انتخابات تركية مبكرة.. رصاصة الرحمة؟

2020.10.18 | 00:09 دمشق

facebookcover.png
+A
حجم الخط
-A

حديث الانتخابات المبكرة في تركيا هو حكاية إبريق الزيت التي لا تنتهي. يحركها ويديرها بعض أصوات المعارضة في تركيا لكن توازنات إقليمية وخارجية كثيرة تشجع على خطوة بهذا الاتجاه لإبقاء الموضوع ساخنا في وجه حكومة العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحديدا.

الموضوع لم يغب كثيرا عن مسرح المواجهات السياسية والحزبية في البلاد. الحكم يلوح به كلما ارتفعت أسهمه وشعر أنه قادر على تمديد فترة جلوسه على مقعد السلطة. المعارضة تريد استغلال الأزمات الاقتصادية وتوتر الملفات الخارجية مع العديد من العواصم والدول المستفيدة من استطلاعات رأي عديدة تتحدث عن تراجع في أصوات تحالف الجمهور الذي يجمع حزب العدالة وحزب الحركة القومية.

أردوغان يذهب إلى انتخابات مبكرة وينهي فترة رئاسته قبل موعدها بأكثر من عامين لماذا يدخل في مغامرة سياسية من هذا النوع؟ لماذا يعرض حزبه لامتحان جديد تحت سقف البرلمان قد يفقده الأغلبية التي يمتلكها اليوم؟

في صفوف المعارضة هناك من يرى أن الفرصة سانحة اليوم لتصفية الحسابات مع الحزب الحاكم منذ 18 عاما وإسقاطه مع حليفه حزب الحركة القومية، لكن المشكلة هي أن جناح المعارضة نفسه مشتت مشرذم حول الاتفاق على خطوة من هذا النوع. حزب الشعب الجمهوري وزعيمه كمال كيليشدار أوغلو يطالبون بهكذا تحرك تحت ذريعة إخراج البلاد من أزماتها الداخلية والخارجية، لكن كيليشدار أوغلو يعرف أكثر من غيره أنه يواجه يوميا ورطة الانشقاقات والتشرذم الحزبي الداخلي ويعاني من مشكلة استغلال ورقة أكرم إمام أوغلو مرة أخرى بعدما فشل في تسجيل إنجازات مهمة على رأس بلدية إسطنبول تحسن من مواقع الحزب ونفوذه.

أحزاب أخرى تدعم هذا المطلب بينها حزب الشعوب الديمقراطي الذي تم اعتقال وسجن العديد من قياداته بتهم دعم الإرهاب والتحريض على زرع بذور التفرقة بين المواطنين. لكن المشكلة هي اعتراض الحزب الجيد الذي تقوده ميرال أكشينير على تقديم هذا الموعد لأن البلاد في هذه الآونة لا تتحمل مغامرة من هذا النوع.

المشكلة بشكل آخر هي أنه ورغم تأكيدات قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية أن لا انتخابات مبكرة في تركيا وأن موعد التوجه إلى الصناديق هو في حزيران 2023، فإن الكثير من قيادات المعارضة والأقلام المحسوبة عليها لا تشاطرهم الرأي وتردد أن الرئيس رجب طيب أردوغان وحليفه دولت بهشلي سيتوجهان باكرا إلى الصناديق لأكثر من سبب.

 الحديث عن الانتخابات المبكرة في تركيا هو دائما حديث الساعة في العقد الأخير. هذه المرة الأمور تختلف بعض الشيء. توجه أردوغان إلى انتخابات مبكرة يعني إنهاء باكرا لمدة ولايته بعامين ونصف على الأقل. لكن ذلك حسب الكثيرين وحسب التعديلات الدستورية في النظام الرئاسي المعتمد هو منحه حق الترشح مرة أخرى لمنصب الرئاسة وهو بذلك سيقطع الطريق على نقاش محتمل قد يظهر إلى العلن حول مسألة ترشحه مجددا بعد انتهاء ولايته.

ثم هناك حقيقة أن المفتاح هذه المرة هو ليس بيد دولت بهشلي المعروف عنه أنه كان بيضة القبان دائما في قرارات حساسة من هذا النوع وكما فعل في 24 يونيو/ حزيران 2018 عندما فجر قنبلة الذهاب إلى الصناديق. لكن المفتاح ليس أيضا بيد أي من الطرفين في الحكم والمعارضة لأن الأصوات المطلوبة داخل البرلمان هي ثلثا المجموع العام للمقاعد أي 360 مقعدا وهذا يعني ضرورة التفاهم في الجانبين على قرار من هذا النوع.

