الوزير الناجح سيرغي لافروف.. الذي لا يُطاق

2018.09.02 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بكلمات متوعدة ومقتضبة، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما بقي من قوى عسكرية معادية للنظام السوري، في إدلب، بأنها "خرّاج" يجب التخلص منه.

هذه ليست المرة الأولى التي يبدو فيها لافروف أشبه بالقصف التمهيدي لبداية هجوم عسكري واسع النطاق. منذ الهجوم على مدينة القصير، تولى تشكيل درع دبلوماسي للدفاع عن بشار الأسد وعصاباته. مهماته السابقة كانت دوماً تمهيد الطريق "الدبلوماسي"، وإحداث عاصفة غبار استباقية تشوش أي رؤية واضحة للواقع، قبيل الإقدام على جريمة جديدة يرتكبها الحلف الروسي – الأسدي – الإيراني. في مناسبات كثيرة يبدو "أسدياً" أكثر من الأسد نفسه، ومعظم الوقت هو بوتيني أكثر من فلاديمير بوتين ذاته.   

من الصعب أن نجد "دبلوماسياً" لديه لغة منفرة واستفزازية كما هي حال وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف. كلما ظهر في مؤتمر أو في لقاء أمام كاميرا أو تفوّه أمام مايكروفون، تشعر أنه على أهبة الانقضاض على من يقف أمامه.

بعينين لئيمتين ونبرة عدوانية وتجهم ثابت، مع صوت عميق وصارم، يدير لافروف سياسة روسيا الخارجية. وإذا كان فلاديمير بوتين محظوظاً بخصومه الذي هم على شاكلة دونالد ترمب، فهو أكثر حظاً في عثوره على حلفاء وأصدقاء ومعاونين مثل رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف ووزير الدفاع سيرغي شويغو ووزير الخارجية سيرغي لافروف. الرجل الأخير، يكاد يكون لقية بوتين المفضلة، طالما أنه الوزير الأطول بقاء في منصبه، منذ نهاية الاتحاد السوفياتي.

عند الحديث عن سوريا، يتطور اللؤم عند لافروف إلى ما يشبه الكراهية والضغينة. إنه مستعد للتخلي عن أي لياقة دبلوماسية حين يتعلق الأمر بهذا البلد

عند الحديث عن سوريا، يتطور اللؤم عند لافروف إلى ما يشبه الكراهية والضغينة. إنه مستعد للتخلي عن أي لياقة دبلوماسية حين يتعلق الأمر بهذا البلد، خصوصاً في الحديث عن مصير النظام الأسدي. السباب والكلمات البذيئة التي تفوه بها ذات مرة في مؤتمر صحافي بحضور وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، دلّت أنه مثل رئيسه، غضوب ومتعصب ودائم التوجس من نوايا الآخرين.

الديبلوماسية تبدو معه ليست فناً من أجل الفن، إنها حفلة تهديد ووعيد، مناسبة لإظهار الغضب والشراسة. تدليلاً على ذلك، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي منذ توليه الوزارة أكثر من أي وقت مضى من العهود الروسية (وربما السوفياتية).

التفاني العملي والنشاط المحموم اللذان يميزان لافروف، متأتيان من إيمانه الحار بواجبه القومي، وانسجامه مع أفكار بوتين ورفاقه المتشددين، في سعيهم العصيب (والعدواني أحياناً كثيرة) لاستعادة روسيا أدوارها الامبراطورية، ونفوذها السياسي والعسكري خارج حدودها.

يستطيع أن يستخدم فن المراوغة الكلامية ببراعة، إلى حد أن ما يبدو كذباً فاقعاً، يتحول بين شفتيه إلى حقائق بديهية لا غبار عليها. مثالاً على ذلك، إصراره المريع في اتهام "الخوذ البيضاء" بما يسميه مسرحيات استخدام السلاح الكيماوي. تكشف لغته ومراوغاته أي نوع من الدبلوماسية يبتكرها هذا الرجل. فلأسباب تتعلق بمواثيق الدبلوماسية لا تستطيع أن تقول له: أنت كاذب. وهذا بالضبط ما يستثمره في عمله "الدبلوماسي". الوقاحة هنا تفترس التهذيب. من أجل ذلك، لم يتورع أيضاً عن شتم وزير خارجية بريطانيا أو إعلان احتقاره لرئيس جورجيا أو قادة أوكرانيا. جرأته على إعلان التحدي الفظ متأتية من رهانه على أن "الآخرين" مهذبون بالضرورة، حتى في سياق الرد عليه.

