انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني على دول الخليج العربي

2022.09.26 | 06:56 دمشق

انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني على دول الخليج العربي
+A
حجم الخط
-A

تتفاوض إيران منذ أكثر من عقد من الزمن مع مجموعة العمل المشتركة التي تضم كلا من (الصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وأميركا، وألمانيا) على مجموعة من البنود وأهمها: أولاً، إيقاف إيران إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب الذي يمكن استخدامه في السلاح النووي، ومن المهم التأكيد على أن إيران وصلت لنسب عالية من إنتاجه في الوقت الحالي. ثانيا، تحديد عدد وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران تشغيلها، ومستوى تخصيب اليورانيوم، وكذلك حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب. ثالثاً، تنفيذ بروتوكول من شأنه أن يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المقيد إلى منشآتها النووية وإلى مواقعها غير المعلنة.

ومن جانبها تلتزم الولايات المتحدة الأميركية بالوفاء بتعهداتها تجاه إيران التي تشمل تخفيف العقوبات، وعليه تُلزم مع دول الاتحاد الأوروبي برفع القيود عن أصول مجمدة في البنوك الدولية تقدر بـ 150 مليار دولار. وبعد توقيع الاتفاق سترفع العقوبات تدريجياً عن 17 بنكا و150 مؤسسة اقتصادية إيرانية، على أن تبدأ طهران من اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق بالتراجع التدريجي عن خطواتها النووية. كما سترفع القيود عن تصدير طهران 2.5 مليون برميل نفط يوميا.

ويجب الإشارة هنا إلى وجود حزمة من العقوبات الأميركية لن ترفع عن إيران حتى بعد توقيع الاتفاق، مثل العقوبات المفروضة على خلفية أزمة الرهائن الأميركيين الذين احتجزتهم إيران عام 1979، والعقوبات المتعلقة ببرنامج الصواريخ البالستية، وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان، ودعم الجماعات الإرهابية، حيث سمحت هذه العقوبات بإبقاء القيود على العديد من المعاملات المالية الدولية لإيران.

نسلط الضوء في هذه المقالة على الانعكاسات على دول الخليج العربي في حال توقيع أو عدم توقيع إيران الاتفاق النووي مع مجموعة العمل المشتركة.

انعكاسات توقيع الاتفاق على دول الخليج العربي

في حال التوقيع على الاتفاق، ستحقق إيران فوائد اقتصادية متعاظمة، ومن المعروف أن إيران تعيش منذ سنوات حالة من التراجع في الأداء الاقتصادي، فقد شهد الريال الإيراني انخفاضاً شديداً في قيمته أمام العملات الرئيسية العالمية، كما انخفضت الفاعلية الإنتاجية بدرجة كبيرة بفعل العقوبات التي أعاقت عمليات الاستيراد والتصدير. وفي حال توصل إيران   إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية ستتمكن من الوصول إلى 275 مليار دولار تقريباً من الفوائد المالية خلال عامها الأول، وتشمل الوصول الكامل إلى 141 مليار دولار من الأصول المجمدة، و66.4 مليار دولار من عائدات تصدير النفط، و55 مليار دولارًا من عائدات الصادرات غير النفطية، و12 مليار دولار من الوفورات من انخفاض كلفة الواردات. وستزيل الصفقة المقترحة العقوبات غير المباشرة المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، الذي يسيطر على ما بين 20 و40 في المئة من الاقتصاد الإيراني، في حين أن الحرس الثوري الإيراني سيبقى على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

قد تنظر دول الخليج إلى توقيع الاتفاق على أنه معرقل لامتلاك إيران للسلاح النووي، لأنها ستخضع لنظام التفتيش على برنامجها النووي، وستوقف أنشطتها في تخصيب اليورانيوم. وقد تحقق بعض دول الخليج فوائد اقتصادية بعد رفع العقوبات عن طهران، لا سيما الإمارات التي تعد ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، حيث بلغ حجم التجارة 16 مليار دولار في عام 2021، ويتوقع أن ترتفع قيمة التبادلات التجارية بين إيران والإمارات بعد العودة للاتفاق.

لكن في الوقت ذاته سيحمل التوقيع على الاتفاق بصيغته الحالية انعكاسات خطيرة على دول الخليج العربي تتمثل بعدم القبول الإيراني بإدخال ملف الصواريخ البالستية ضمن الاتفاق النووي، وفي وقت تصر فيه دول الخليج لا سيما السعودية على أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتجاوز المسألة النووية وأن يتعامل أيضًا مع برنامجها للصواريخ البالستية التي تهدد أمن المنطقة. وترى السعودية أن إيران تنشر تكنولوجيا الصواريخ في المنطقة عبر دعم أذرعها مثل جماعة الحوثي في اليمن التي تهدد بشكل دائم أمن السعودية عبر إطلاق صواريخ عليها، مما يجعل الرياض تحت التهديد أكثر من النووي الإيراني.

والنقطة الأخرى هي الأنشطة المزعزعة للاستقرار (أذرع إيران)، حيث تمتلك طهران تنظيمات في جميع أرجاء المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، والعديد من الميليشيات في سوريا والعراق.

وتتخوف دول الخليج من أن إيران بعد توقيع الاتفاق سوف تستخدم الموارد المالية التي ستحققها بعد رفع العقوبات لتغذية أنشطة الميليشيات التي ستزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة.

انعكاسات عدم توقيع الاتفاق على دول الخليج

في حال عدم التوقيع على الاتفاق، ستستمر إيران في عملية تخصيب اليورانيوم للوصول للنسبة المطلوبة لتصنيع السلاح النووي، وبذلك قد تدخل نادي الدول النووية حتى ولو بشكل غير رسمي مثل الاحتلال الإسرائيلي وكوريا الشمالية. وسيبقي هذا السيناريو إيران تحت العقوبات الاقتصادية التي كانت السبب في الانخفاض المستمر لمؤشرات الاقتصاد الإيراني بشكل عام.

من المهم التوضيح في حال امتلاك إيران للسلاح النووي سيشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي لدول الخليج العربي، إلا أنهم قد ينظرون إلى استخدام إيران للسلاح النووي في المنطقة هو أمر مستبعد لسببين أساسيين: الأول، يشكل القرب الجغرافي مانعاً لاستخدام السلاح النووي الذي قد يؤدي إلى تلويث مياه الخليج، وقد ينتقل عبر الرياح إلى إيران. ثانياً، الردع الأميركي لا يزال قوياً عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من التهديد. كما أن احتمالية امتلاك طهران للسلاح النووي سيشعل منطقة الشرق الأوسط في صراع لتوازن القوى، حيث من الممكن أن المملكة العربية السعودية ستسعى لامتلاك السلاح النووي.

دول الخليج العربي ستتأثر بشكل حتمي بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني أو من عدم توقيعه، والنتيجة الثابتة كما تبين معنا هي أن دول الخليج تتأثر سلباً بدرجات متفاوتة في تحقق إحدى السيناريوهات. وبتوقيع الاتفاق ستفرج البنوك العالمية عن مبالغ طائلة لصالح إيران قد تستخدمها كوسيلة في زعزعة استقرار المنطقة، كما أن الاتفاق لم يتضمن تقييد أنشطة إيران في تطوير الأسلحة البالستية. وفي حال عدم التوقيع ستسعى إيران بشكل حثيث لامتلاك السلاح النووي الذي سيهدد أمن دول الخليج.