icon
التغطية الحية

الهفو والحرفوش.. كيف حوّلا عملية ثوار درعا البلد ضد خلايا داعش إلى خلاف عشائري؟

2022.11.08 | 14:45 دمشق

ئئءؤ
اجتماع قادة الفصائل المحلية واللواء الثامن ووجهاء المحافظة في درعا البلد
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

أطلقت مجموعات محلية مقاتلة في مدينة درعا قبل أسبوع عملية أمنية لاجتثاث خلايا تنظيم الدولة ومجموعات تعمل على إيوائهم، عقب تفجير انتحاري استهدف منزل قائد سابق في الجيش الحر ما تسبب بمقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين. وتخللت الاشتباكات ضد خلايا التنظيم جلسات مفاوضات بمبادرات محلية للتوصل إلى حل، إلا أن عنصرين سابقين في الجيش الحر متهمين بإيواء خلايا التنظيم حركا مظاهرات ضد العملية وحولاها إلى خلاف عشائري، كما يعملان على بث خطاب مزاودة بـ "ثوريتهم" وعمالة من يهاجمهم لأنهم طلبوا المؤازرة من اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة.

مجموعة الهفو - الحرفوش.. الحكاية من البداية

ولفهم تعقيدات الموقف والتطورات المتسارعة لا بد من العودة بالزمن إلى عام 2017، حينذاك وبينما كان الجيش الحر يشن هجومه الواسع ضد قوات النظام في معركة "البنيان المرصوص" والتي كانت استكمالاً لمعركة "الموت ولا المذلة" في حي المنشية؛ تعرضت مستودعات وآليات الفصائل المشاركة في "البنيان المرصوص" لتفجيرات، وانتهت التحقيقات باعتقال عنصر في الجيش الحر يسمى محمد المسالمة والملقب بـ "الهفو"، وسجنه في "سجن القلعة" في مدينة بصرى الشام لمحاكمته، لكن "الهفو" خرج من السجن بوساطة عشائرية قبيل سيطرة النظام على الجنوب السوري عام 2018.

ومنذ سيطرة النظام على حوران، وظهور حالة مختلفة لسيطرة المعارضة في الجنوب السوري متمثلة بـ "اللجان المركزية"، كان الحدث الأكبر في المنطقة في نهاية تموز من العام 2021 عندما خاضت المجموعات المقاتلة المحلية معركة مفتوحة لثلاثة أيام ضد قوات النظام في درعا البلد وامتدت إلى أريافها، وانتهت المعركة باتفاق كان مرضياً للجنة المركزية في مدينة درعا والأهالي، ونصّ على انسحاب النظام من مواقع ووقف إطلاق النار وإجراء عمليات تسوية لمن تخلف عن تسويات عام 2018، كما طلبت مخابرات النظام انسحاب مجموعات من مواقع محددة، ومن بين هذه المجموعات مجموعة "الهفو" ومؤيد الحرفوش الملقب بـ "أبو طعجة" اللتان تمركزتا في درعا المخيم وطريق السد، لكن الأخيرين رفضا الانسحاب ما هدد بعودة الاشتباكات، ورفضت اللجنة المركزية اقتحام النظام لمجموعة الهفو – الحرفوش وتعهدت هي بضمان انسحاب المجموعة، ولكن "الهفو" أصر على البقاء في المنطقة ورفض جميع المطالب الشعبية بالانسحاب، وبدأ المزاودة ضد اللجنة المركزية، رغم أن مشاركة مجموعته في معركة الأيام الثلاثة ضد قوات النظام كانت محدودة.

شسيب
الهفو والحرفوش

استقرت الأوضاع في درعا البلد بعد معركة 2021 لكن زادت وتيرة التفجيرات والاغتيالات في مختلف مدن المحافظة، بعضها كان النظام متهماً بالوقوف خلفها مستعيناً بمجموعات محلية تعمل معه، وبعضها كان تنظيم الدولة المتهم بها. وكان من بين ضحايا الاغتيالات عدنان أبازيد ومعتز قناة (أبو العز قناة) أحد أبرز قادة الجيش الحر العسكريين، و"قناة" هو الذي حقق مع "الهفو" عام 2017 بتهمة تفجير مستودعات غرفة عمليات "البنيان المرصوص".

