انتخابات الائتلاف.. بناء للذات أم تبديل للقبعات؟

2021.07.17 | 05:34 دمشق

e6g7ql9wuagnwal.jpeg
+A
حجم الخط
-A

المرحلة التي تعيشها قوى المعارضة السورية، من أكثر المراحل حساسية وتعقيداً بالمعنى الفكري والسياسي والعملي، ففي كل يوم تُلقى في وجوه السوريين أسئلة تذهب في شتى الاتجاهات، وهي تحمل في مضامينها ودلالاتها قدراً من الحيرة، كما تُعبر في ذات الوقت عن شعور ومزاج شعبي عميق يبحث عن إجابات لمواجهة الأحداث وما ترتب عليها من واقع ووقائع في سياق منطقي للثورة السورية للتناغم مع الأهداف والطموحات الوطنية للشعب السوري من جانب، ودون القفز على المستجدات العاصفة التي حدثت بها من جانب آخر

الحوار لتخطي الصعوبات

من المؤكد أن أي حرية حوار ونقاش وإثارة أسئلة هو دليل عافية، شرط أن يكون وفياً للمعايير العلمية والنضالية والوطنية للسوريين باستمرار.  وعلى ضوء إجراء انتخابات الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري المعارض هيئة رئاسية وسياسية جديدة "قديمة "، تبرز مخاطر جدية تطول بالأساس المنهج الذي يمكن من خلاله مواجهة الواقع.

الخطر أو المحذور الأول: يتمثل بالانصياع الكامل للواقع الناشئ، ومحاولة التكيف معه  بأي ثمن وبدون أي ضوابط، بمعنى، إحداث عملية قطع مطلقة ما بين ماضي تجربة العقد الأخير والحاضر، وبهذا يغدو التعامل مع الواقع ومكوناته بمنظور لحظي أو نفعي ضيق وكأنه أبدي ونهائي، الأمر الذي يقود إلى شلل قوى المعارضة السورية وتبعثرها ونمو الانتهازية والهبوط بالمصالح والأهداف الاستراتيجية إلى مستوى محدود لفئة وشريحة اجتماعية وسياسية ضيقة وأنانية، وهي ثغرات وفجوات مجربة في أستانا وسوتشي وموسكو، وفي تجربة المنصات السورية المعارضة، وفي اختراق أجندة فصائل عسكرية عديدة للطموحات السياسية للشعب السوري، بحيث تبدو فيها أجواء الجغرافيا والديمغرافيا السورية في قبضة النظام وقوى الاحتلال الروسي والإيراني الداعمة له على أنها في حال مستقر، أو تكاد ظروف تجعل من العسير إخضاع  ما يجري في الشمال السوري في  شرق الفرات وأرياف إدلب وحلب وحماة والحسكة ودير الزور، لقوانين التحليل السليم مما يساعد على الوقوع في مزيد من الإرباك والتردد، مع الحديث المتكرر عن اللجنة الدستورية لا عن هيئة الحكم الانتقالي، حيث تتم يومياً أكثر من محاولة للتحايل على قانون الصراع الذي أفرز خلال عشرة أعوام مرجعية قانونية ودولية تمثلت بمقررات جنيف واحد واثنان، مع ملف إدانة للنظام ضخم جداً، وطافح بجرائم معقدة وواضحة، وهما مساعدان قويان للإفلات من قوانين التناقض والضغوط الممارسة على السوريين.

المحذور الثاني: ويتمثل بنزعة نقيضة للأولى، أي التعامل مع الواقع وكأنه غير قائم، وأن الأحداث لا يربطها بحاضر ومستقبل السوريين رابط، فمن الخطأ الاعتقاد بأن ما شهدناه من تحركات سياسية أو عسكرية، يهدف إلى التوصل لعدالة تحقق للسوريين نيل مطالبهم العادلة، بينما حقيقتها وجوهرها تهدف لتحقيق ملامح تحديد هوية القوة التي ستسيطر على السوريين، والسؤال المتصل بالمحاذير، هل ستسود قوة الاحتلال الروسي أو الإيراني أم كليهما؟ مع بقاء بطش النظام الذي تشكل يدهُ أداة طيعة  بيد القوى المحتلة لتوجيه مزيد من الدمار على المجتمع السوري، تبرز هنا أسئلة موازية للقوى السياسية المعارضة وقدرتها على الخروج من أزمتها الراهنة لتتمكن من خوض معركة بقائها والخروج من الحالة الانتظارية للأحداث، إلى مرحلة النهوض والسيطرة على مفاصل المواجهة الطبيعية، مع العلم أنها تمتلك أدوات للعمل تُمكنها من الحضور المستمر والفاعل، أفضل من التحول لدريئة تلقي سهام النقد والطعن، حتى وهي تمارس ما تقول عنه ديمقراطية و"تداول للسلطة " في انتخابات هيئاتها القيادية.

