الوباء مستمر في حصد الأرواح والأحلام

2020.03.30 | 00:33 دمشق

00007.jpg
+A
حجم الخط
-A

بتنا أسرى وباء كورونا الذي سيطر على سلوكنا اليومي ومشاعرنا وأفكارنا ومخيلتنا جميعاً. ليس فقط لأننا معرضون للإصابة بالعدوى أو الموت بسببها، ونبذل ما في وسعنا لتجنب هذا المصير، بل كذلك لأن وسائل الإعلام التي تشكل نافذتنا الوحيدة على العالم منشغلة تماماً بأخبار الوباء وكل ما يتعلق به من تدابير حكومية وتصريحات الخبراء والسياسيين وتأملات المفكرين وكلام عامة الناس على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتراجعت حصة السياسة في وسائل الإعلام إلى مراتب متدنية، ليس لأنها غير مهتمة، بل لأن مواجهة الوباء باتت هي الموضوع الأول، وربما الوحيد، على جدول أعمال السياسة أيضاً، بخاصة وأن التدابير الوقائية المتشددة تؤدي إلى شلل الدورة الاقتصادية إلى حد كبير، وانخفاض حجم التجارة، وارتفاع نسبة البطالة، وزيادة الإنفاق الحكومي، وتراجع العرض في الأسواق مع ارتفاع الطلب على مجموعة من السلع والخدمات الأساسية، وغيرها من المشكلات التي تمس ميدان السياسة بصورة مباشرة. كذلك أصبح موضوع الوباء وسبل مواجهته البند الأول في السياسات الدولية، كما في سلم أولويات الأمم المتحدة.

لذلك رأينا الأمين العام للمنظمة الأممية غوتيريش يوجه نداءاً إلى القوى التي تخوض حروباً في مختلف أرجاء العالم إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار والتفرغ لمواجهة الوباء. كذلك دعت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة ميشيل باشليه حكومات الدول إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجونها من أجل التخفيف من الازدحام فيها، ليتسنى تأمين مسافات أمان كافية بين السجناء.

فإذا نظرنا إلى سوريا سنرى أن النظام لم يتوقف عن قصف مناطق مختلفة من محافظة إدلب وريف حلب، في الأسبوعين الماضيين، على رغم الاتفاق الروسي التركي بشأن وقف العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد الرابعة الموقع في موسكو في 5 آذار. أما السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى التي يحتفظ فيها النظام بعشرات آلاف المعتقلين، فلا يأمل أحد بأن يحتكم النظام إلى العقل ويطلق سراحهم تجنباً لتفشي الفايروس القاتل. يوم الإثنين الفائت كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في دمشق لإبلاغ بشار الكيماوي بموجبات اتفاق موسكو وإقناعه بوقف هجمات قواته في إدلب. أما المعتقلون – جرحنا المفتوح – فلن ينقذهم من براثن النظام وخطر كورونا إلا ضغط دولي جدي مصحوب بتهديد، فهذه هي اللغة الوحيدة الناجعة مع النظام الذليل أمام القوة.

أما السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى التي يحتفظ فيها النظام بعشرات آلاف المعتقلين، فلا يأمل أحد بأن يحتكم النظام إلى العقل ويطلق سراحهم تجنباً لتفشي الفايروس القاتل

وخارج السجون والمعتقلات، هناك أخبار مقلقة عن تفشي الوباء في حمص التي تم عزل بعض أحيائها، وهي أخبار غير رسمية نظراً إلى كذب النظام بشأن حجم الخطر الداهم. فقد اعترف بتسع إصابات فقط، في حين أن الظروف السورية الخاصة تدفع إلى توقعات أكثر سوداوية. حظر التجول الليلي في دمشق، والمرسوم الخاص بتسريح جزئي لبعض فئات الضباط والأفراد في القوات المسلحة، يشيران إلى أن الوباء ينتشر في مناطق سيطرة النظام.

وعلى مستوى العالم، تجاوز إجمالي عدد الإصابات بالعدوى 710 آلاف شخص، وعدد الوفيات 33 ألفاً. والأخطر من هذه الأرقام هو أن لا أحد يعرف كم سيستمر الوضع على هذه الحال، وما حجم الخسائر البشرية المتوقعة في الفترة القادمة، وذلك بسبب عجز أكثر الدول تطوراً وغنى عن تطويق الكارثة. من يرى ما يحدث في إيطاليا وفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة لا بد أن يتوقع الأسوأ بالنسبة لدول بإمكانيات وموارد أقل، كتركيا ومصر وبالطبع إيران التي فتك بها الوباء قبل إيطاليا وما زال.

الوباء عالمي، والمواجهة قومية. لم نر أي تكافل بين الدول لتطوير استراتيجيات موحدة لتطويق الوباء، أو لتقديم العون إلى الدول المحتاجة، إلى حين الحصول على اللقاح المنتظر. وفي الأمس اختلفت حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول إنشاء صندوق مشترك لمواجهة آثار الوباء. الاقتراح الذي جاء من دول الجنوب الأكثر تضرراً، إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، اعترضت عليه دول الشمال كألمانيا والدول الاسكندينافية. فقامت مجموعات يمينية في إيطاليا بإحراق علم الاتحاد الأوروبي. فهل نشهد، في الفترة القادمة تشققاً في الاتحاد الأوروبي، كأثر جانبي لوباء كورونا، يضاف إلى خروج بريطانيا، ليفيق الأوروبيون، بعد العاصفة، على واقع سياسي جديد؟

الوباء عالمي، والمواجهة قومية. لم نر أي تكافل بين الدول لتطوير استراتيجيات موحدة لتطويق الوباء، أو لتقديم العون إلى الدول المحتاجة

ولن تقتصر الآثار بعيدة المدى للوباء على القارة الأوروبية. يتوقع كثيرون أن تستغل الأنظمة السلطوية هذا الحدث لتشديد قبضتها على المجتمع بذريعة قطع الطريق على أوبئة قادمة. حتى في الديموقراطيات العريقة هناك ميل إلى تعزيز الرقابة على الأفراد، من المحتمل أن يتسلح بالذريعة نفسها لفرض مزيد من السيطرة والرقابة والضبط. ومن المحتمل ألا تعود أبداً أجواء الانفتاح وحرية التنقل بين الدول والقارات. من كان يخطر في باله أن يقرر الرئيس الأميركي في لحظة واحدة وقف جميع الرحلات الجوية القادمة من أوروبا، من غير أي تنسيق مع حكومات تلك الدول. لقد فعلها الرجل في تغريدة! ومن كان يتوقع أن يتم تعميم "إذن السفر" الذي كانت السلطات التركية تطبقه على اللاجئين السوريين من أجل التنقل بين مختلف المحافظات التركية، فيشمل جميع المواطنين في تركيا؟ لكنه حدث.

ما زلنا في أول الطريق. فلم نشهد، إلى الآن، هجوماً على المتاجر للاستيلاء على ما قد يتوفر من مواد غذائية، أو صراعات مسلحة بين الأفراد للحصول على الغذاء والطاقة كما صورت العديد من أفلام اليوم التالي على الكارثة. ففي أزمنة الكوارث يعود الإنسان إلى بدائيته، وتفقد القيم الأخلاقية معناها. ما معنى ألا يحظى ضحايا كورونا بميتة لائقة فلا يودعهم أحد من أحبتهم؟ هذه الواقعة وحدها كافية لتوقع الآثار الخطيرة التي يحتمل أن يواجهها من سيبقون على قيد الحياة.