althania

انتصار الثورة السورية العظيمة

2024.12.09 | 07:56 دمشق

سيببل
+A
حجم الخط
-A

وها أنتم تستيقظون مشبعين بالحرية والكرامة والهواء النقي بعيون غسلتها الدموع وقلوب غسلها النصر، تستيقظون على صباح ما كان فيه الخير كما هو اليوم، وما تخافون أنكم قليل مستضعفون في الأرض يتخطّفكم الناس، صدّقتم أن ما جرى ليس حلماً بل يقظة، وأن ساعات قليلة من النوم تكفي، وأن الشوق يتفجّر لرؤية الأهل والمنزل.

طلقة خرجت في قبتان وصلت دمشق، وقطرة عرق جُبلت بتراب إدلب حَقَنت شلال دم على أسوار الشام، وكلمة طيبة من قادة حرب التحرير أزهرت في قلوب عدوهم قبل حليفهم.

حكايتنا باختصار أن طفلاً نادى للحرية قبل 14 عاماً فأيقظ الكرامة بشموخ لم تكسره سياط الجلادين ورصاص الأمن وظلام المعتقلات وبارود الصواريخ وبرد الشتاء وجوع الحصار واختناق الكيماوي، فانتفض مَن قاوم سؤال الجدوى والملامة المحتملة إذا ما تكرر الدم المسكوب والمقابر الجماعية وقاتل بالأظافر مذخّراً بدعاء النساء وآهات الأطفال، فتزاحمت البلاد بجحافل المارقين والسماء بطائرات المحتلين تنهش من لحمنا، وتراكم المهجّرون في زاوية سوريا فكانت أختنا الكبرى الحنونة، وتملّك القهر منّا ودفعنا اليأس إلى أقاصي الدول وعشنا غرباء في الوطن وخارجه، وانتظرنا ما وعد به طفل في حافلة التهجير بالعودة.. ثم جاء جيل انبرى عوده في خيمة فانتزع قصر كسرى دمشق، كحصاة أقلقت جبلاً هشاً تآكل بدماء الشهداء وغرور السفاح وتعقيدات المشهد ودعوات المظلومين، وعلمٌ رسمناه على وجوه أطفالنا في كل آذار ثقة بوعد الله رُفع راية على الأموي وقلعة حلب وناعورة حماة وساعة حمص وجسر دير الزور، فحُرر المعتقلون ومُدّت دماء من قضوا إلى وجوههم الشاحبة شرياناً، وهُدمت أسوار صيدنايا بحبال المشانق وطار عصفور ميشيل كيلو إلى السماء، وهدم المهجرون خيامهم البالية، ووظب اللاجئون حقائب العودة، ورمى الصحفيون درعهم، وأغلقت المدافع فوهاتها، وشفيت الصدور وفاضت قلوبنا بالفرحة حتى كادت أن تتمزق.

وما تحررت هذه البلاد بالرصاص بقدر ما تحررت بوعي يليق بسوريا والسوريين وعقل راجح يعرف أن للدم خثرة وللمستقبل تنازلات ولساعة الحرية علامات ولهول النصر رؤوس محنية تكرماً وإجلالاً.. تحررت سوريا من دون أن نستجدِ أحدا وكان الأمل بسمر الزنود، ورصاصة لا تعيث فساداً، مدفوعين بحلم البدايات وصرخات معتقلينا حصناً يدفع عنا الاستسلام.. مدفوعين بجثث الشهداء عند أعتاب البيت تسبح بين الدم الطاهر ودموع الرفاق تَذاكِر للجنة.. مدفوعين بدعاء أمهاتنا حبالاً إلى الله.

كان من الصعب أن نحتمل كل هذا التعويض المكثّف والبشريات العظمى والتفاصيل الدرامية مثل أن يهرب بشار الأسد مدحوراً إلى الأبد من دون أي كلمة، يتخطّف الرعب قلبه، فلو قاوم وقُتل لصار في عيون أنصاره بطلاً، ولو تلا بياناً أنه "دافع عن البلاد للرمق الأخير" لصار كذلك، لكنه ساعد كل أنصاره ليكرهوه بلحظة واحدة فسحلوا أصنامه في الشوارع وحرقوا صوره التي تحتل الحيطان.

اللحظات المتخمة بالمشاعر عندما اعتلى شابان دبابة متروكة وسط ساحة الأمويين وركنت أربع صبايا سيارة يصدح منها صوت الساروت معلناً البيان رقم واحد، ومبشراً بأن هذه البلاد ستكون "جنة جنة".

لا تدعوا لأسلئة المستقبل أن تعكّر عليكم هذا الفرح العظيم وأوقفوا شلال رمال الساعة وادفعوا المخاوف المشروعة بقناعة أن هذا الشعب يعيش على خمس طبقات من الحضارات المتتالية، لكن النظام الساقط أخذه أسيراً والآن عاد حراً.

 

هذا مقال قصير.. اعذروني فمشاعري تغلبني على الكتابة أكثر