شسيب
عدنان أبازيد ومعتز قناة (أبو العز قناة)

انفجار الموقف

وما فجّر الأحداث الأخيرة هو تفجير عنصر من داعش نفسه بحزام ناسف في منزل القيادي السابق في الجيش الحر غسان أكرم أبازيد الواقع بالقرب من مدرسة اليرموك في حي الأربعين، في الـ 28 من الشهر الفائت، ومقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين. لكن مَن أرسل الانتحاري لم يتوقع أن يبقى رأسه وملامح وجهه بينما تمزق جسده لعشرات الأجزاء، وذلك كان رأس الخيط في التحقيقات التي أفضت إلى أن الانتحاري هو "أبو حمزة سبينة" وهو عنصر لدى يوسف النابلسي الملقب بـ "أبو البراء النابلسي" أو "أبو خالد النابلسي" والذي كان قيادياً في "جيش خالد بن الوليد" المنتمي لتنظيم الدولة وينحدر من بلدة تل شهاب، والنابلسي يعيش في المنطقة بحماية "الهفو" و"أبو طعجة". وهذا ما أكد الشكوك السابقة بأن الهفو يؤوي خلايا داعش وبينهم عراقيون، وهي الخلايا التي سبق أن حاربتها المجموعات المحلية في جاسم وتسيل وعدوان سابقاً.

قبل التفجير الانتحاري بأيام تحركت مجموعات مدينة جاسم ضد خلايا تنظيم الدولة لاجتثاثها، وبثوا تسجيلاً مصوراً لعنصر من الأسرى يدعى رامس الصلخدي اعترف فيه أنه يتلقى أوامره من رئيس جهاز المخابرات العسكرية بدرعا "لؤي العلي" لاغتيال المعارضين والقادة السابقين في الجيش الحر بالتنسيق مع ابن عمه نضال المقرب من العلي وقيادات حزب الله.

وبالعودة إلى درعا البلد، قرر مقاتلو المدينة المحليون شن عملية أمنية ضد خلايا تنظيم الدولة التي يؤويها الهفو والحرفوش في المخيم وطريق السد، ووصلت مؤازرات من مدينة جاسم واللواء الثامن للمشاركة في العملية، وبعد اشتباكات سقط فيها قتلى من الطرفين، دأب الهفو والحرفوش ومناصروهم على ترويج خطاب عشائري ومناطقي بأن "آل أبازيد" يشنون هجوماً على "آل المسالمة" أو أن أهالي حي الأربعين يهاجمون أهالي المخيم وطريق السد.

بعد يومين من الاشتباكات طرح وجهاء من المحافظة مبادرة لإنهاء القتال الدائر، وفي جلسة للوجهاء مع اللجنة المركزية، أكدت الأخيرة أن ما يجري ليس خلافاً عشائرياً، وقدم الوجهاء مقترحاً باحتكام الهفو والحرفوش إلى طرف ثالث أو الخروج من المدينة، وهو ما وافقت عليه اللجنة المركزية ورفضته الهفو والحرفوش، وهنا تمت العودة لاستكمال العملية الأمنية.

ومع تجدد الاشتباكات وانكشاف وجود مزيد من عناصر وقادة في تنظيم الدولة في منطقة نفوذ الهفو والحرفوش، لجأ الأخيران إلى إخراج مظاهرة ضد وجود اللواء الثامن في مدينة درعا، ليرد عناصر اللواء بالرصاص بدعوى أن المظاهرة ليست مدنية وإنما هي لعناصر الهفو والحرفوش. وقاد المظاهرة المدعو فادي العمري الذي طالب النظام بدخول المدينة، والذي نشرت صفحات محلية على فيس بوك صورة له يجلس إلى جوار لؤي العلي ويهمس في أذنه.

شسيب
فادي العمري ولؤي العلي

واجتمع يوم أمس الإثنين قياديو الفصائل المحلية واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس ووجهاء من المنطقة في درعا البلد لمناقشة استمرار العمل العسكري على خلايا داعش ومن يؤويهم.

وفي الاجتماع ذكر الحضور العديد من الأسماء التي قتلها خلايا التنظيم في محافظة درعا.

