اليوم الدولي للمرأة بين الأقوال والأفعال

2021.03.07 | 05:26 دمشق

pasted-image-0-3-2.png
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن تجزئة الكارثة التي جرها النظام على الشعب السوري إلى أزمات وملفات متفرقة، فالوقائع تؤكد أن الحرب الإجرامية الإرهابية التي شنها النظام على السوريين طالت الجميع، الصغار والكبار، النساء والرجال، كما تسببت سياساته بخراب تراكم على مدى عقود من الاستبداد والإرهاب والتخريب طالت كل مفاصل الدولة والمجتمع؛ لكن من المؤكد أن الضرر والمعاناة التي جرها النظام على نساء سوريا كانت وستظل عصية على الاستيعاب، وأن أحداً لن يمكنه نقل حجم ونوع الألم والأسى والغضب والضيق والخسارة التي مرت بها وتعرضت لها أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا جرّاء تلك السياسات والجرائم والفظاعات.

اليوم، وهو اليوم العالمي للمرأة، ما تزال ملامح المستقبل تبدو قاتمة فيما يتعلق بواقع المرأة السورية، الملف يكاد يكون، إضافة إلى ملف المعتقلين والأطفال، واحداً من أخطر الملفات التي تؤثر على حاضر بلدنا وعلى مستقبلها في المدى المتوسط والطويل.

نقول ذلك ونحن نعمل على الأرض، حيث تمكنت المؤسسات الممثلة للشعب السوري في مختلف المناطق المحررة من القيام بجانب من الواجبات الضرورية، فجرى تأسيس مكتب خاص بالمرأة في الائتلاف الوطني وهو يمارس نشاطاته ويجري لقاءات مستمرة مع مختلف الفعاليات والكوادر وممثلي المجتمع الأهلي والمدني، وقد جرى افتتاح عدد من الفروع والوحدات المتخصصة بدعم وتمكين المرأة في مختلف مدن الشمال السوري، وتقوم هذه المكاتب بنشاطات وندوات وورشات عمل ولقاءات مستمرة تتناول مختلف الملفات بما فيها ملف تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والمجتمعية، وتنسيق التواصل مع كل المؤسسات والمنظمات التي تعنى بالمرأة وتدعم الفعاليات النسائية.

هناك التزام مبدئي من قبل مؤسساتنا بدعم الدور المحوري للمرأة السورية، والانتقال من خطوة إلى الخطوة التي تليها ومن ثم البناء فوق ما يتم إنجازه، بما يضمن فتح المجال للنساء لاكتساب الخبرات ودعوتهن إلى مزيد من الانخراط في مختلف الميادين.

لقد قدمت المرأة السورية خلال مسيرة نضالية ثورية تكاد تختم عقدها العاشر نموذجاً من الإقدام والعزم والالتزام

وفي هذا السياق فإن الحاجة ماسة لمزيد من المبادرات الداعمة للمرأة السورية، المبادرات المخصصة للتواصل مع النساء والاستماع إلى قصصهن المؤلمة والمفرحة، والاستفادة من التجارب التي يخضنها، المبادرات القادرة على دعم مشاريعهن وإبداعاتهن وأنشطتهن، المبادرات القادرة على تعزيز العلاقات بين النساء السوريات في المهجر والداخل وتساهم في تبادل الخبرات بينهن.

 

لقد قدمت المرأة السورية خلال مسيرة نضالية ثورية تكاد تختم عقدها العاشر نموذجاً من الإقدام والعزم والالتزام. نساء سوريا اليوم يمثلن تجربة نضالية عظيمة، واجهن خلالها مختلف صنوف القمع والإجرام بعزيمة صلبة، فتجاوزن محن الاعتقال والتعذيب والتهجير وما زلن يحملن في قلوبهن شوقاً عميقاً للحرية ورغبة جامحة في التخلص من الاستبداد.