بناء الذات والثوابت الوطنية

ارتباطاً بما تقدم، فإن عملية الانتخاب في الائتلاف السوري المعارض، أو بأي جسم سياسي معارض، إن لم تكن قائمة على عملية مراجعة سياسية وتقييم وطني شامل، يشمل مختلف المستويات كعملية تراكمية تعود باستمرار للارتكاز برمتها على أرض الواقع الاجتماعي والسياسي وعلى المستوى الوطني، فإن إعادة التقييم للعملية الديمقراطية داخل جسم المعارضة السورية الداخلي، ستبقى بعيدا عن النواظم والمعايير الوطنية المطلوبة، ذلك أن الانتباه من التحول نحو التحطيم الذاتي أو الوقوع في خطر الانحرافات المدمرة بالمعنى السياسي لتبقى العملية الظاهرة في الانتخابات تجري ضمن محددات قسرية بالمعنيين الموضوعي والذاتي

وهنا لا بد أن نؤكد، أن النظام وجبهة قوتي الاحتلال، يبدوان في حالة تماسك بزعامة موسكو وطهران صاحبتي الفضل والمصلحة على النظام في بقائه، فالحركة الدبلوماسية في الغرب والولايات المتحدة، التي أعقبت عديد المجازر والهجمات التدميرية التي أحدثها النظام في المدن والبلدات السورية، وحالة التصعيد المتنامي في المجازر على إدلب، قصرت في فهم المقصود من رفع صوت الدمار والوحشية المفروضة لإخماد أصوات السوريين المطالبة بالتخلص من النظام

ولو لم يتحقق التزاوج الطبيعي بين فاشية النظام من جهة، وبين قوى الاحتلال الروسي والإيراني من الناحية الأخرى، لما كانت لهذه السيطرة أن تتحقق، فالتراجع والتقهقر لقوة المعارضة على الأرض، جرَ معه تراجعاً وتقهقراً لأحلام الطاغية، وهذا يفسر لماذا يرفض النظام عملياً كل الحلول القائمة على مبدأ الانتقال السلمي والسياسي للسلطة، والتي نادى بها السوريون في البداية بشكل سلمي، لأن النظام يعتبر نفسه ينتمي إلى جبهة قوية تتخذ من الدمار والسحق أداة قوية لفرض نفسها، ولا يستطيع النظام بأي حال من الأحوال أن يفك هذا الرابط معها، فأي انفكاك لهذه العرى تجعله يتحلل ويتلاشى سريعا.

استحالة تصفير التناقض مع النظام

 تمكن النظام بمساعدة قوى الاحتلال من بناء مشروع الربط بين وجوده وبين مصالحها في لحظة التقهقر الكبرى، وقد جاء التدخل الروسي بشكله القوي التدميري، ليعبر بشكل أساسي عن أهداف الربط القائم مع العصابة في دمشق، ولم تتوقف محاولات محو الثورة ، إذ تبين أحداث الأعوام القليلة الماضية أن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح، وهذا الفشل ليس عائداً لمميزات خاصة بالسوريين عن بقية البشر، إنما يعود الى أن قضيتهم تحولت الى رمزٍ طموح للتخلص من مجرم فاق سلوكه مستبدين وطغاة في العصر الحديث.

مجابهة تحديات الواقع، لا تتم بالرضوخ والانهيار تحت وطأته وبالتكيف المتواصل لضغوط مشاريع موسكو وطهران، والأجندة المختلفة للقوى الإقليمية والدولية، إنما عبر إطلاق فاعلية داخلية وطنية في جسم المعارضة السياسية تتجاوز تبديل القبعة القيادية على رؤوس زعمائها، وهي التي تؤسس لحالة نهوض خاصة وعامة في آن.

أخيراً، الأساس الموضوعي لهذا النهوض الشامل، يجد تربته المناسبة في استمرار الصراع مع النظام وحلفائه بعد الفشل المتواصل وعدم قدرة النظام على تصفية جذور العداء له، والتناقض المستحكم بين الشعب السوري وبين طاغيته، هو المستهدف من كل المشاريع السياسية المعنية بتطويع السوريين لمحاولة تصفير التناقض مع النظام.

هكذا يفهم السوريون الفاعلية والجدل والاجتهاد، كظاهرة تعيشها المعارضة السورية، إذا كانت ترغب بالتعبير عن حيوية وتنوع الواقع الذي تعيشه ليكون بمقدورها تخطي الصعاب بما يملكه الشعب السوري من طاقة وتجربة ورصيد وبرنامج ما زالت بنوده تتوالى من درعا جنوباً حتى إدلب شمالاً، وهي تمثل ضميره النابض وضمانا لتجدد ثورته وتواصلها، وكلها عناوين لا يمكن البدء منها وبها دون التخلص من الأسد، ولولادة جديدة للسوريين من دستور بنده الأول لا أبد لأحد بعد إسقاط الأسد ولا قبعة لأحد.