وانسجامه مع أفكار بوتين ورفاقه المتشددين، في سعيهم العصيب (والعدواني أحياناً كثيرة) لاستعادة روسيا أدوارها الامبراطورية، ونفوذها السياسي والعسكري خارج حدودها

ظاهرياً، تبدو مشاكساته مربحة، وهو على الأرجح يتمتع شخصياً بتسجيل انتصارات من هذا النوع. أفضل مثال على ذلك، لقاءاته مع وزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري. كان دوماً يظهر وكأن كيري يترنح تحت وقع لكماته، ويتراجع أمام براعته، ويتنازل له بأقل جهد ممكن.

أسلوب عمله السياسي هو "التحدي". روسيا بمواجهة العالم كله. روسيا تحارب المؤامرات. وبالطبع، فهذا الشاب الأرمني الأصل، الشيوعي المتحمس، الذي سينتمي تالياً إلى حزب "روسيا القوية"، متشرب حتى النخاع التراث السياسي والثقافي الذي يجد دوماً أن روسيا "البريئة" هي باستمرار "ضحية" الخبث الغربي.

يستطيع بصفاقة نفي أي شيء لا يلائم رأيه أو سياسته، لا يوارب أبداً. وإذا جمعنا كل تصريحات النفي التي أعلنها عما جرى ويجري في سوريا، وقررنا تصديقه، سيبدو الأمر أن هناك سبع سنوات سورية كلها وهم بوهم. لم يحدث شيء، لا قصف لا تهجير لا مجازر لا تعذيب لا مفقودون لا بيت مدمر.. ولم تخرج تظاهرة واحدة ضد النظام السوري. سبع سنوات هي مجرد شائعات مفبركة في مطابخ الإعلام المعادي والمتآمر.

على كل حال، هذا الرجل ليس سيئاً من وجهة نظر الدولة الروسية، بالعكس إنه مثال الموظف المخلص لمصالح دولته. بمعنى آخر، إنه يعمل وفق مشاعر محددة، ومنظومة أخلاقية واضحة: "إعلاء شأن روسيا إلى مصافِّ القوة التي لا تُقهر في العالم". هذه مهمة مقدسة لحزب بوتين وعقيدته القومية. ولافروف هو أفضل جندي لتنفيذ المهمة.

"إعلاء شأن روسيا إلى مصافِّ القوة التي لا تُقهر في العالم". هذه مهمة مقدسة لحزب بوتين وعقيدته القومية. ولافروف هو أفضل جندي لتنفيذ المهمة

طريقته في الهجوم الكلامي العالي النبرة، تضع أي خصم أو مفاوض أو محاور في موقع دفاعي فوراً. ولا يترك يوماً يمر من دون التصويب على دولة أوروبية أو على الولايات المتحدة. وحتى عندما يبدي مرونة ما، فإنها مستبطنة دوماً بالاستفزاز، على مثال: "مستعدون للاجتماع مع ممثلي الدول ذات السياسة غير الودية، ومنها واشنطن". "الاستعداد للاجتماع" مقرون بفائض استعلائي واستفزازي، يحيل المشاورات والاتصالات الدبلوماسية إلى مبارزة عنيفة.

هناك وزراء خارجية خالدون من طراز الأمير النمساوي كليمانس مترنيخ، الذي ساهم بصياغة السياسات الكبرى للدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، أو من طراز الأميركي هنري كيسنجر الذي جسد معنى البراغماتية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ووزراء خارجية عابرون من طراز اللبناني جبران باسيل (...) أو حتى السوري وليد المعلم (...)، لكن من لن ينساه السوريون أبداً هو سيرغي لافروف، أول الواضحين في قوله إن بقاء الأسد شرط لبقاء الأقليات في سوريا ومنعٌ لحكم الأكثرية السنّية. عبارة كافية لنفهم أنه كان وزير دبلوماسية "الإبادة".