً)، مقابل انتقاد "الفيلق الثالث" والتحذير من مشاريعه التوسعية والإقصائية للآخرين -وفق قولها- بحجة وجود "جيش الإسلام" داخله.

وأعاد الإعلام الرديف في الهيئة، نشر كلمة سابقة لزعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، في أثناء اجتماعه مع عدد من المهجرين من حلب وريفها والذين يقيمون بإدلب، في آب/أغسطس من العام الماضي، يقول فيها: "مددنا أيدينا للناس في المنطقتين بدرع الفرات وغصن الزيتون وما نزال، والتقيت بعدد كبير من قادة الفصائل والوجهاء في المنطقتين، إذا كانت هناك إرادة للاندماج والتوحد فالأمر ممكن التحقيق، وأنا دعوت لحالة اندماجية أكثر من مرة، والناس هناك يطالبوننا بالدخول إلى المنطقة، ويقولون لنا بأن مناطقنا في ريف حلب تعجّ بالفوضى والأمن فيها معدوم، كنا نقول لهم بأننا لا يمكن أن ندخل من دون رضا الناس هناك، أو على الأقل بالتنسيق وبرضا الفصائل".

هل يكمن الحل في تشكيل جهاز أمن مركزي؟

من ضمن الحلول التي يقترحها خبراء في مجال الأمن، تشكيل جهاز أمني موحد مركزي، بين جميع فصائل الجيش الوطني السوري وقوات الشرطة، وتوحيد الحواجز الأمنية، والتعامل بحسم مع المتسببين في حالة الفوضى وتكرر الاشتباكات البينية.

وقال ضابط شرطة منشق عن النظام السوري -فضل عدم ذكر اسمه- لموقع تلفزيون سوريا: "إذا عجز الجميع عن توحيد فصائل الجيش الوطني على كل المستويات، فيجب على الأقل توحيد الجهود الأمنية، لأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تضبط المنطقة أمنياً في ظل عدم اعتراف فصائل الجيش الوطني بالشرطة، ووجود حواجز متنوعة التبعية بين البلدات، وعدم وجود جهة رادعة يمكن أن تتدخل في حال وقوع اشتباكات ومحاسبة المتسبب بها".

ويؤكد العميد عبد الباسط عبد اللطيف، الحاصل على شهادة الدراسات العليا في العلوم الشرطية والقانونية، والمنشق عن وزارة الداخلية في النظام، أن من العوامل التي تتسبب في حالة الفوضى شمالي سوريا، عدم وجود جهاز أمن وطني موحد، حيث تتشتت الجهود الأمنية بين أمنيات الفصائل التابعة للجيش الوطني، وعدم التنسيق بينها، واهتمام كل جهاز بمنطقة أو فصيل معين، مما يؤدي إلى ضعف المتابعة وعدم الوصول إلى نتائج إيجابية على المستوى الأمني.

وأوضح أن الجهاز يمكن أن يحتوي على العديد من الضباط المنشقين الذين كانوا يعملون بقطاعات أمنية، وإعداد كادر مدرب بشكل علمي، وتأمين التقنيات الحديثة من أجهزة ومعدات تستخدم بهذا المجال، فكل هذا من شأنه أن يعزز الحالة الأمنية ويؤمن تبادلا للمعلومة عن أصحاب السوابق في كل مناطق الشمال السوري، لا أن تكون كل منطقة معزولة عن الأخرى فتضيع المعلومة.

وتعليقاً على الأحداث الأخيرة من اقتتالات واغتيالات في ريف حلب، ومنطقة "نبع السلام" شرق الفرات، يقول مصدر بالمكتب الأمني لغرفة "عزم" في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إن "حالة الفلتان الأمني والاشتباكات المتكررة، لن تُحل أو تتوقف إلا إذا أصبح الجهاز الأمني بيد جهة واحدة، بالتنسيق مع الجميع"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن تتوقف هذه الاختراقات في ظل وجود أطراف متعددة، وكل طرف لا يستطيع التدخل بالآخر.. سابقاً كان الجميع يعلمون أن عزم هي المرجعية الأمنية الوحيدة، ويصعب على المجرم أن يلعب بين السطور، عكس ما يجري الآن"، وفقاً للمصدر.