"انتو كمان انضبّوا":خطاب حزب الله بلسان العهد وما بعده

2019.09.05 | 19:54 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عمد شبان متحمسون إلى تعليق صورة على باب السفارة التركية في بيروت تحمل  هاشتاغ "انتو كمان انضبوا " المبني على ما كان زعيم حزب الله حسن نصرالله قد خاطب به الإسرائيليين مؤخرا.

يترجم هذا السلوك ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون من توصيف مرحلة الوجود العثماني في المنطقة بأنها كانت إرهاب دولة في مقابل إغداقه المديح على مرحلة الوجود الفرنسي.

استجلبت مواقف الرئيس عون ردود فعل تركية رسمية ومحلية ولكن ترجمتها الفعلية والرمزية تتجلى بشكل فعلي في المعاني الكامنة في الصورة المعلقة على مدخل السفارة، وما أظهره الفيديو المنشور لعملية تعليقها المخالفة للقانون، والتي تمت بوجود عنصر من قوى الأمن حاول منع إنجازها، ولكنه في نهاية المطاف بدا عاجزاً عن ذلك، فاستكان لقدره ومصيره ورضي بالتنازل عن دوره.

يوجه خطاب الصورة رسائل شديدة الخطورة والأهمية فهو قبل كل شيء ببنائه على كلام الأمين العام لحزب الله الموجه نحو إسرائيل، وإعادة توظيفه في إطار ترجمة خطاب أعلى سلطة في الجمهورية اللبنانية، إنما يعني بوضوح تام لا لبس فيه، أن كلام نصرالله قد بات بمثابة نصّ ودستور تخرج من تحت عباءته الأحكام والقوانين وطرق مخاطبة الدول.

بات من نافل القول أن هذا الإطار يسعى إلى أبلسة الطائفة السنية وخصوصاً أن هشاشة واقعها في لبنان وتردي أوضاعها في المنطقة قد دفع بالجمهور السني اللبناني إلى الركون إلى هذيانات القوة والمجد.

ويؤدي إلحاق الدولة التركية بالسياق الإسرائيلي عدة وظائف متصلة بكل ما يشتعل في المنطقة من صراعات وما يدور فيها من مشاريع لأن وصم المرحلة العثمانية بإرهاب الدولة يدفع في اتجاه وسم كل من يتعاطف مع المرحلة العثمانية تاريخياً أو من يحلم باستعادة أمجاد الخلافة بأنه إرهابي أو داعم للإرهاب. 

بات من نافل القول أن هذا الإطار يسعى إلى أبلسة الطائفة السنية وخصوصاً أن هشاشة واقعها في لبنان وتردي أوضاعها في المنطقة قد دفعت بالجمهور السني اللبناني إلى الركون إلى هذيانات القوة والمجد ضمن شبكة استعادات لا تقف عند حدود إحياء أحلام الخلافة وتبني لحظتها العثمانية، بل أنتجت في العديد من المحطات استعادات انفعالية لشخصيات سنية من دون تمحيص أو قراءة.

ولعل مرحلة رئاسة العماد ميشال عون وما تنتجه من خطابات، وحرصه الدائم على تحويل موقع رئاسة الحكومة إلى موقع شكلي استجلب خطابا سنيا هشا، يسمح في هذه اللحظة بأن يتحول الخطاب الموجه إلى الإسرائيليين على لسان نصرالله في ترجمته العونية إلى خطاب يتوجه إلى السنَّة بالتحديد، ويتلازم مع طموحات مشاريع اللقاء المشرقي الأول المرجح أن تنعقد نسخته الدولية الأولى في بيروت منتصف تشرين الأول.

يخاطب العهد الرئاسي بصيغته القائمة وتلك الكامنة في شروع ترئيس باسيل كل من لا يدور في فلكه بهذا الهاشتاغ، مؤكدا على أن السياسة لم تعد عبارة قابلة للترجمة الفعلية في لبنان. 

 افتعال مشكلة من هذا الحجم والشكل مع دولة من وزن تركيا تمتلك نفوذا وتأثيرا على كل ملفات المنطقة، ليس سلوكا ينطوي على شروط السياسة المتطلبة للتروي ودراسة الأمور.