مشكلة المعارضة تحت سقف "تحالف الأمة" والتي تقلقها أيضا هي تقديرات رأي تقول إن انتخابات مبكرة تجري قد تسبب صدمة للكثيرين حيث سيتمكن حزب العدالة وحزب الشعب الجمهوري فقط من تجاوز نسبة العشرة بالمئة المطلوبة لدخول البرلمان وأن بقية الاحزاب ستعاني من اللعب خارج الساحة البرلمانية مما يعني تفرد العدالة والتنمية بالسلطة مرة أخرى. المشكلة الثانية بوجه المعارضة هي أن الرهان على حزبي «الديمقراطية والتقدم» برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق على باباجان، و«المستقبل» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو المنشقين عن الحزب الأم، لم يقدم الكثير حتى الآن، فنسبة أصواتهما معا لا تتجاوز نسبة 3 بالمئة كما يقال وهما فشلا حتى الآن في تسجيل أي اختراق حزبي حقيقي

فرص التفاهم على التوجه إلى الصناديق قد تتقدم على غيرها من السيناريوهات فلكل طرف أسبابه وحساباته السياسية والحزبية الضيقة التي يريد استغلالها

في صفوف حزب العدالة. فرصتهما الوحيدة قد تكون دخول الانتخابات تحت سقف حزب آخر في إطار تفاهمات انتخابية أو الرهان على تعديلات في نظامي الانتخاب وقانون الأحزاب وتخفيض حاجز العشرة بالمئة للدخول إلى البرلمان التي بدأت هي الأخرى تطرح في هذه الآونة. الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة مقررة رسميا بعد أكثر من عامين لكن فرضية إجراء انتخابات مبكرة، قد تتحول إلى حقيقة وهو الاحتمال الأقرب الذي قد يرضي الطرفين في الحكم والمعارضة لتصفية الحسابات مرة أخرى. فرص التفاهم على التوجه إلى الصناديق قد تتقدم على غيرها من السيناريوهات فلكل طرف أسبابه وحساباته السياسية والحزبية الضيقة التي يريد استغلالها. العقبة الأهم الآن هي اقناع الناخب والقواعد الشعبية بفوائد تقديم موعد الانتخابات حتى ولو كانت تحمل الخزينة مبالغ مالية ضخمة في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.

ها هي النقاشات حول الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة تعود إلى الواجهة مرة أخرى في تركيا. هدف المعارضة هو إسقاط النظام الرئاسي والعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني كما تقول رئيسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري جانان كافتانجي أوغلو. لكن قيادات في حزب العدالة تردد أن هدف أحزاب المعارضة هو استغلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بسبب وباء كورونا، من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

لحظة الانطلاق قد تكون مع بداية انخفاض حقيقي في نسب الإصابات بالوباء وعودة البلاد إلى الأجواء التي تسمح بذلك صحيا. المنتصف الثاني من العام المقبل قد يكون موعدا مناسبا ربما. تحسن في الوضع الاقتصادي والمعيشي ضرورة بالنسبة لتحالف الجمهور. مراجعة ملفات سياسية خارجية يشوبها الكثير من التوتر بين الضرورات أيضا. لكن المعارضة تراهن على توتر سياسي وتدهور اقتصادي متزايد. وعلى عزلة تعاني منها تركيا في ملفات إقليمية حساسة يتزايد عددها يوما بعد آخر تحملها إلى موقع القيادة. القرار يعود لتفاهم قيادات الحكم والمعارضة معا هذه المرة. لكن كل طرف يريد أن يقوي من مواقعه قبل إعلان ساعة الصفر في المواجهة الجديدة.

نسبة المترددين في تحديد مواقفهم وخياراتهم على مستوى الناخبين تتزايد حسب استطلاعات الرأي وهي فرصة من الممكن لعبها بأكثر من اتجاه على مستوى الحكم والمعارضة. مفاجآت الأجندات السياسة التركية كثيرة وقد تقع في كل لحظة حتى ولو كانت غالبية الثلثين من الأتراك ترفض خطوة من هذا النوع حسب الكثير من استطلاعات الرأي المنشورة مؤخرا.

حسابات الأحزاب السياسية قد تتعارض مع ما يقوله ويطالب به المواطن. القيادات السياسية في الحكم والمعارضة قد تقود الناخب إلى خيار من هذا النوع إذا ما شعرت أن الانسداد السياسي لن يحسم إلا بخطوة من هذا النوع.

تركيا المرحلة السياسية المقبلة ستكون تحت إدارة التحالفات الحزبية أيضا حسب استطلاعات الرأي التي تستبعد تفرد أي حزب في إدارة شؤون البلاد في هذه الآونة. فهل يقلب حزب العدالة المعادلات ويسجل خروقات تبقيه لوحده على رأس الحكم ويخيب آمال كل التوقعات والمراهنين على تراجع قوته ونفوذه وأصواته إذا ما قرر التوجه باكرا إلى الصناديق؟