icon
التغطية الحية

انعكاسات تسلّم تركيا لمنظومة صواريخ S400 على موقفها في سوريا

2019.07.14 | 16:07 دمشق

وصول دفعة من منظومة إس 400 الروسية إلى مطارعسكري في العاصمة التركية أنقرة (الأناضول)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أعلنت وزارة الدفاع التركية يوم أمس الجمعة 12 من حزيران / يونيو عن وصول أول جزء من منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسيةS400  إلى قاعدة "مرتد" في العاصمة أنقرة، لتكون خطوة تنفيذية في إطار إتمام الصفقة التي جرى خط حروفها الأولى في تموز / يوليو 2017.

وأثارت الصفقة تكهنات كثيرة حول ما إذا كانت تركيا قد بدأت بالتوجه كلياً إلى التحالف الاستراتيجي مع روسيا كبديل عن الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى تأثير هذه الصفقة على الموقف التركي وصلابته في سوريا وخاصة شمال البلاد التي تشهد معارك قوية منذ أكثر من شهرين بين فصائل الجيش الحر المتحالفة مع أنقرة وقوات النظام السوري بدعم من روسيا.

 

تجزئة الملفات

من خلال تتبع السياسة التركية في الملف السوري وخاصة في السنوات الأخيرة بعد تدخلها العسكري المباشر منذ آب / أغسطس 2016، فيمكن ملاحظة سعيها لتجزئة الملفات والمناورة بين روسيا والولايات المتحدة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح المرتبطة بأمنها القومي، فدخلت في مسار أستانا الثلاثي الذي تعتبر روسيا أنها الطرف الأبرز فيه، واستطاعت من خلاله فرض نوع من التهدئة في إدلب وريف حماة لأشهر طويلة كي لا تتفاقم الأوضاع الإنسانية قرب حدودها، واستطاعت عبر التنسيق مع روسيا إطلاق عمليتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، كما تمكنت من خلال "أستانا" المساهمة في تشكيل اللجنة الدستورية بوصفها ضامنا لـ"المعارضة السورية"، لكن تعاملت معه كمسار مكمل لـ "جنيف" المرعي من قبل الأمم المتحدة، وأكدت تركيا مراراً عبر وزارة خارجيتها أنها تؤيد الحل في سوريا وفق قرارات الأمم المتحدة وأبرزها 2254 المتعلق بالانتقال السياسي.

ورغم العمل مع روسيا لكنها دخلت في مفاوضات طويلة وشاقة مع الولايات المتحدة المتحكم الفعلي بملف "شرق الفرات" من أجل الوصول إلى تفاهم حول تشكيل منطقة آمنة تؤمن لها حدودها مع ضمان عدم الصدام المباشر مع واشنطن.

الموقف التركي في شمال سوريا لم يدفع موسكو للتهديد بإيقاف صفقة الصواريخ، ذلك لأن المصالح التركية – الروسية رغم تضاربها فإنها غير متعلقة فقط بالملف السوري

ومررت تركيا مؤخراً بعض الأسلحة النوعية إلى فصائل الجيش السوري الحر ومن بينها صواريخ مضادة للدروع، مكنتها من تعزيز صمودها في وجه الحملة الروسية على ريف حماة، وذلك لأن تركيا لا ترغب باقتراب قوات النظام من حدودها، ولأنها تخشى من موجات لجوء جديدة إلى أراضيها، وتهديد منجزاتها في "غصن الزيتون" و "درع الفرات" بسبب التنسيق الخفي بين "وحدات الحماية" والنظام وروسيا،  لكن الموقف التركي في شمال سوريا لم يدفع موسكو للتهديد بإيقاف صفقة الصواريخ، ذلك لأن المصالح التركية – الروسية رغم تضاربها فإنها غير متعلقة فقط بالملف السوري، وإنما مرتبطة بالدور الذي تطمح روسيا للعبه في الشرق الأوسط، وبحلمها القديم في الوصول إلى المياه الدافئة ( البحر المتوسط)، ورغبتها في زعزعة حلف شمال الأطلسي ( الناتو) من خلال تحييد تركيا الركن الجنوبي المهم لأمن بلدان الحلف، وأمور أخرى تتعلق بالطاقة وخشية روسيا من أن تساهم تركيا عن طريق مد خط "نابوكو" في إيجاد بدائل لأوروبا من الغاز الطبيعي تغنيها عن الاحتكار الروسي .

ومن غير المرجح أن تغير تركيا نهجها في سوريا على المدى القريب والمتوسط، خاصة وأنها لم تفعل ذلك في ظل التصعيد الروسي الكبير، وأصرت على الإبقاء على نقاط مراقبتها في ريف حماة وإدلب رغم تعرضها لقصف متكرر، ومقتل وجرح عدة جنود خلال الشهر الماضي.

ومن غير المرجح أن تغير تركيا نهجها في سوريا على المدى القريب والمتوسط، خاصة وأنها لم تفعل ذلك في ظل التصعيد الروسي الكبير، وأصرت على الإبقاء على نقاط مراقبتها في ريف حماة وإدلب

ولا يقتصر الخلاف في توجهات السياسة الخارجية بين تركيا وروسيا على سوريا وحدها، إذ يتحرك الجانبان باتجاهات مختلفة في الملف الليبي أيضاً، حيث دعم الجيش التركي "حكومة الوفاق" بمدرعات تساعدها في التصدي لهجوم قوات الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" على طرابلس، في حين لم تخف روسيا وقوفها إلى جانب "حفتر" الذي زار موسكو عام 2017، حيث تدخلت الأخيرة في شهر نيسان / أبريل الفائت، وعطلت صدور بيان من مجلس الأمن الدولي كان سيدعو الجنرال الليبي إلى وقف الهجوم على طرابلس.