ولعل درجة الخطورة في هذا السياق تتجلى في أنه قد تحول إلى مشروع رسمي لرئاسة باسيل يخاطب من خلاله الروس الحريصين على توكيد نفوذهم في المنطقة من خلال إعلانهم حماية الأقليات، ويخاطب المجال الأوروبي وخصوصا فرنسا الحريصة على لعب الوساطة بين الأميركيين وإيران معتبرا أنها مازالت الأم الحنون.

 تثبت الوقائع المتراكمة أن حجم التحولات في فرنسا قد يقربها إلى سياسة  "فرنسا أولا" ،بما يعنيه ذلك من تقليص لحجم دور فرنسا الخارجي إلى حدود منع تأثيراته على الداخل وعلى انتظام شكل الحكم فيه ليس إلا.

كذلك فإن روسيا التي ترفع لواء الدفاع عن الأقليات وتدرج الموضوع في إطار شرعنة بقاء بشار الأسد، تحرص بوضوح تام على عقد تفاهمات مع السنة وتركيب اتفاقات معهم، وتتعامل مع الموضوع السني بكثير من الحذر والتروي وتعتمد رسمياً عنوان محاربة الإرهاب، وتعقد تفاهمات مع دول مثل تركيا ومع جماعات سنية مختلفة، كما أنها تحرص على أن يكون الجنود الذين تنشرهم في مناطق سيطرتها من السنة.

يعني كل ذلك أن فكرة الحرب على السنة لا تجدي في سياق لبناني لأن دور لبنان في هذه المعادلة لا يغري أحداً، كما أن انضمام مسيحييه العونيين إلى حلف الأقليات أو إلى أي حلف لا يشكل ثقلا وازنا في أي معادلة. 

ما لم ينتبه إليه أرباب اللقاء المشرقي وجماعة حلف الأقليات أن العالم كله قد بات ينظر إلى لبنان ككل بوصفه عبئا ثقيلا يجب التخلص من تحمل مسؤولية التعامل معه، وإنهاء الملفات المرتبطة به والتي تهم أقطاب المنطقة ليصار تسليمه إلى حزب الله أو تركه لمصيره.

يريد باسيل أن يكون رئيسا لبلد يخطب أهله وناسه بخطاب "انضبوا"، ولكن هناك القليل القليل مما يراد إنجازه بعد قبل أن يخرج البلد من دائرة التوظيف.

يريد باسيل أن يكون رئيسا لبلد يخطب أهله وناسه بخطاب "انضبوا"، ولكن هناك القليل القليل مما يراد إنجازه بعد قبل أن يخرج البلد من دائرة التوظيف ففي الأسبوع القادم يزور لبنان ديفيد شنكر الذي تولى منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو لشؤون الشرق الأوسط خلفاً لساترفيلد لتفعيل مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وهكذا فإنه بعد حفلة الرد المبرمج والمنضبط بين حزب الله وإسرائيل على الحدود يأتي التفاوض حول الترسيم الحدودي بقيادة حزب الله ليرسم معالم الفصل، حزب الله الدولة الذي يمارس السياسة استجابة لمصالحه وبين كل ما يصدر عن الشخصيات السياسية اللبنانية من مواقف وتصريحات. يمكننا أن نقول إن حزب الله استخدم شعار ومفردة "انضبوا" في إطار سياسي في حين ترك للداخل اللبناني استخدامها بشكل مغاير تماماً.

من هنا ستتحول معها عملية ترسيم الحدود والشروع في استخراج النفط ضمن واقع موازين القوى القائم والمرشح للاستمرار إلى عملية تمويل مشرعنة له، في مقابل دفعه المجال اللبناني العام رسمياً وعبر رئاسة الجمهورية إلى حالة تلاشي السياسة ووصول الأمور إلى حالة لا يهم معها أي شيء وأي موقع، لأن واقع الأمور لن يكون صالحنا إلا لإنتاج زمن رئاسة جبران باسيل أو ما يعادلها بعملية الفوضى وحلف الأقليات والكارثة. 

كلمات مفتاحية