وقوف رجال سوريا وشبابها إلى جانب نساء سوريا وشاباتها العظيمات واجب وطني يشرفنا جمعياً، علينا أن نعي تماماً قيمتهن وأن نقف باستمرار إلى جوارهن، متجاوزين بعض التصورات الضيقة التي تحجم دور المرأة أو تخطئ في تقدير رسالتها، وأن ندرك في الوقت نفسه أن كل المصاعب التي مررن بها لن تكون سوى وسام شرف نرفع به رؤوسنا جميعاً ونستعين به على إكمال طريق الحرية والعدالة.

رغم المحنة الهائلة، فإننا وحيثما توجهنا نجد السيدات السوريات يبدعن في كل مكان يوفر الحد الأدنى من فرص الحياة والعمل والإبداع، وكلما اطلعنا على أعمالهن ومنجزاتهن والمشاريع التي يدرنها؛ ازددنا إحساساً بالمسؤولية وبضرورة عمل مزيد من أجل تمكين المرأة السورية في كل مكان وتأمين فرص النجاح والإبداع لها، ودعم المؤسسات والمنظمات التي تهتم بشؤون النساء السوريات.

 

مستقبل سوريا يعتمد على صمود نسائها في الأرياف والمدن والمخيمات وبلدان اللجوء، هذا ما نلمسه في كل لقاء مع ممثلي المجتمعات المحلية ومع سيدات المجتمع في مختلف المناطق، وحتى في لقاءاتنا الخاصة وقصص النجاح التي نسمعها.

النساء المبدعات المثابرات الصامدات والساعيات نحو أهدافهن واللواتي يوسعن مساحة العمل والاهتمام وينقلنها إلى المجتمع رغم كل الضغوط والتحديات، تلك النساء هن النموذج الذي نبحث عنه ونسعى إلى نشره ودعمه ليكون قدوة للشابات ويمهد لهن الطريق نحو المستقبل، ويساهم في تحويلهن إلى سيدات فاعلات في مستقبل سوريا ويمنحهن العزيمة والقوة اللازمة لمواجهة العالم.

نساء سوريا بحاجة إلى دعم العالم كله وليس هناك فرصة أكثر ملائمة من اليوم العالمي للمرأة للتذكير بذلك

بعض المبدعات من نسائنا قادرات على تقديم نماذج فريدة على مستوى العالم، ورغم ما مررن به من معاناة وما تعرضن له من انتهاكات، فإنهن يرفضن الركون إلى دور الضحية، ويفضلن الوقوف في وجه الأزمات ومتابعة الطريق، لكنهن رغم ذلك يحتجن إلى المساعدة لأن الإرادة الجازمة في بعض الأحيان لا تكون كافية للنجاح. نساء سوريا بحاجة إلى دعم العالم كله وليس هناك فرصة أكثر ملائمة من اليوم العالمي للمرأة للتذكير بذلك.

جانب من أدوار المهجرين السوريين اليوم هو العمل على إضاءة هذا الملف، والتذكير بالجرائم التي ارتكبها النظام ضد النساء السوريات وضد الشعب السوري، والتشديد على ضرورة دعم دور المرأة في لم شمل الأسرة والحفاظ قدر الإمكان على نسيج المجتمع ومواجهة التحديات التي تحيط بها هي وأطفالها، هذا اليوم هو فرصة لتحويل الأقوال إلى أفعال، خاصة وأنه يتعلق بأغلى ما لدينا أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا.

يجدر اليوم بالجميع، وخاصة المسؤولين في المنظمات الدولية وقادة الدول الفاعلية أن يدركوا المعنى الحقيقي للأيام الدولية وأن وظيفتها لا تقتصر على تثقيف الشعوب بشأن القضايا الأكثر أهمية؛ بل إلى تذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته ومسؤوليات منظماته وهيئاته ومجالسه تجاه تلك القضايا، وفي اليوم العالمي للمرأة يجدر تذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه نساء سوريا وتجاه تنفيذ القرارات الدولية وتحويلها من حبر على ورق إلى واقع حقيقي على الأرض.