 

S400 تمنح تركيا مناورة أكبر في سوريا

ستساهم منظومة الصواريخ S400 في تعزيز قدرة أنقرة على المناورة بالملف السوري وبالأخص في منطقة "شرق الفرات"، على اعتبار أن هذه المنظومة ستعزز من قدرة تركيا المتعلقة بالدفاع عن حدودها، كما أن الشروع في تنفيذ الصفقة يحمل في طياته رسالة لواشنطن تؤكد عزم أنقرة على المضي قدماً في تأمين البدائل من خلال العلاقة مع روسيا.

وأعلن وزير الدفاع التركي "خلوصي آكار" في اليوم التالي لوصول الأجزاء الأولى من الصواريخ الروسية إلى أنقرة، أنه اتفق مع نظيره الأمريكي "مارك إسبر" على إرسال وفد عسكري من أجل بحث تفاصيل "المنطقة الآمنة"، مشيراً إلى تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات بالمسألة.

ستساهم منظومة الصواريخ S400 في تعزيز قدرة أنقرة على المناورة بالملف السوري وبالأخص في منطقة "شرق الفرات"، على اعتبار أن هذه المنظومة ستعزز من قدرة تركيا المتعلقة بالدفاع عن حدودها

وتأتي تصريحات "آكار" بعد أيام من وصول وحدات جديدة من قوات "الكوماندوس" التركية مدعومة بالدبابات والمدرعات إلى الحدود مع سوريا قرب "تل أبيض" و "عين العرب"، في ظل تقارير صحفية تتحدث عن اقتراب لحظة إطلاق عملية "شرق الفرات".

وأكد وزير الدفاع التركي في خضم حديثه عن التقدم في مباحثات "المنطقة الآمنة" أن شراء بلاده منظومة S400 لا يعني تغيراً في توجهاتها الاستراتيجية.

ويعتمد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على علاقته الطيبة مع نظيره الأمريكي "دونالد ترامب" لتجنب ردة فعل واشنطن على صفقة الصواريخ الروسية، بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على أنقرة من ضمنها إخراجها من برنامج تصنيع طائرات الشبح F35، وحرمانها من الحصول على قطع غيار لطائراتها من الطرازات الأخرى.

واستبق "ترمب" وصول الصواريخ الروسية إلى أنقرة بالتبرير لتركيا والتأكيد على أنها قامت باللجوء إلى روسيا بسبب رفض إدارة "أوباما" طلب تركيا المتعلق بشراء منظومة "باتريوت" الأمريكية.

ويعتمد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على علاقته الطيبة مع نظيره الأمريكي "دونالد ترمب" لتجنب ردة فعل واشنطن على صفقة الصواريخ الروسية

وتدرك أنقرة تماماً أن قرار إخراجها من برنامج تصنيع الطائرات الأمريكية المتطورة ليس بالأمر السهل، على اعتبار أن واشنطن ستكون مضطرة للبحث عن ممول بديل لأنقرة، بالإضافة إلى أن هكذا خطوة ممكن أن تدفع الإدارة التركية مرة أخرى لتأمين البدائل عبر روسيا، وشراء طائرات SU-57 المنافسة للشبح الأمريكية.

 

تركيا تسعى لجمع المتناقضات

من المحتمل أن تعمل تركيا على جمع المتناقضات وعدم الاكتفاء بشراء المنظومة الروسية، وإنما قد تقوم أيضاً بعقد صفقة مع الولايات المتحدة تتضمن شراء المنظومة الجوية "باتريوت"، وقد أكدت تصريحات صادرة عن وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو" شهر آذار / مارس الماضي بالفعل هذا الخيار.

وقد تقدم تركيا على هذه الخطوة لعدة أسباب، أبرزها ضمان عدم توتير علاقاتها بحلف الناتو، والاستمرار في برنامج تصنيع الطائرات الأمريكية، لأنها ستتجنب بذلك أبرز مسوغ أمريكي لإخراج أنقرة من البرنامج، وهو الخشية من تسرب تكنولوجيا طائراتها إلى روسيا، لأن سلاح الجو التركي سيكون عنده إمكانية الاكتفاء فقط بدمج منظومة "الباتريوت" مع الطائرات الأمريكية وأنظمة حلف شمال الأطلسي، مع الاحتفاظ بالمنظومة الروسية مستقلة.

من المحتمل أن تعمل تركيا على جمع المتناقضات وعدم الاكتفاء بشراء المنظومة الروسية، وإنما قد تقوم أيضاً بعقد صفقة مع الولايات المتحدة تتضمن شراء المنظومة الجوية "باتريوت"

وفي حال نجحت أنقرة في جمع هذه المتناقضات، وتمكنت من تجنب أي تصعيد أمريكي ضدها، فستؤمن لنفسها مناورة كبيرة، ولن تضطر للمفاضلة بين التحالف مع واشنطن أو التحالف مع موسكو، وهذه بالضبط هي الرؤية الخارجية التي تبناها حزب العدالة والتنمية منذ توليه السلطة في تركيا عام 2002، والتي جرت له احتكاكات متتالية مع واشنطن.

ويبقى التحدي الأبرز أمام الرؤية التركية هو قدرتها على تجنب ردة الفعل الأمريكية بالاعتماد على العلاقات مع "ترمب"، خاصة وأن "الكونغرس" بإمكانه التحرك لفرض عقوبات على أنقرة، أو ممارسة الضغط على البيت الأبيض لدفعه باتجاه اتخاذ إجراءات عقابية ضد أنقرة، فقد سبق وأن قامت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)  في شهر نيسان / أبريل الماضي بتعليق الأنشطة المرتبطة بتشغيل طائرات f35 في تركيا.