الياس الرحباني يلحق بأخويه

2021.01.06 | 00:06 دمشق

5ff30a5d4c59b7363a6e0088.jpg
+A
حجم الخط
-A

الموسيقار الياس الرحباني (الذي توفي يوم الإثنين 4 كانون الثاني 2021) رجل محظوظ، لأنه الشقيق الأصغر للعبقريين الكبيرين عاصي ومنصور الرحباني، وربما كان، في الوقت نفسه، قليل الحظ، لأنه شقيقهما. أقول: ربما.

ولد الياس في سنة 1938، يعني أنه أصغر من منصور بـ 13 سنة، وأصغر من عاصي بـ 15 سنة، وكان عمره يوم توفي والده 5 سنوات، لذلك عاش برعاية أخويه، وحينما أصبح في سن الشباب كان شقيقاه قد قطعا شوطاً كبيراً في عالم التأليف الشعري والموسيقي والغنائي، وحملا لقب "الأخوان الرحباني"، وأدخلا السيدة نهاد حداد، التي كان حليم الرومي قد لقبها "فيروز"، إلى عالمهما، وبدأا مشروعهما الغنائي الكبير، كما هو معروف.

عشق الياس الموسيقا في سن مبكر جداً، وهذا أمر متوقع ممن يعيش في بيئة كهذه، وبدأ يدرس الموسيقا على ثلاثة محاور، فقد انتسب إلى الأكاديمية اللبنانية سنة 1945، وهو في السابعة من عمره، واستمر حتى تخرج منها سنة 1958، ودرس سنة واحدة في المعهد الوطني اللبناني (1955- 1956)، إضافة إلى تلقيه دروساً من أساتذة فرنسيين لمدة عشر سنوات، وكان على وشك المغادرة، في سنة 1957، إلى روسيا لإكمال دراسته الموسيقية، ولكن إحدى يديه أصيبت، فلم يتحقق السفر، وربما كان ذلك في مصلحته، إذ تعاقدت معه إذاعة "بي بي سي" البريطانية، بعد لأي، على تلحين أربعين أغنية، وثلاثة عشر برنامجاً، وصار يغرد، في ميدان التلحين، سواء في فضاء العائلة الرحبانية نفسها، أو في فضاءات أخرى.. ولعل الأمر المدهش، بل المذهل أن يكون الياس قد أنتج، خلال 83 سنة التي عاشها، ما يقارب 2500 لحن، وأن يستطيع أن يتميز بأسلوبه الذي يجمع بين اللونين الشرقي والغربي.. (على الرغم من أن التميز، في خضم الرحبانيين، أمر شبيه بالمعجزات).

في سنة 1952، عندما بدأت العائلة الرحبانية الفيروزية بفتح الطريق – فنياً – بين بيروت ودمشق، وتسجيل معظم أغانيهم الاحترافية في إذاعة دمشق، كان الياس يرافقهم، وكذلك فيلمون وهبي (1914- 1985)، فقد قال فيلمون لمنصور في إحدى المقابلات التلفزيونية النادرة بينهما: أنا إذا ما بجي معكم عَ الشام بخوت (أي: أصبح أخوت)..

غطى الاسمُ الكبير الذي صنعه "الأخوان الرحباني" على معظم الأسماء التي اشتغلت معهما، وبضمن ذلك اسم الياس، وأظن أن كثيرين يمكن أن يفاجؤوا إذا علموا أن أغنية "يا لورُ حُبُّكِ" قد اقتبسها الياس الرحباني من عازف الفلامينكو الموسيقار الإسباني باكو دي لوسيا (1947- 2014)، وقد وضع لها عاصي ومنصور الكلمات العربية:

يا لور حبك قد لوع الفؤادْ- وقد وهبتُك الحب والوداد

ألا تذكري لياليَ الصفا- وعهداً عهدناه على الوفا

الليل والأحلام، والشاطئ النادي- والشوق والأنغام، والموطن الهاني

يا طيبها أيام، أحلى من الغَفَا- وتنشد الأنسامْ، على الوفا

ولحن الياس لفيروز والفريق الرحباني: الأوضة المنسية، يا طير الوروار، بيني وبينك في أسرار، جينا الدار، قتلوني عيونا السود، يا إخوان، منقول خلصنا، ياي ياي يا ناسيني، كان الزمان وكان، كان عنا طاحون. واشترك مع شقيقيه في تلحين أغنية "قهوة ع المفرق"، وهي مقطوعة فلسفية عجيبة تحكي عن تعاقب الأجيال، وحلول بعضها مكان بعض:

في قهوة عالمفرق، في موقدة وفي نار

نبقى أنا وحبيبي، نفرشها بالأسرار

جيت لقيت فيها، عشاق اتنين زغار

قعدوا على مقاعدنا، سرقوا منا المشوار

يا ورق الأصفر، عم نكبر عم نكبر

الطرقات البيوت، عم تكبر عم تكبر

تخلص الدنيي وما في غيرك يا وطني

يا وطني آه، بتضلك طفل زغيّر

لحن الياس الرحباني لمطربين كبار من مثل وديع الصافي ونصري شمس الدين وماجدة الرومي وملحم بركات، إضافة لصباح التي غنت من ألحانه كيف حالك يا أسمر، وشفته بالقناطر.. وأما عن معزوفاته الموسيقية، والموسيقا التصويرية الخاصة بالأفلام والمسلسلات، فحدث ولا حرج، منها فيلم دمي ودموعي وابتسامتي الذي أخرجه حسين كمال سنة 1973 عن قصة إحسان عبد القدوس، وفيلم "حبيبتي"، وفيلم "أجمل أيام حياتي"، إخراج بركات 1974، ومسلسل عازف الليل إخراج أنطوان سين ريمي، وفي مناسبة رحيل الياس الرحباني كتب المخرج الكبير هيثم حقي مذكراً بأن الياس الرحباني وضع الموسيقا التصويرية المتميّزة لمسلسله اللبناني "رماد وملح" تأليف جوزيف حرب وإنتاج السيدة وداد يونس وبطولة نضال الأشقر وأنطوان كرباج ودينا عازار وعمار شلق ومجدي المشموشي ومي صايغ... والعديد من نجوم لبنان..   

لا شك أن برنامج سوبر ستار الذي انطلق من تلفزيون المستقبل سنة 2003 وهو من أوائل البرامج العربية التي حققت انتشاراً جماهيرياً غير مسبوق، يجري من خلاله استقطاب المواهب الغنائية الجديدة، وهو البرنامج المستمر، بتسميات أخرى، على قناة mbc  حتى الآن، وكان الياس أبرز المحكمين في انطلاقته الأولى، بلا شك.

في سنة 2004 ظهرت أغنية صابر الرباعي "أتحدى العالم"، وحينما سمعها الياس الرحباني لاحظ أن اللحن شبيه بمعزوفته التي أبدعها في السبعينات  "نينا ماريا"، ولأن الملحن خالد البكري والشركة المنتجة روتانا لم يقبلا بالتفاوض معه، فقد لجأ إلى القضاء وربح الدعوى.

حصل الياس، خلال مسيرته، على جوائز عديدة، منها: جائزة مسابقة شبابية في الموسيقا الكلاسيكية 1964، جائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie في مهرجان أثينا عام 1970، شهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية عام 1977، الجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان عام 1995، الجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا. وعام 2000 كرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.

كلمات مفتاحية