هل ما يحدث في درعا فتنة؟

وشدد الناشط السوري أحمد أبازيد في منشور على صفحته في الفيس بوك أن "الذين يحاربون الهفو والحرفوش هم من أبناء درعا البلد وهم نفسهم الذين حافظوا على نموذج درعا مختلفاً عن أي منطقة سيطر عليها النظام في سوريا، ومنعوا التغول الإيراني في الجنوب، وحافظوا على الكتلة الاجتماعية والنفس الثوري فيها، وهم نفسهم الذين أطلقوا شرارة الثورة السورية قبل 11 عاماً، وهم الذين منعوا النظام من اقتحام المخيم ضد هفو - الحرفوش أنفسهم، ولكن تعرضوا لعمليات اغتيال وعبوات وآخرها تفجير انتحاري من قبل هذه المجموعات".

وأوضح أن الهفو والحرفوش "ليسوا جهاديين بقدر ما هم أحد النماذج الكثيرة لفاسدين وقاطعي طرق وجدوا في كل منطقة منذ بداية الثورة السورية، ولكن هذه النماذج نفسها التي اعتمدت عليها داعش أساساً منذ عام 2013، لأن هذه المجموعات كانت منبوذة من التيار الثوري العام ومن الفصائل الأكثر انضباطًا، فوجدت مسار انتقام وشرعية بديلة عبر الاستعانة بداعش، عدا عن مصالح مالية وتجارة حبوب".

وأشار إلى أن "الحديث عن فتنة واستهداف المجاهدين من قبل ذات الفئات تكرر منذ عام 2014 عند أي اصطدام ضد داعش وأطيافها"، وأن للمعركة القائمة حالياً ضريبة ستدفع لكنها ستكون أقل الأضرار ما لم يبدأ مقاتلو درعا المعركة.

وأضاف: "يمكن الحديث طبعاً أن المعركة المفتوحة لن تكون سهلة ولا محسومة وربما تضعف موقف الجنوب أكثر أمام تدخل النظام نتيجة الفوضى، وسيُقتل فيها أيضاً خيرة من تبقى من ثوار المنطقة، وأنه كان هناك خيارات أخرى ممكنة، ولكنه النقاش نفسه منذ إطلاق المعركة ضد داعش في الشمال السوري بداية 2014، والذي تسبب بخسارة أكثر من نصف المناطق المحررة لصالح داعش، ولكن عدم إطلاق المعركة كان سيؤدي لخسارة كل مناطق الثورة وشبابها".

وعن مشاركة اللواء الثامن في العملية واستغلال ذلك من قبل الهفو والحرفوش للمزاودة على اللجنة المركزية والمقاتلين المحليين؛ قال أبازيد: "هناك حديث أيضاً عن مشاركة اللواء الثامن -فصيل شباب السنة في بصرى الشام سابقًا- في الحملة، وهو تابع للاحتلال الروسي ولا شك أنه لا يمكن قبول نموذجه ولا تبريره، وما فعله في 2018 خيانة واضحة ولا تغتفر، حاول اللواء الثامن لعب دور وسيط في المشاكل السابقة بين الأهالي والنظام وهو يقدم نفسه كخيار محلي بديل عن أجهزة النظام -وإيران- الأمنية والعسكرية، ولذلك انضم له خلال الأعوام السابقة المجموعات التي تتهرب من الأمن العسكري والمخابرات الجوية، ولذلك اشترط حسام لوقا تفكيك هذه المجموعات في الحملة الأخيرة على درعا، وربما يصعب شرح توازنات الجنوب وأطراف المعادلة فيه، ولكن هذه الاختلافات بين الأجهزة هي التي سمحت ببقاء مناطق درعا خارج سيطرة النظام المطلقة وحافظت على بقية الثوار فيها".

وختم منشوره: "جميع المعارك التي خاضها الثوار ضد داعش سابقاً كانت بالتزامن معارك بين النظام وداعش أيضاً، هذا لا يعطي شرعية لداعش ولا يلغي شرعية المعركة ضدها. الجميع يفضل تجنيب درعا أي حالة فوضى والحفاظ على وضع استقرار يحمي الأهالي هناك ويحافظ على تكتلهم ونموذجهم الخاص، ولكن لوم المعتدى عليه ليس هذا وقته".